لماذا يجب أن يكون التطوع جزءًا من هويتنا؟

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-08-23 02:52

يُعدّ العمل التطوعي من أهم الركائز التي يقوم عليها البناء الاجتماعي المتماسك، إذ يجسّد أسمى معاني التعاون والتكافل الإنساني، فالمجتمعات التي تُشجّع ثقافة التطوع وتُؤسّس لها أنظمة وقوانين داعمة، تُحقق مستويات أعلى من التضامن الاجتماعي، وتُعزز قدرة أفراده على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والتطوع في جوهره ليس مجرد عمل خيري عابر، بل هو استثمار في الإنسان والمجتمع، يجمع بين القيم الأخلاقية والمصلحة العامة.

العمل التطوعي يُسهم في تقوية الروابط الاجتماعية وتعزيز روح الانتماء، إذ يخلق منصات تواصل بين الأفراد من مختلف الفئات والشرائح، بما يتيح تبادل الخبرات والقيم، كما يوفّر فرصة لمعالجة المشكلات المجتمعية من جذورها، خاصة تلك التي تعجز المؤسسات الرسمية عن تغطيتها بالكامل، مثل دعم الأسر الفقيرة، ورعاية كبار السن، وإغاثة المتضررين من الكوارث، ومن منظور علم الاجتماع، فإن العمل التطوعي يُعتبر أداة لتحقيق رأس المال الاجتماعي الذي يمكّن الأفراد من بناء شبكات دعم متبادلة قائمة على الثقة.

في كثير من الدول، أصبح العمل التطوعي جزءًا من استراتيجيات التنمية المستدامة وسياسات المشاركة المجتمعية، حيث أدرجته التشريعات ضمن أشكال النشاط المدني المسموح والمنظم قانونًا، فالعمل التطوعي يعزز المشاركة الشعبية في صنع القرار، ويخلق جسور ثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، خاصة عند إشراك الشباب في المبادرات الوطنية.

أما من الجانب القانوني، فإن تنظيم العمل التطوعي عبر تشريعات واضحة يضمن حماية المتطوعين، ويحدد حقوقهم وواجباتهم، ويمنع استغلال جهودهم في أنشطة مخالفة للقانون أو لأهداف التطوع، والتطوع هو ممارسة فعلية للقيم الأخلاقية العليا مثل الإيثار، والرحمة، والصدق، وتحمل المسؤولية، كما أنه يعزز القناعة بأن خدمة الآخرين ليست منّة، بل واجب إنساني، وهنا يظهر دور المؤسسات التربوية والإعلامية في ترسيخ هذه القيم، وتحويلها إلى سلوك مجتمعي يومي، وليس فقط إلى نشاط موسمي أو ظرفي.

رغم أهميته، يواجه العمل التطوعي تحديات عدة، أبرزها ضعف الوعي المجتمعي بأهميته، غياب الأطر القانونية المنظمة في بعض الدول، وقلة الموارد والدعم اللوجستي، ويمكن تجاوز هذه التحديات من خلال سن قوانين واضحة تنظّم العمل التطوعي وتحمي المتطوعين، وإدماج ثقافة التطوع في المناهج الدراسية، وإطلاق حملات إعلامية للتوعية والتشجيع على المشاركة، وتوفير حوافز معنوية ومادية للمشاركين في المبادرات التطوعية.

ختامًا- العمل التطوعي ليس نشاطًا هامشيًا، بل هو رافعة أساسية لبناء مجتمع متماسك، متضامن، ومحصّن ضد الأزمات، إنه جسر يربط بين القيم الأخلاقية والممارسة العملية، وبين المبادئ المجردة والتنمية الواقعية، وبقدر ما تُعزّز الدول من ثقافة التطوع وتُهيئ لها البيئة القانونية والمؤسسية، بقدر ما تقترب من تحقيق مجتمع العدل والمساواة والتكافل.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار، استاذة في جامعة كربلاء

ذات صلة

البرامج الانتخابية للكتل السياسية العراقية ٢٠٢٥نهاية يونامي في العراق: بين استرداد السيادة وفراغ الرقابةالإمام الحسن المجتبى (ع) راعي حقوق الشيعةالعبودية الفكرية.. ثقافة الخنوعالعدالة المفقودة في توزيع الثروات