لماذا يشهد العالم مزيدا من حالات الانتحار؟
مروة الاسدي
2018-02-19 04:20
زاد الإقدام على الانتحار في عالمنا المعاصر بنحو متسارع، حتى بات ثاني سبب للوفاة بين من تبلغ أعمارهم 15 إلى 29 عاما، ولكن الكثير من المجتمعات ليس مستعدا لنقاشه والبوح بأعداد واسباب هذا الكابوس الاجتماعي.
ويقول خبراء الصحة أن الانتحار ليس أمرا يحدث دون مقدمات، وتشير الأبحاث الأكاديمية إلى أن 90 في المئة من المراهقين الذين ينتحرون كانوا يعانون من نوع ما من أنواع الاضطرابات النفسية والعقلية، وقد تتراوح المؤشرات بين الاكتئاب، وهو المسبب الأول للانتحار في هذه الفئة العمرية، والقلق، والعنف، والاعتماد على المخدراتـ ولكن السبب قد يكون تغييرا أقل وضوحا في محيطهم، أو بعض الظروف في المدرسة، أو المشاكل مع الأصدقاء أو أزمات تحديد الهوية الجنسية.
فعادة ما يعاني المريض من صعوبة شديدة في إيجاد الحافز لممارسة حياته مثل الجانب الاجتماعي والعلاقات الشخصية والمهنية بسبب تعكر المزاج والتفكير السلبي.. في كثير من الحالات والثقافات تظهر الأعراض في صورة أعراض جسدية كاضطرابات النوم والصداع وفقدان النشاط والطاقة واضطرابات المعدة والقولون المزمنة أو آلام مختلفة في كل أعضاء الجسم.. قد يكون هذا الوضع هو السائد في أغلب حالات الاكتئاب.. لذلك يجب على العاملين بالقطاع الصحي الانتباه لهذه الصورة والتقاط أي وجود للمزاج الاكتئابي أو التفكير السلبي (كانعدام القيمة واليأس وفقدان السعادة).
الاحساس باليأس الشديد سواء تواجد مع تشخيص الاكتئاب أو لا يرتبط بنسب عالية للسلوكيات الانتحارية.. كل مريض بالاكتئاب يجب أن يتابع بصفة مستمرة لمراقبة احتمالات إقدامه على الانتحار حتى لو ظهر عليه شعور بالتحسن أو هو يتحسن فعلا بالذات في مرحلة بداية العلاج حيث من المعروف أن مضادات الاكتئاب وإن سببت تحسن في نشاط المريض فمن ضمن آثارها الجانبية زيادة الأفكار الانتحارية وإيذاء النفس بالإضافة إلى وجود بعض الأعراض الاكتئابية ترتبط بالإقدام على الانتحار أكثر من غيرها.
وبصورة أهم، يعتقد خبراء الصحة العامة أن هناك حاجة لوضع الحكومات استراتيجيات طويلة الأمد للحيلولة دون الانتحار ويجب عليها رعايتها ودعمها، وفنلندا على سبيل، كانت من أوائل الدول في العالم التي وضعت استراتيجية للوقاية من الانتحار، وانخفضت معدلات الانتحار هناك بنسبة 30 في المئة في عشرة أعوام.
فيما ذكر باحثون متخصصون بعلم الاجتماع أن الانتحار بين أفراد المجموعة التي تتعرض للطرد كان أكثر بأربع مرات من المجموعات التي تعاني من البطالة والإدمان وتقلب المزاج ومشاكل في التعليم وانفصام الشخصية.
في حين أفادت دراسة جديدة نشرت في كندا أن البالغين الذين يعانون من ارتجاج في المخ معرضون لخطر الانتحار بواقع ثلاثة أمثال مقارنة بغيرهم، وعلى النقيض من أبحاث سابقة فإن الدراسة الجديدة ركزت على البالغين من السكان العاديين وليس الرياضيين أو الشخصيات العسكرية التي تصاب بجروح في الرأس، فيما يلي ادناه احدث التقارير والدراسات حول ظاهرة الانتحار في العالم.
انتحار المراهقين
تقول لورين بول، 20 عاما، التي حاولت الانتحار عدة مرات "الناس يشعرون أنه جريمة أن تريد الانتحار، ولكن الأمر ليس بجريمة"، وحاولت لورين الانتحار ست مرات، وقالت لبرنامج "نيوزبيت" الخاص بالشباب في بي بي سي "أعرف أن الأمر كان بالغ الصعوبة على أسرتي".
أما غابي ديكس فكانت على دراية أن ابنتها الوحيدة، إيزي، تواجه مصاعب فترة المراهقة، ولكنها لم تعتقد أن "هناك ما ينذر" بأنها قد تفكر في الانتحار، وقالت ديكس التي انتحرت ابنتها البالغة 14 عاما منذ عامين في بلدة ساحلية في ديفون في بريطانيا "لا أعتقد أنني سأتغلب على الأمر قط"، ولم تبدأ بعض المجتمعات في مناقشىة قضايا الصحة العقلية والنفسية إلا مؤخراً، وبعض المجتمعات لا تناقشها حتى الآن. ولكن خبراء الصحة العامة يؤكدون على ضرورة التصدي لـ"وباء" بعينه، وهو انتحار المراهقين، وتقول منظمة الصحة العالمية إنها مشكلة "تحيط بها وصمة العار منذ أمد طويل".
وأثرت بعض الاتجاهات الاجتماعية الحديثة، مثل التنمر الإلكتروني والعدوى المجتمعية، على هذه القضية التي لا تناقش كثيرا وقد تعرض حياة الكثير من المراهقين والشباب للخطر، وتقول روث ساذرلاند رئيس مجلس إدارة مؤسسة ساماريتان الخيرية التي تركز على الوقاية من الانتحار إن "الانتحار قضية معقدة للغاية وعادة لا يوجد سبب رئيسي واحد يدفع شخصا ما إلى أن يقرر الانتحار. إضافة إلى ذلك، فإن انتحار المراهقين قضية لم تلق من البحث والفهم الكثير"، ووفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمية فإن 800 ألف شخص يموتون انتحارا في العالم كل عام، وأنه يسبق كل انتحار ما لا يقل عن عشرين محاولة انتحار فاشلة.
وبصفة عامة، فإن الذين من المرجح انتحارهم، هم من تبلغ أعمارهم 70 عاما أو أكثر، ولكن في بعض المجتمعات فإن أعلى المعدلات وسط الشباب، للدرجة التي جعلت الانتحار ثاني سبب للوفاة في العالم للذين تبلغ أعمار 15 إلى 29 عاما، وقالت الكساندرا فلايشمان الخبيرة في منظمة الصحة العالمية "إنه السبب الثاني بعد حوادث المرور لهذه الفئة العمرية".
احصائيات عالمية، 803,900 شخص ينتحرون سنويا، ما يعادل وفاة واحدة كل أربعين ثانية، يحتل المركز الـ15 في قائمة أسباب الوفيات لجميع الأعمار، ولكنه يحتل المركز الثاني في وفيات المراهقين والشباب (الفئة العمرية 15-29).
طرد السكان من بيوتهم يزيد مخاطر انتحارهم
ذكرت دراسة سويدية أن الأشخاص الذين يتعرضون للطرد من منازلهم هم أكثر عرضة للانتحار بنسبة تزيد أربعة أمثال المعدل الطبيعي، وبما أن الكثير من حوادث الانتحار تقع بعد صدور أمر الطرد بالفعل وليس لدى تنفيذه فقد عرف الباحثون الطرد على أنه خسارة الحق في امتلاك المنزل وليس مغادرته بالفعل. بحسب رويترز.
وقال الباحث الرئيسي في الدراسة يركو روجاس من المعهد السويدي للأبحاث الاجتماعية في جامعة ستوكهولم إن "مشكلة الطرد فُسرت تاريخيا بأنها نتيجة غير مقصودة لتوفير المنازل للأسر الفقيرة والأسر التي تعاني من مشاكل اجتماعية... وبالتالي أصبح ينظر إلى عمليات الطرد على أنها تلعب دورا ثانويا في التهميش الاجتماعي وليس سببا رئيسيا له وهو ما تشير إليه هذه الدراسة"، وقال ستنايك ستنبرج الباحث المشارك في الدراسة إن عمليات الطرد من المنازل في السويد سجلت أدنى معدل لها عام 2014 لكنها ارتفعت بشكل حاد في عدد من الدول المطلة على البحر المتوسط مثل إسبانيا خلال الأزمة المالية الأخيرة في منطقة اليورو، وقال ستنبرج إن وتيرة وسرعة عمليات الطرد تختلف بين دولة وأخرى ومع الوقت، وقارن الباحثون الحالات النفسية لنحو 23 الف شخص تأثروا بعمليات الطرد مع عينة عشوائية لأكثر من 770 ألف سويدي تفوق أعمارهم 16 عاما.
وتبين أن الاشخاص الذين فقدوا الحق القانوني في امتلاك منازلهم وتقدمت الجهة المالكة للعقار بطلب إلى السلطات لطردهم كانوا أكثر عرضة للانتحار بنسبة تعادل تسعة أمثال النسبة لدى الأشخاص العاديين، وقال روجاس لرويترز هيلث عبر البريد الإلكتروني "نعتقد أن الطرد يمكن أن يفهم على أنه رفض مؤلم للغاية وتجربة مخزية إلى حد كبير يحرم منها (من يتعرضون له) من أحد أهم الضرورات الإنسانية. وبالتالي فإن التوتر الذي يترافق مع خطر الطرد قوي لدرجة قد لا يحتمله الشخص مما يدفعه إلى الانتحار" وأضاف "علينا التركيز على أمرين: محاولة منع الاشخاص من خسارة منازلهم ومساعدة من خسروها إذا ما أردنا أخذ نتائج هذه الدراسة على محمل الجد".
مخاطر الانتحار تزيد ثلاثة أمثال بعد التعرض لارتجاج في المخ
أفادت دراسة جديدة نشرت في كندا أن البالغين الذين يعانون من ارتجاج في المخ معرضون لخطر الانتحار بواقع ثلاثة أمثال مقارنة بغيرهم، وعلى النقيض من أبحاث سابقة فإن الدراسة الجديدة ركزت على البالغين من السكان العاديين وليس الرياضيين أو الشخصيات العسكرية التي تصاب بجروح في الرأس.
وقال كبير الباحثين دونالد ريدلمير من جامعة تورونتو في أونتاريو "على مدى أعوام كانت هناك أمثلة على إصابات خطيرة في الرأس تفضي إلى حالات انتحار محتملة بين قدامى المحاربين والرياضيين المحترفين"، وتابع قوله لرويترز هيلث "كنت دائما أشعر بالقلق من أن الارتجاجات البسيطة في المخ بين السكان العاديين قد تشكل خطرا أيضا وقد تؤدي لضرر دائم"، وحلل الباحثون البيانات الطبية لبالغين في أونتاريو شخصوا بأنهم مصابون بارتجاج في المخ ليس خطيرا بدرجة تسمح بنقلهم إلى المستشفى وتتبعت حالاتهم بين عامي 1992 و2012. واندرج أكثر من 230 ألف شخص تحت هذا التصنيف.
وفقا للنتائج فإنه خلال فترة متابعة متوسطها تسعة أعوام أقدم 667 شخصا أصيبوا بارتجاجات في المخ على الانتحار وهو ما يعادل 31 حالة انتحار لكل مئة ألف شخص في العام. وهذا الرقم أكبر بثلاثة أمثال من متوسط الانتحار بين السكان العاديين.
التحريض على الانتحار
طلب مدع عام تركي فرض عقوبة سجن تتراوح مدتها بين 4 و10 سنوات على امرأتين اتهمتا بـ "تشجيع" رجل على الانتحار كان مترددا في القيام بفعلته على احد جسور البوسفور، بحسب ما كشفت وسائل الإعلام المحلية.
وقد شلت حركة السير على الجسر بسبب رجل أوقف سيارته ليرمي نفسه في النهر، فضاقت السيدتان ذرعا به إذ انه كان يعيق حركة السيارات وهو يهدد بالانتحار، فقالتا له "نحن جميعنا عالقون هنا منذ ساعات بسببك، اقفز!". بحسب فرانس برس.
فقفز إيرول سيتين عن علو 64 مترا. وهرع المنقذون لانتشاله من مياه البوسفور، لكنه كان فارق الحياة، وعلى الفور، أوقفت الشرطة في اسطنبول السيدتين البالغتين من العمر 49 عاما و27، متهمة إياهما بالتسبب بانتحار الرجل البالغ 45 عاما.
وبحسب الشرطة، فإن الرجل كاد يتراجع عن قرار الانتحار بفضل جهود الفريق الخاص الذي كان يتفاوض معه، وأطلق سراح المرأتين بعد قضائهما ليلة في السجن على ذمة التحقيق. وهما لا تزالان تحت المراقبة القضائية، وطلب المدعي العام، أن تفرض عليهما عقوبة سجن تتراوح مدتها بين 4 و10 سنوات بتهمة "التحريض على الانتحار". ومن المرتقب تحديد موعد محاكمتهما عما قريب.
رجل يقفز من جسر بروكلين وينجو من الموت
قفز رجل في نهر ايست ريفر من اعلى جسر بروكلين الشهير في نيويورك محاولا الانتحار على ما يبدو لكنه لم يفلح على ما ذكرت الشرطة، وقد قفز الرجل البالغ 31 عاما والذي "يعاني مشاكل عاطفية" من الجزء الوسطي للجسر بعدما صعد الى احد اعمدته على ما افاد ناطق باسم الشرطة وكالة فرانس برس.
وقد قفز من علو 40 مترا قبل ان يسقط في المياه وينتشله زورق للشرطة.وقد اصيب الرجل بجروح لا تعرض حياته للخطر ونقل الى المستشفى، واوضح الناطق ان الرجل "اراد على ما يبدو الانتحار" من دون ان يكشف عن هويته.
الانتحار بالأرقام
الى ذلك سجلت معدلات الانتحار في الولايات المتحدة ارتفاعا بنسبة 24 % خلال السنوات الخمس عشرة الاخيرة، مع مستويات قصوى مقلقة لدى الفتيات بين العاشرة والرابعة عشرة من العمر، بحسب احصائيات نشرتها الحكومة الاميركية.
وقد سجلت هذه النسبة زيادة بوتيرة 1 % سنويا بعد 1999، قبل ان تتسارع الزيادة الى 2 % سنويا اعتبارا من 2006 بحسب سجلات السلطات الصحية، وتمت ملاحظة هذه الزيادة "لدى الرجال والنساء على السواء ومن كل الاعمار بين العاشرة و74 عاما" وفق التقرير الحكومي، وطالت اكبر الزيادات الفتيات بين سن العاشرة والرابعة عشرة اذ ارتفع معدل الانتحار في صفوفهن بواقع ثلاثة اضعاف من 0,5 حالة لكل مئة الف فتاة في هذه السن في 1999 الى 1,5 حالة لكل مئة الف سنة 2014. بحسب فرانس برس.
وفي المحصلة، اقدمت 150 فتاة في هذه الفئة العمرية على الانتحار سنة 2014، في زيادة نسبتها 200 % مقارنة مع سنة 1999، وقال فيكتور فورناري مدير وحدة الطب النفسي للاطفال والمراهقين في مستشفى زاكر هيلسايد قرب نيويورك "إننا نرى اطفالا يقدمون على الانتحار بسن اصغر"، مشيرا الى ان هذا الوضع "يثير قلقا حقيقيا".
وأضاف هذا الطبيب غير المشارك في الدراسة لوكالة فرانس برس "اعتقد أن هذا الامر قد يكون انعكاسا للقدرة على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت في ظل التحرش الالكتروني وتعرض الاشخاص اليافعين الى امور معينة في سن اصغر مقارنة مع السابق"، بقي معدل الانتحار لدى الفتيان بين سن العاشرة والرابعة عشرة اعلى من المعدل المسجل لدى الفتيات في الفئة العمرية عينها غير أنه لم يشهد نموا مشابها اذ ارتفع من 1,9 حالة لكل مئة الف الى 2,6 حالة لكل مئة الف بزيادة نسبتها 37 %.
وفي اوساط السكان الذكور، كان الرجال فوق سن الخامسة والسبعين الاكثر عرضة للانتحار، وهو اتجاه احصائي لم يتغير بين 1999 و2014. مع ذلك، سجل معدل الانتحار في هذه الفئة تراجعا بنسبة 8 % (من 42,4 الى 38,8 لكل مئة الف).
أما ثاني اكثر الفئات العمرية عرضة للانتحار فكانت للرجال بين سن 45 و64 عاما اذ سجلت ازديادا بنسبة 43 % خلال خمس عشرة سنة (من 20,8 حالة الى 29,7 لكل مئة الف)، لدى النساء، اكثر الفئات العمرية عرضة للانتحار كانت للواتي تراوح اعمارهن بين 45 و64 عاما، وهو اتجاه احصائي لم يتغير بين 1999 و2014، وأشار التقرير ايضا الى ان هذه الفئة شهدت ثاني اكبر زيادة (+63 %) في معدلات الانتحار التي ارتفعت من 6 حالات لكل مئة الف الى 9,8 حالات، كذلك لفت التقرير الى الفارق الآخذ في التراجع بين الرجال والنساء على صعيد معدلات الانتحار، بسبب زيادة عامة نسبتها 46 % في عدد حالات الانتحار لدى النساء. مع ذلك يبقى الرجال اكثر عرضة بثلاث مرات للاقدام على الانتحار، وتحصل حالات الانتحار لدى الرجال بشكل رئيسي بالاسلحة النارية (55,4 % من الحالات)، في حين لا يزال تجرع السم الوسيلة الاكثر شيوعا للانتحار لدى النساء (34,1 %)، ودفعت هذه الارقام الجديدة بالمتخصصين في الصحة العقلية الى طلب بذل جهود جديدة في مجال الوقاية من حالات الانتحار.