لماذا لا نحبذ النقد؟

عزيز ملا هذال

2021-05-06 03:19

لفظة النقد قديماً أطلقها العرب الاقدمون على عملية فحص النقود وعزل ما صلح منها عما فسد، لكنه الاحفاد صاروا يستخدمونها كدلالة على عملية تشخيص العيوب والاعتلالات.

فالنقد هو التعليق الذي يطلق على فعل او سلوكية لأحدنا ويكون بمثابة التشخيص لمشكلة في شخصيتنا او لهوة حصلت من دون قصد ربما، لكن الكثير منا يكرهون هذا التعليق ويستثقلونه عندما يسمعوه ويكونوا على درجة عالية من الجاهزية للدفاع عن صورتهم بأي ثمن كان، كما يتسلحون بأفضل الاسلحة من وجهة نظرهم كي يبدون انيقين او مقبولين على اقل تقدير.

لنفكر في النقد اليس في اكثره دافعية لتطوير انفسنا من خلال معرفة عيوبنا والعمل على تصويبها؟، اليس هو بمثابة الوخزات التي تعيدنا الى وعي اعلى بما نفعل او نقل؟، اذن لماذا نخشاه او نتحسس منه؟

الصورة التي يراها الاخرون عنا ليست ذات الصورة التي نراها نحن عن انفسنا، فالصورة التي يراها الناس(المنصفين) وليس أي احد تكون اكثر واقعية ووضوح، وهذا الاختلاف في رؤية الصورة صحي جداً لأنه يعكس جوانب خفية عن عدساتنا الشخصي وبذا تقل اخطاءنا وتتشذب ان قبلنا ذلك وتعاملنا معه بإيجابية واريحية.

تهربنا من النقد مهما طال فأن مصيرنا العود مرغمين لسماعه او سماع بعضه فليس بإمكاننا ان لا نرى وجوهنا في المرآة لعدّة أيام، وحتى لو اجلنا النظر لمحاولة كسب وقت للتمتع برضا عن النفس فأن ذلك التأجيل لا يعطل او يأجل وظيفة النقد، فالأنسان الذي يهمه تغيير ذاته لن يستغني عن الاداة الكاشفة لمكامن هناته او تعثره.

يقبل البعض النقد وهم قلة ويرفض البعض النقد وهم كثرة، فمن الطبعي ان الانسان حين يخطأ او حتى في حال انجز عمل بكفاءة اقل من الكفاءة المفترضة لا يفضل ان يطلع الاخرين على هذا الخطأ او العيب، بل يفضل ان يبقى مستوراً حتى لا يظهر في أعين الناس أدنى أو أصغر مما عرفوه تلك هي طبيعة الإنسان وتلك هي نفسيته.

ولتفادي الحرج الذي يسببه النقد بالنسبة للبعض الاكثر فهم يتخذون طريقين اما يحاولون التستر على عيوبهم واخطاءهم او نقائصهم ما استطاعوا، ويربون انفسهم على تقليص الاخطاء وهو الافضل.

من المهم ان يكون النقد موضوعي وغير مشخصن او يحمل جانب عدائي الغرض منه فضح عيوب الشخص بقصد الانتقاص منه او السخرية من نتاجه او سلوكياته لان النقد بهذا الطابع سيخلق من المنتقد شخص رافض للنقد ومواجهاً بالنقد والتهجم وان كان يحمل شيء من الصحة، والنتيجة سنخسر فرصة تقييم الغير لأدائنا.

من الاسباب التي تجعل الانسان لا يتقبل النقد هي: العبارات والالفاظ التي يستخدمها الناقد، فكلما كانت الكلمات مؤدبة وموضوعية وتحمل طابع احتوائي وينم عن حرص كلما سهل تقبلها من دون غضب او انفعال، وكما الابتعاد عما يمس الكرامة او التشهير او الانتقاص يجعل من المنتقد يتفاعل مع النقد بهدوء.

ثاني المبررات التي تؤدي الى رفض النقد هي وقت النقد، فبعض الناس لا يراعون كون المنتقد يمر في ازمة صحية او نفسية تضغط عليه وتجعل من طبعه حاداً ولايتقبل أي كلام حتى وان كان لغرض مساعدته ويختلف الأمر تماما عندما يكون سعيدا، فانه حينها يكون قادرا على تقبل كل شيء، حتى اذا كان سيئا.

ويعد الاسلوب الذي يتم فيه النقد سبباً اخر في الرفض او القبول فبعض الناقدون تطغي عليهم بضع الصفات والطباع التي تؤثر بشكل كبير في عملية النقد، فالبعض يستخدمون اساليب عدائية او هجومية مما يجعل المنتقد ينفر منه ويجعله غير مكترثاً لما يقول، على النقيض من ذلك ثمة اشخاص يوجهون النقد بأسلوب ذكي وبطريقة مريحة وغير مباشرة عبر التلميح للمشكلة دون الاشارة الى المنتقد مما يجعل من النقد اكثر فاعلية واثر.

واخيراً يرفض الكير من الناس النقد لانهم مصابون بداء الاعجاب بالذات والاستبداد بالرأي وهذا يجعله يستخفُّ بما يسمعه من انتقادات الآخرين، وهذه السمات التعصبية تلاقي رواجاً اكثر في الشخصية العربية اكثر من نظيراتها الاخرى.

اما ابرز ما يجعل النقد متقبلاً ومفيدا من الانسان فهو: يجب ان يفهم الشخص المنتقد ان الانتقاد لم يكن لو انه لم يعمل شيء مهم فعادةً ما يتعرض للنقد الناجحون والمنتجون ربما بدافع الحسد او الحقد او ربما بدافع الحب ايضاً لئلا يخرج نتاجنا مشوباً بالأخطاء، وفي كلتا الحالتين فالأمر صحي ومفيد ومن شأنه ان يحسن الانسان من نتاجه وسلوكياته.

كما يسهم الانتقاد في معرفة مشاعر الاخرين تجاهنا في هذا الصدد يقول احد الحكماء" نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل نراها كما نرغب أن نراها"، لذا من المهم ان ينقدنا الغير لتظهر المشاعر التي يحملها الناس تجاهك بوضوح مما يسهل عملية التعامل معهم وهو ما يصب في خانة مصالحك الشخصية.

وعبر انتقاد الاخرين لك يظهر جلياً حجم التأثير فيهم فهم يخصصون جزءاً من وقتهم لمتابعتك وتوجيه التعليق عليك مما يعني انك كنت مؤثراً فيهم ومثيراً للاهتمام والمتابعة وهذا بحد ذاته نجاح لك.

وفي الختام نقول: لا بد أولا من فهم شخصية الطرف الذي سيوجه له النقد ومن ثم ومحاولة إقناعه من خلال منهجية خاصة في الحوار بأهمية النقد وتقبله كما ينبغي ان تستخدم الكلمات التي تجعل الطرف الآخر يتقبل النقد ولايرفضه وتلك هي الغاية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي