مفهوم الرعاية الاجتماعية حديثا

رشيد الدرقاوي

2015-02-23 02:00

بدأت الدول الحديثة تهتم بتوفير الحقوق الأساسية للمواطنين، وإقرار وثيقة حقوق الإنسان عام 1948 وما أوضحته تلك الوثيقة في المادة 22 من أحقية كل فرد في المجتمع في الضمان الاجتماعي والحصول على حاجته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها لكرامته، وفي المادة 23 من أن لكل فرد الحق في أن يعيش في مستوى يكفل له ولأسرته الصحة والرفاهية وله الحق في الضمان في حالة مرضه وعجزه وترمله وشيخوخته وفي الحالات التي يفقد فيها وسائل معيشته لأسباب خارجة عن إرادته[1].

ومن هنا ظهرت عدة تعاريف حديثة للرعاية الاجتماعية، ومنها تعريف فريد لاندر {الرعاية الاجتماعية نسق منظم من الخدمات والأجهزة التي يتم إعدادها لمساعدة الأفراد والجماعة على تحقيق مستويات مناسبة للصحة والمعيشة ولتدعيم العلاقات الشخصية والاجتماعية بما يمكنهم من تنمية قدراتهم وتحسين مستوى حياتهم بما يتماشى مع احتياجاتهم ومجتمعاتهم}.

أما تعريف ليندمان فيتلخص في كون الرعاية الاجتماعية: عبارة عن مجموعة من الخدمات والبرامج التي تقدمها الدولة نحو فئات معينة من الأفراد أو الجماعات ممن يحتاجون إلى ضروريات الحياة الأساسية، أو يحتاجون إلى الحماية سواء كانوا أفرادا أو أسرا، وخاصة من يشكل سلوكهم تهديدا لرفاهية المجتمع [2].

ويضع إيدوار ليندمان Lindeman مقومات الرعاية الاجتماعية كما يلي: يعني مصطلح الرعاية الاجتماعية مظاهر معينة من رعاية الشعب، تقوم بها السلطات الحكومية.

وتختلف الرعاية المنظمة أو الخدمة الاجتماعية التي تقدمها الهيئات الاجتماعية الخاصة عن الرعاية العامة التي يمكن أن نطلق عليها الخدمة الاجتماعية الحكومية. ولا يمكن أن نعتبر الخدمات التي تقوم بها الأجهزة الحكومية وتمول عن طريق الميزانية العامة كوصف شوارع المدن من أنشطة الرعاية الاجتماعية، إذ أن المصطلح ارتبط بالخدمات الاجتماعية الحكومية التي توجه نحو فئات معينة من الأفراد أو الجماعات ممن يحتاجون إلى ضروريات الحياة الأساسية وممن يحتاجون إلى الحماية من أنواع معينة من المرض أو العدوى، ومن المحرومين من الأسرة الملائمة أو التوجيه الأبوي، ومن يشكل سلوكهم تهديدا للرفاهية العامة للمجتمع [3].

أما تعريف أحمد كمال أحمد: هي هذا الكل من الجهود والخدمات والبرامج المنظمة الحكومية والأهلية والدولية التي تساعد هؤلاء الذين عجزوا عن إشباع حاجاتهم الضرورية للنمو والتفاعل الإيجابي معا في نطاق النظم الاجتماعية القائمة لتحقيق أقصى تكيف ممكن مع البيئة الاجتماعية.

أما هوارد رسل Russel فيعرف الرعاية الاجتماعية بأنها مجال المسؤولية الحكومية التي تمارس لتحقيق الأمن والحماية وتوفير فرص التكيف الاجتماعي الناجح للشعب، أي لكل من الفرد والأسرة لإشباع الحاجات التي لا تقوم هيئات أخرى بإشباعها، بما في ذلك المساعدات المالية للمحتاج، وحماية الضعيف والعاجز من الاستغلال الاجتماعي، وتوفير الخدمات العلاجية أو المسكنة [4].

وتعريف روبرت موريس هو أن الرعاية الاجتماعية هي كافة الجهود التي تقدمها المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتخفيف حدة الفقر أو الألم عن الناس المحتاجين للمساعدة، أو غير القادرين على إشباع حاجاتهم الأساسية بجهودهم الذاتية أو بمساعدة أسرهم. والخدمة الاجتماعية هي فن استعمال الموارد في إشباع حاجات الفرد والجماعة للتغلب على العوائق الاجتماعية والنفسية التي تجابهها والتي تحد من إسهامها الفاعل في بناء وتنمية المجتمع.

كما عرفت هيئة الأمم المتحدة الخدمة الاجتماعية بأنها نشاط منظم يستهدف تحقيق التكيف المتبادل بين الأفراد وبيئاتهم الاجتماعية.

وبصورة عامة نستطيع القول بأن الخدمة الاجتماعية هي اصطلاح يصف الطرق النظامية التي تستعمل في تقديم العون والمساعدة للمحتاجين الذين لا يستطيعون بأنفسهم التغلب على المشكلات والأزمات الحياتية التي تواجههم، والطرق النظامية التي يستخدمها اختصاصي الخدمة الاجتماعية في إسعاف الفقراء والمحتاجين وأصحاب المشكلات قد تطورت تطورا كبيرا خلال القرنين 19و20 في معظم أقطار العالم. فقد كانت بادئ الأمر ترتكز على محاربة الفقر وتحسين الأحوال المادية لأبناء المجتمع، ولكن بعد ذلك أخذت تهتم بمعالجة الحالات الانفعالية والعقلية النفسية للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات السلوكية والانفعالية[5].

وجاء أيضا على لسان الدكتور محمد بلاج، أن الدين ككل جاء لخدمة الإنسان والخدمة الاجتماعية كمفهوم جاء لكي يساعد الإنسان وجاء لكي يقدم الخدمة، وينقل الإنسان من مشكلاته ومن الأزمات التي يتخبط فيها، إلى عالم آخر، هذا العالم يمكن أن نتحدث عن عالم الرفاهية عالم بدون مشاكل، انطلاقا من مجموعة ومن الاتجاهات قد تكون علاجية وقد تكون وقائية وقد تكون تنموية، والآن نتحدث عن التنمية الاجتماعية في إطار الورش الملكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

إذن الخدمة الاجتماعية ككل مهنة من المهن، لابد أن تؤسس هذا الصرح المجتمعي الآن، باعتبار الحراك الذي نعرفه وباعتبار حاجة الإنسان المتطورة، وباعتبار أيضا تنوع هؤلاء الأفراد، لدينا أطفال، لدينا مسنون، لدينا المرأة لدينا الزوج، الجار..الخ. هناك مجموعة من مكونات المجتمع تحتاج إلى خدمات اجتماعية.

والخدمة الاجتماعية حسب ما ورد في برنامج مواقع الجمال لقناة السادسة مع الدكتور محمد بلاج على أن الخدمة الاجتماعية مهنة حديثة جدا، لكن جذورها وفلسفتها انطلقت منذ انطلاق الأديان السماوية في ديننا الحنيف، نجد دائما أن الإنسان يفتقر إلى الله والله عز وجل يقول "يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد" الآية.15. من سور فاطر. نحن دائما نفتقر إلى الله في حاجاتنا، نحتاج دائما إلى الراحة، نحتاج إلى الكمال نحتاج إلى الرقي نحتاج دائما إلى متابعة وإلى مواكبة، لابد من شخص معين يمكن له أولا أن يشخص حالات وهذا الشخص اسمه الأخصائي الاجتماعي الذي فعلا يمارس الخدمة الاجتماعية[6].

الخدمات الاجتماعية بالبوادي:

من مظاهر الخدمات الاجتماعية بالبوادي، نجد دور الطالبة والداخليات، هذه الأخيرة تستقطب التلاميذ والتلميذات الوافدين من مناطق بعيدة، قادمين من أجل مواصلة دراستهم الثانوية الإعدادية أو الثانويات التأهيلية، هذه المؤسسات تعمل على توفير السكن والطعام لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، كما أننا نجد المساجد التي تلعب دورا مهما في توعية الساكنة، بالإضافة إلى قيامها بعدد من المهام الأخرى، من بينها إلقاء دروس محو الأمية للأشخاص الذين لم يلتحقوا بالمدرسة بما فيهم الآباء والمسنين.

الخدمات الاجتماعية بالمدن

يمكن اعتبار أن الخدمة الاجتماعية كانت بالفطرة، فالمجتمع المغربي منذ عهود كان يتولى الناس خدمة المحتاجين عبر تقريب خدمات من انواع معينة، أما لآن فإننا أصبحنا نعيش تقهقرا وعدم الثقة في قيمنا الاسلامية التي كانت في وقت من الاوقات مزدهرة، اعطت مجموعة من النماذج الرائعة على صعيد العالم، رأينا المستشفيات المتعلقة بالمختلين عقليا، رأينا الماريستانات، رأينا أيضا بعض المتكفلين بالمكفوفين، رأينا أيضا من لم يعد يحتاج إلى السؤال، رأينا هناك من يعول طالب العلم ومن يتكفل باليتامى...

غير أن هذا الأمر لا يعني موت هذه القيم بقدر ما يعني ذلك أن هناك تراجع فحسب، ولا أدل على ذلك هو ظهور عدد من المبادرات اليوم التي تعمل على تقديم الخدمات للمحتجين من بين هذه المبادرات نذكر: المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ومؤسسة محمد السادس للتضامن، ودور الرعاية الاجتماعية والمتمثلة في المؤسسات الخيرية والداخليات ـوهناك أيضا من يتكلف بشراء سيارات نقل الاموات بالمجان وكذلك هناك من يتكلف ببناء المساجد.

* باحث في مجال علم الاجتماع والفلسفة

..........................
[1] ماهر ابو المعاطي علي، "الاتجاهات الحديثة في الرعاية الاجتماعية؟ جامعة الحلوان2010،. عن المكتب الجامعي الحديث ص15.
[2] ماهر ابو المعاطي. مرجع سابق ص15.
[3] ماهر ابو المعاطي. مرجع سابق ص15.
[4] د. محمود حسن، أستاذ وعميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالاسكندرية.1982، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت ص36.
[5] د. احسان محمد الحسن، الطبعة الاولى 1999، ص 266 "موسوعة علم الاجتماع ". الدار العربية للموسوعات، بيروت لبنان.
[6] محمد بلاج متخصص في مجال الخدمة الاجتماعية، برنامج مواقع الجمال، اعداد وتقديم الدكتور الناجي الامجد. الحلقة قدمت يوم السبت 20 ابريل، على قناة السادسة المغربية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي