معالجة التخلف الحضاري
محمد عبد الجبار الشبوط
2020-03-18 04:30
سبق ان عرفت التخلف بانه خلل حاد في المركب الحضاري، والمركب الحضاري عبارة عن العناصر الخمسة والقيم الحافة به، والعناصر الخمسة هي: الانسان، الارض، الزمن، العلم، العمل، والقيم هي مؤشرات السلوك المتعلقة بهذه العناصر، وهناك منظومة قيم تحدد السلوك الحضاري ازاء كل عناصر من عناصر المركب الحضاري.
والانسان يشمل الفرد والمجتمع بما يمثله من روابط بين الانسان والانسان، من جهة، والانسان والطبيعة من جهة ثانية، والقيم الحافة به هي: الخلافة، والكرامة، والحرية، والعدالة، والمساواة، ومنظومة الحقوق الخ.
والتخلف هو كل انماط السلوك والعلاقات المضادة لهذه القيم، مثل الظلم والاضطهاد والتحيز والتمييز وغير ذلك، والمؤدية بالتالي الى سوء استثمار الانسان، بوصفه اغلى راسمال، في الحركة الحضارية للمجتمع.
والارض تمثل القاعدة التي تقوم عليها الدولة الحضارية وتشمل السياسة والاقتصاد.
والقيم الحافة بها والمنبثقة من قيمة الاستخلاف هي اعمار الارض واستثمارها وتطويرها واستخراج ثرواتها والحفاظ عليها وعدم هدرها، وتنمية الانتاج وعدالة التوزيع والقانون العادل والمؤسسات الفاعلة والديمقراطية.
والتخلف هو كل اشكال السلوك والتصرف المضادة لهذه القيم والمؤدية الى ضياع الارض وبوارها وهدر ثرواتها الخ، مثل التبذير والدكتاتورية، والزمن يمثل الامتداد الحضاري لحركة الانسان والمجتمع والدولة.، بما هو البعد الرابع للاشياء.
والقيم الحافة به تتمثل في حسن استغلال الزمن بوصفه ثروة لا يمكن تعويضها، وحسن الاستغلال يتمثل بالمعاصرة و المواكبة والتقدم والحداثة، والتخطيط العلمي. مع ملاحظة ان لكل زمن او عصر حداثته، فالحداثة وصف متغير لكنها تتحقق من خلال الانفتاح والتفاعل والتكامل والعلم وفهم روح العصر.
والتخلف هو كل اشكال السلوك والتصرف المعيقة للحداثة والمتسببة بالتراجع او الجمود. والعلم: يمثل البعد المنهجي والمحتوى المعرفي للمركب الحضاري. والقيم الحافة به تتمثل في حب العلم، والحرص على الاستزادة به، والسعي المتواصل للاكتشاف والاختراع والابتكار، والتخلف هو كل اشكال السلوك المخالفة للنهج العلمي، ويمكن تلخيصها بكلمة الجهل، واتباع ما ليس لك به علم.
والعمل: يجسّد البعد التطبيقي للقيم الحافة بما هي مؤشرات السلوك في كل مجالات الحياة بما في ذلك السياسة والاقتصاد والادارة والعلاقات الفردية والعلاقات الاجتماعية. والقيم الحافة بالعمل به تتمثل بحب العمل والحرص عليه والتفاني به والاقتران المتواصل بين العلم والعمل، والعمل الطوعي، والتعاون على البر، والتنافس في الخير، وغير ذلك.
والتخلف هو كل اشكال السلوك والتصرف المخالفة لحب العمل، ويمكن تلخيصها بكلمات الكسل والتردد والاتكالية والسلبية الخ، ويلاحظ القاريء انني اكثرت من استخدام عبارة "كل اشكال التصرف والسلوك"، ويتعين علي ان اوضح ان السلوك المتخلف يستند الى معارف او افكار او تصورات متخلفة موروثة لو مبتدعة، منتجة له.
فلولا التصورات الخاطئة او المتخلفة التي تسيطر عقل الانسان، مثل الخرافات والفهم الخاطىء للاطروحات السياسية او الدينية، او اتباع الاطروحات المضادة للتقدم الانساني اصلا، لما اقدم الانسان على ارتكاب اشكال السلوك والتصرفات المضادة للقيم الايجابية الحافة بعناصر المركب الحضاري.
وبناء على ذلك، فان التخلف في جوهره مسألة ثقافية وتربوية وعقلية. والفرد يستقي ثقافته وتربيته من العائلة والمحيط الاجتماعي والمدرسة والاحزاب المضادة للتقدم الحضاري والحكومات الرجعية والدكتاتورية.
وعليه فان اللبنة الاولى في معالجة التخلف ستكون ثقافية وتربوية يتلقاها الفرد من المدرسة، ومن العائلة المتحضرة، ثم من المجتمع المتحضر. ويمكن ان تؤدي الاحزاب الحضارية دورا مهما في التنشئة الحضارية لافرادها ومناصريها. لكن يبقى الدور الاساسي في معالجة التخلف منوطا بالمدرسة من خلال نظام تربوي حضاري حديث يربي الفرد على كل اشكال السلوك المجسد للقيم الحضارية الحافة بالمركب الحضاري.