متى نتجاوز حدود الحرية؟
عزيز ملا هذال
2025-09-13 05:57
"لي الحرية الكاملة بما أفعله ولا أحد له الحق بمنعي"، "رغباتي يجب أن تتحقق مهما كلف الأمر ولا يهمني الآخرون من الناس"، "أنا أفعل ما أريده وفق قناعاتي الشخصية". كل هذه العبارات وأكثر مما نسمعه من الناس دلالات واضحة على الفهم المغلوط للحرية بالنسبة للكثيرين، سيما الشباب. فما هي الأمثلة على اختراق حدود الحرية وتعدّيها؟ وكيف يمكن الحد من ذلك؟
إن الغاية السامية من الحرية هي التحرر من الاستبداد ومغالاة بعض العادات والتقاليد التي تحد من قيمة الإنسان. فالحرية هي تحرر الفرد من عبودية الرغبات وإمساك الشهوات لكي يضمن من خلالها احترامه لنفسه أولاً، ومن ثم احترامه للآخرين ولِدينه ولِمجتمعه، وبالتالي يعكس ذلك احترام الآخرين له. والعكس هو المنطقي؛ فكل هذه الميزات سيفقدها الإنسان إذا غادر المعنى الحقيقي للحرية.
يسيء الكثير من الناس استخدامات الحرية المتنوعة لعدم معرفة حدودها الطبيعية، أو لعدم وجود من يردع التجاوز إن حصل، فتستشري الانتهاكات بصورة كبيرة وتصبح ظواهر مجتمعية تؤذي أفرادها وتهدد أمنها المجتمعي، مما يُغيب القيم الأصيلة للإنسان وبالتالي يبتعد جزئياً عن الفطرة السليمة التي فُطِر عليها.
وفي هذا السياق، تقول الأخصائية النفسية الأستاذة زاهدة جميل:" إن مفهوم الحرية بالنسبة للشباب والبنات هو ناتج لما زرعه الأهل في شخصية أولادهم وانعكاس تام للتربية والقيم والأخلاق، فالأسرة هي البيئة الأولى التي يتربى فيها الطفل ليغدو شاباً، ومنها يكتسب العادات والقيم الأصيلة. والجانب الأول الذي له دور كبير في إطار المفهوم الخاطئ للحرية هو الإعلام الغربي الذي استحوذ على عقول شبابنا وفتياتنا، فأصبحوا يقلدون الغرب من باب الموضة والتطور، على أساس مبدأ 'حشر مع الناسِ عيد'، ويطلقون على تصرفاتهم لفظة الحرية دون إدراك المعنى الحقيقي لهذه المفردة".
ما هي أوجه إساءة استخدام الحرية؟
يسلك الإنسان المعاصر الكثير من السلوكيات التي يتعدى عبرها حدود الحرية، ومن أهم هذه السلوكيات ما يلي:
الجلوس في الطرقات العامة بطريقة غير سليمة: مما يسبب إزعاج المارة ليست حرية بل اعتداء صريح على حرية الناس في هذا المكان، لكون الجالس بطريقة مزعجة قد يضيق مساحة المرور أو يُحرجهم بالنظر، ناهيك عن الألفاظ غير اللائقة التي يصدرها بعض المتحرشين، وهذا يمثل إساءة حقيقية للحرية التي يزعم من يقوم بها أنها حرية.
السلوكيات الصارخة والمزعجة: ما نشاهده لدى بعض المراهقين الذين يحاولون لفت أنظار الناس إليهم عبر بعض السلوكيات المشينة، مثل رفع مستوى سماعات السيارات بالأغاني والأناشيد وغيرها في الأماكن العامة، والضحك والمزاح بأصوات عالية وبألفاظ لا تمت للذوق والتربية بصلة، وهو ما يمثل صورة غير أخلاقية لمن يقوم بمثل هذه السلوكيات.
ارتداء ملابس غير لائقة: أمام الآخرين وسيما في الأماكن العامة. فلبس الشباب للشورت القصير في الأسواق وسائر الأماكن العامة المختلطة على سبيل المثال هو استهتار وليس حرية، ويجب أن توضع حلول له سيما في مدننا ذات الصبغة الاجتماعية المحافظة والدينية المختلفة عن باقي المدن والأماكن.
التبرج أمام الأجانب: وضع الزينة والتبرج أمام الأجانب من قبل النساء ليست حرية بل ضروب من ضروب الخروج عن قواعد الحرية. وللأسف نلحظ أن الكثير من النساء أصبحن يسلكن هذه السلوكية غير اللائقة في محافظاتنا التي يُفترض أنها محافظة أكثر من غيرها.
الحلول المقترحة
في الختام نقول: إن مسؤولية غرس مفهوم الحرية بأصوله هي مسؤولية جماعية تبدأ من العائلة، وبعدها يأتي دور المدارس ودور التربية والإعلام في نفوس الشباب والبنات منذ الصغر، وتربيتهم وفق أسس تربوية دينية ملائمة للبيئة وطبيعة المجتمع. وعلى الجهات الحكومية أن تأخذ دورها في فرض القانون على المسيئين لتجفيف منابع هذه التعديات على حقوق الناس بوهم الحرية.