الزواج وابعاده الاساسية
مروة الاسدي
2024-04-13 04:26
يعد الزواج آية من آيات الله العظيمة التي لا غنى عنها في بناء الاسرة وديمومة المجتمع، وهذه المعجزة تستحق المناقشة دائما لأهميته البالغة واثرها الكبير في حياة البشرية، اذ يمثل الزواج الرباط المقدس المبني على المودة والرحمة والمشاركة بين الرجل والمرأة، فهو الطريق الاوحد نحو ضمان دوام الإنسانية وتقدمها الاجتماعي، لأنه المؤسسة الخاصة والقادر على بقاء الجنس البشري بفطرته ومعنويته، ولهذا يشكل الزواج الركن الاهم من اركان التمدن الإنساني.
الحقيقة المهمة تكمن في إن مفهوم الزواج له ابعاد كثيرة ومختلفة وانه لا يقتصر على شيء معين او مجال واحد، فمن خلال الزواج يتم تكوين الاسرة التي هي الاساس واللبنة الاولى التي يتكون منها المجتمع، لذلك يكون على عاتق الزوجين تحمل مسؤولية هذه الاسرة وتوفير كافة احتياجاتها والاهم من توفير احتياجات الاسرة، مسؤولية التربية الصحيحة التي يجب ان تشمل وتغطي كافة الجوانب ومنها الدينية والاخلاقية والاجتماعية والنفسية.
هذا يعني اننا كبشر ومجتمعات لابد من بناء العلاقات الزوجية على اساس الصراحة والتضحية والتوازن في الواجبات والحقوق، بهدف الحفاظ على اصالة الحياة الزوجية والاستقرار النفسي بين الزوجين لتحقيق اسرة سعيدة، فقد خلقا الرجل والمرأة من اجل أن يكمل احدهم الأخر، فالزوج يكد في عمله، فإذا عاد لمنزله واجتمع بزوجته وأولاده، ذهب عنه تعب اليوم لأنه شعر بالسكن الروحي والنفسي، كما قال تعال في كتابه الكريم ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) [الروم:21].
من بعد ديني
للزواج أهداف سامية منها المحافظة على الأنساب، حماية المجتمع من الأمراض الخطيرة التي توهن الجسم وتنشر الوباء، وبالزواج يقوى المجتمع ويتحلى بأفضل الأخلاق، التعفف والتقرب إلى الله عز وجل لان الزواج ليست عملية للإمتاع بين الرجل والمرأة أو لإنجاب الأولاد فقط، ولكنها قربة إلى الله عز وجل يثاب عليها المرء، كذلك إن في إنجاب الذرية الصالحة استمرار لعمل العبد بعد مماته، وقال تعالى في كتابه العزيز ((وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ)) [النحل:72].
فعندما يصل الانسان الى مرحلة الشباب تتوجه أنظاره نحو العش الذهبي ومغادرة العزوبية، بحثا عن حياة جديدة تسودها المحبة والاستقرار، وقد ورد استحباب الزواج في القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة التي تدل على تفضيل الزواج والمتزوجين كما في قوله (ص): (ركعتان يصليهما متزوج افضل من سبعين ركعة يصليها اعزب)، و ايضا وردت اهمية الزواج والذم على تركه في كلام اهل البيت عليهم السلام بأنه: (ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الاسلام افضل من زوجة مسلمة تسره اذا نظر اليها، وتطيعه اذا أمرها، وتحفظه اذا غاب عنها).
وبعد اجتياز مرحلة اختيار الزوجين لبعضهما يتم الزواج ويبدأ مشوار الحياة الزوجية، ويبدأن بمواجهة عدة تحديات وصعوبات ستواجه المتزوجين الجدد حتما، وهذا شيء طبيعي، ففي الغالب يكون كلا منها قد عاش حياة مختلفة وفي بيئة مختلفة ومجتمع عائلي مختلف، فقد بات كلا منهما معتادا على نوع معين من النظام والطباع، وبالتالي سيكون هناك اختلاف في السلوكيات والعادات واختلاف في شخصية كل منهما.
من بعد اجتماعي
تبرز وتطفو على السطح عقبات وتحديات منها صعوبة ايجاد صيغ تفاهم بينهما، خصوصا في بداية الزواج، لأنهما لم يتعرفا على بعضهما بشكل كافي ليصلا الى مرحلة فهم واستيعاب بعضهما البعض، لذلك يحتاجان الى متسع من الوقت ليعتادا على المرحلة الجديدة من حياتهما، وان يجعلا من الحوار الهادف الذي يجب ان يكون على مستوى من التفهم والدراية بكل ما يمكن ان تخبئه لهم الحياة، لكي يصلا الى مرحلة الانسجام وان يكمل احدهما الاخر، وهناك الكثير من الاحاديث الجميلة التي تدل على ان الرجل والمرأة اوالزوج والزوجة هما مكملان لبعضهما، ومن هذه الاقوال: يحلم الرجل بامرأة كاملة! و تحلم المرأة برجل كامل! ولا يعلمون ان الله خلقهما ليكملا بعضهما البعض.
من بعد اقتصادي
وقد تكون الظروف التي تواجههم ظروفا واعباء مادية، فاذا لم تكن الزوجة متفهمة لوضع زوجها وساندة له لربما يصعب استمرار الزواج بوجود هذه المعوقات، لذلك يجب ان يسعى الزوج للتخلص من هذه العقبة بالبحث عن عدة مصادر لتلبية حاجات العائلة والزوجة وعلى الاقل سد حاجات الاسرة الاساسية، وبالتالي على الزوجة ان تدعم وتساند زوجها في كل الظروف والاحوال وحتى اذا تطلب الامر ان تعمل في مجال مناسب لها لتوفر مصدرا اضافيا من الاموال ولتخفف بذلك العبء عن كاهل زوجها، وان ذلك يزيد من تقربهما وانسجامهما ليكمل بعضهما الاخر.
من بعد ثقافي
وهناك مشكلات اخرى كاختلاف المستوى التعليمي والثقافي بين الزوجين، أو ان كلا منهما له أسس ثقافية وتعليمية تختلف عن الاخر، من شأن ذلك ان يؤثر في مدى تفهمهما لبعضهما البعض، وقد يشكل صعوبة في ايجاد حلول مشتركة للمشكلات التي تعترضهما، لذلك عليهما ان يوسعا من نطاق تفكيرهما وأن يقدما لبعضهما التضحيات والود والمحبة، ليتجاوزا ما يواجههما من مشاكل وتحديات ويسيران معا جنبا الى جنب في طريق الحياة.
من بعد علمي
يرى مختصون في علم النفس أن الزواج يساعد على الاستقرار النفسي، ويخفض من احتمال الإصابة بالاكتئاب لكل من الرجل والمرأة، وأن الأسى والاضطراب المرتبط بالانفصال يمكن أن يجعل الناس عرضة للاضطرابات العقلية، كذلك الزواج يعزز صحة الرجل، وفي هذا الشأن أثبتت دراسة أن الزواج جيد للصحة.
خلاصة الامر يكمن بأن أساس الحياة الزوجية هو تعاون بين الطرفين ومسؤولية مشتركة بكل الابعاد، لذلك ينبغي على الطرفين تحمل المسؤولية الكاملة من حيث الواجبات والحقوق، فالتعاون عامل أساسي لنجاح الزواج، لذلك يجب على الزوجين تبادل الحوار بينهما عن مسؤوليات الحياة والأفراح والأحزان.