مُحَاكَاة طفلك طريق للقمة
آلاء هاشم القطب
2015-10-14 09:15
يحفل طريق طفلك بكم هائل من التصرفات، التي يكتسبها اما من الوالدين او من المحيط، فهل سألت نفسك يوما لماذا يتكلم طفلك بنفس لغتك؟ وهل سألت نفسك يوما لماذا يقوم بتصرفات مشابهة لك، او مشابهة لتصرفات شخص ما ممن حوله؟، جواب هذين السؤالين كلمة واحدة هي "المحاكاة". ويقصد بها: الْمُحَاكَاةُ فِي القَوْلِ أَوِ الفِعْلِ: الْمُمَاثَلَةُ، الْمُشَابَهَةُ، التَّقْلِيدُ
المحاكاة في علم النفس: الاعادة تحت تأثير عوامل نفسية لحركات وأعمال. او هي تقليد فرد أو جماعة لأخرى في تفكيرها وسلوكها، عن قصد أو عن غير قصد. وتعني في (علوم النفس) إعادة لحركات وأعمال تحت تأثير موقف معيَّن، وتُوجد لدى الإنسان والحيوان، وتُعرف بالمحاكاة الغريزيّة.
من خلال هذا التوضيح في المعنى نستطيع أن نبرر لطفلك العديد من التصرفات التي يقوم بها والتي يضنها الأبوان، اما عادة سيئة او غِيرة، ومن أبرز هذه التصرفات، تقليد الأصوات، وطريقة المشي، واسلوب الكلام، وخاصة ما يراه الطفل من والديه لأن الطفل في مراحل عمره الاولى يستمد معلوماته منهما، قَسَمَ علماء الاجتماع والنفس احتكاك الطفل الى ثلاث اقسام حيث يبدأ:
اولا: من الابوين والاخوة والاخوات، لأن طفل السنين الاولى لا يتجاوز احتكاكه محيط العائلة.
وثانيا: عند دخوله الروضة او المدرسة، وهنا تكون المحاكاة من المعلمين.
وثالثا واخيرا: من الاصدقاء وهنا تكون آخر مراحل الطفولة وبداية المراهقة.
خلال هذه المراحل الثلاث يقوم الطفل باستخدام مختلف أساليب التقليد، والتي تبتدئ بتقليد الولد اباه، والبنت امها، وهذا ما نلاحظه دائما، حيث يبدأ الولد بتقليد الأب بجميع افعاله وتصرفاته، وحتى نظراته وطريقة كلامه، وتبدأ البنت بتقليد أمُها ايضا بجميع تفاصيل الحياة، فنراها تحب ان تطبخ مع امها، وتشاركها التنظيف، وترتدي مثل ملابسها وتتكلم بنفس اسلوبها.
اما طفل المرحلة الثانية: فيضع المعلم قدوة له ويبدأ بتقليده في تصرفاته وافعاله. اما المرحلة الاخيرة من الطفولة فيكون للأصدقاء الحصة الأكبر من المحاكاة حيث يبدأ الطفل بتقليد اقرانه القريبين منه بصورة ملحوظة، اما عن سبب المحاكاة فيعود الى ان كل شخص يضع لنفسه مثلا أعلى، ويستمد الطفل مثله الاعلى ممن حوله.
وهنا يجب ان يعلم الوالدان، بأن التقليد او المحاكاة بالنسبة للطفل ليست حاله مرضية او عادة سيئة، بل الطفل السوي هو الذي يلجأ للمحاكاة او التقليد، لأنه بحاجة الى اكتساب المعلومات وهذه المعلومات يتلقاها جاهزة ممن حوله وحسب مراحل عمره.
لكن على الرغم من هذه الفائدة، إلا أن نار الخوف من المحاكاة تبقى مشتعلة لا تهدأ ولا تنطفئ، وسبب ذلك يعود الى ان اغلب الاطفال وخاصة في مراحل الطفولة المتقدمة يتخذون مثلا اعلى لهم، اما ممثلا او فنانا أو رياضيا وما شابه ذلك، فيبدأ بتقليد هذا الشخص بالتصرفات والافعال، ولو رجعنا الى حقيقة اختيار طفلك لمثل هكذا شخص مثلا سيخبرك بأنه يحب الاضواء او الشهرة او النجومية او يحب طريقة عيشه او تنقله من مكان لاخر.. الخ.....
وان هذا الطريق ينعكس سلبا على حياته، لذا ينبغي معالجة هذا الموقف بطريقة ذكية، والابتعاد عن التهجم او الانتقاد للطفل، مثلا اخبره بأنه يستحق ان يكون مثلك الاعلى بالأناقة والترتيب فقط، اي جَزّئ له الصفات واجعله ينتخب من كل شخص صفة معينة تناسب البيئة والمحيط الذي يعيش فيه، وقبل هذا كله وقبل أن يختار طفلك مثلا اعلى ويبدأ بمحاكاته عليك ان تشاركه باختيار المثل الاعلى بصورة غير مباشرة لتوفر عنك العناء وتجنب طفلك الوقوع في المشاكل، كذلك يقع على عاتق الابوين امور اخرى تساعد في تنشئة الطفل نشأة صحيحة خالية من المحاكاة السلبية، والتي نبدأها بما يلي:
اولا: الابتعاد عن الكذب بجميع اشكاله مزاحا، ابيض او اسود، لأن طفلك كما يقول توني بوزان في كتابه الطفل الذكي " أن الطفل أعظم آلة نسخ تم خلقها، مما يجعل أفضل وأكبر آلات النسخ لا تساوي شيئا مقارنة به".
وثانيا: الاحترام المتبادل بين الابوين وافراد الاسرة، لما للاحترام من تأثير وأثر على سلوكيات الفرد مدى الحياة.
ثالثا: الابتعاد عن الالفاظ البذيئة وغير المحببة واستبدالها بكلمات ذات وقع في النفس، مثل كلمة احبك وانت جميل ووو، كذلك الابتعاد عن الشجارات والعنف والاصوات العالية، واللجوء للهدوء والسكينة، لأن طفلك سيبدأ بتقليد ما يسمع ويشاهد، فإذا كانت العائلة كثيرة الشجارات والابوين في حالة عصبية وخلاف مستمر سيكون طفلهما كذلك، لأن الطفل يقلد دون ان يستوعب أي شيء مما يفعله، بسبب محدودية عقله الذي يكون غير قادر على الفصل والتمييز بين الصحيح والخطأ وبين الصالح والطالح.
رابعا: اختيار المدرسة الجيدة للطفل لأنها البيت الثاني له.
خامسا: مراقبة ماذا يشاهد الطفل وماذا يفعل، ولو التزم الامر اختيار البرامج التلفزيونية له وكذلك اختيار الاصدقاء، وابعاد غير المرغوب بهم عن طريقه.
سادسا: دع طفلك يمارس هواياته كالرسم والنحت وغيرها، ووفر له فرصة وشجعه على ذلك وخاصة في مجال تطوير المواهب، لأن طفلك بحاجة الى الدعم والمشاركة من قبلك، لما للتشجيع والمشاركة من دعم نفسي ومعنوي له.
من هو أهلا لأن نجعله مثلا أعلى لأطفالنا:
اذا كان صبيا فالرسول صلى الله عليه واله وسلم وامير المؤمنين والائمة من بعده خير قدوة لنا جميعا في حياتنا وهو خير قدوة لطفلك. أما طَفلتُكِ ففاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين وهي أفضل شخصية وافضل قدوة نختارها لبناتنا.
وهنا يجب ان نلتفت الى أن يكون المثل الاعلى شخصا ذا قيماً واصولا، وبمستوى عالي جدا جدا، لكي نستطيع و وببذل الجهد ان نصل ولو لجزء بسيط مما في هذا الشخص، فيحكى أن شيخا ذو علم واسع سَألَ إبنه من مَثَلُك الاعلى يابني؟. فأجابه إبنه: أنت يا ابي.
فقال له أباه: كان مثلي الاعلى أمير المؤمنين "عليه السلام" ووصلت الى هذا المكان، اما انت فلن تصل الى نصف ما انا عليه الان.