المرأة العاملة.. بين مسؤولية الأسرة والعمل الوظيفي

أفراح باقر

2016-07-21 08:01

تسود اليوم إشكالية شاخصة في المجتمع العراقي حول خروج المرأة للعمل، وانشغالها بمهام وظيفية قد تشكل مانعا لأداء دورها التربوي لأسرتها ورعايتها كما يجب، فبين معارض معارضة تامة لعملها خارج البيت، واعتبار أن خروجها لأداء وظيفة معينة، هو خروج عن تعاليم الدين والمجتمع، وبين مؤيد لها تأييد مطلق وتشجيع دائم كي تواصل عملها الوظيفي، على اعتبار أنه مؤثر قوي وفعال يساهم في تنميه مهارات المرأة وقدرتها، ويجعل منها عنصرا فاعلا في المجتمع، بدلا من أن يقتصر دورها على أشغال البيت والأسرة، لذا لابد من مساندة المرأة وحصولها على حقوقها الضائعة واحتلالها لمكانتها اللائقة.

وهكذا يبدو الحال متأرجحاً بين معارض ومؤيد للمرأة، فنرى بعضهم يعطي لها الحق في الاختيار أو الجمع بين العملين وحسب طاقتها الفكرية والجسدية، لكونها وحدها صاحبة الحق في هذا الاختيار وهي من سيتحمل مسؤولية اختيارها.

فالمرأة وبكل اختصار كان إنساني لا تختلف في إنسانيتها عن الرجل، كما أن اختلافهما في الخصائص البدنية والعاطفية لا يعني بالضرورة اختلافهما في الحقوق والواجبات الإنسانية، فهذان الجنسان متساويان في الإنسانية، كما نقرأ ذلك في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم)، وجملة (يا أيها الناس) تشمل الرجال والنساء، فالمشاعر التي يشعر بها الرجل نفسها تشعر بها المرأة، والقيم التي يسمو إليها الرجل تسمو إليها المرأة أيضا، وكذلك الأعمال البطولية التي يحققها الرجل بإمكان المرأة أن تحققها، لذلك يجب أن يُنظر للمرأة بعين الإنسان السامي، لتتضح حقيقة تكاملها وحرمة حقوقها وحريتها.

وهكذا ينبغي أن ينظر للمرأة ككائن يستطيع أن يكون سببا في إصلاح المجتمع وعنصرا فاعلا في تطوّره، لكن لابد للمرأة أن تدرك أن مسؤوليتها الأولى التي ستسأل عليها بين يدي رب العالمين، هو دورها كزوجه وكأم، (كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته)، ويعتمد نجاحها على عده عوامل بعد الاتكال على الله تعالى.

ومن هذه العوامل:

- أن تتحلى بالصبر، فعندما تكون صبورة، تستطيع أن تواجه الضغوطات سواء كانت في العمل الوظفي أو من البيت وما يتعلق باحتياجات (الزوج، والأطفال)، أو من المجتمع.

- أن تحافظ على حالتها النفسية بحيث لا تنعكس على علاقتها بزوجها أو أطفالها.

- أن تكون واعية لدورها كزوجة وكأم فتعي مقومات العلاقة الزوجية الناجحة.

- أن تعي مقومات التربية السليمة وأهدافها.

- أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملها بحيث يتناسب مع شخصيتها وظروفها، (فيمكن أن تتواجد في كل الوظائف باستثناء الإمامة وتولي القضاء وهذا رأي المشرع الديني).

ويبقى أهم عامل لتحقيق نجاح المرأة هو المحافظة على عفتها وشرفها وحجابها، فممارسة المرأة للعمل لا يعطيها الحق في التنازل عن حجابها، بل العكس فمحافظتها على حجابها هو النجاح بحد ذاته.

ونذكر هنا قصة الدكتورة المسلمة المحجبة (داليا مجاهد) التي وصلت إلى منصب راقٍ وشغلت وظيفة مستشار الرئيس الأمريكي أوباما، فعندما سألها الصحفيون المستغربون أن لباسها لا يعكس مدى علمها ظنا منهم ان الحجاب رمز التخلف والرجعية، فأجابتهم بكل بساطة وذكاء بأن الإنسان في العصور الأولى كان شبه عار ومع تطور فكره عبر الزمن بدأ يرتدي الثياب، وما أنا عليه اليوم وما ألبسه من ملابس يمثل قمة الفكر والرقي الذي وصل إليه الإنسان عبر العصور، وليس تخلفا، أما العري فهو علامة التخلف والرجوع بفكر الإنسان الى العصور الأولى.

وبهذه العوامل وهذا الرؤية والفكر الحر المنفتح والواثق، تستطيع المرأة أن تجمع بين العملين، ويمكن أن تمارس عملها وواجباتها اتجاه بيتها، (فإن المسألة تجاه المرأة ليست بهذا الانزواء وهذا الضيق)، فالقرآن الكريم ذكر الكثير من الشخصيات النسائية والتي لها دور مهم في المجتمع ومن بينهن (المرأة التي جادلت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في زوجها، وكيف كان لها دور في تغيير وجه المجتمع الإسلامي بجدال مبرر، ولم يجادل عنها أبوها او أخوها، فكيف إذاً تفكر المرأة؟ وكيف يكون لها طموحاتها في الحياة؟).

أخيرا، إن العائلة مع أنها تتشكل من رجل وامرأة، وكلاهما يساهم ويؤثر في تكوين وبناء وطبيعة حياة العائلة، لكن السكينة والتوازن في أجواء العائلة، وصنع الهدوء والسكون وجو الأمان والتفاؤل السائد في المنزل، هو من صنع المرأة بالدرجة الأولى، وببركة الأم والزوجة التي تشكل النسبة العالية في درجة نجاح أفراد الأسرة جميعا.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي