الابنة الغامضة
رواية جديدة لإيلينا فيرّانتي مترجمة من الإيطالية
عزالدين عناية
2016-12-26 07:26
ثمة جدار عال ينتصب بين العرب وبين الإيطاليين في مجال الثقافة يحول دون تواصلهما، ودون تعارفهما، برغم القرب الجغرافي والماضي التاريخي. من جانب، يتمثل الأمر في تراجع الاستشراق الإيطالي وربيبه الاستعراب في الإلمام بلغة الضاد، رغم كثرة أدعياء من هم من المستعرِبين والخبراء والمتخصصين في الإسلام والعرب والشرق من الطليان، وهو ما حال دون تخطي عائق اللغة ومن ثمة النقل والترجمة.
وبالمقابل، من الجانب العربي، ثمة مليون وربع المليون من المهاجرين في إيطاليا، أن تجد بينهم كاتبا أو مترجما يعني أنك تبحث عن إبرة في كومة تبن، فالسواد الأعظم منهم عمالة كادحة لا يعنيها أمر الثقافة والمثقفين.
ينضاف إلى ذلك أن جامعات وكليات عربية تزعم أن فيها أقساما للآداب واللغة الإيطالية (تونس والمغرب والأردن ومصر على سبيل الذكر)، هي تقريبا شبه غائبة عن الحراك الثقافي العربي الإيطالي ومحصورة في أبراجها الجامعية. في هذا الجو المقفر راهن مشروع كلمة الإماراتي على الترجمة من الإيطالية لرفد المكتبة العربية دوريا بأعمال من لغة دانتي في مسعى لخلق تواصل وانفتاح على الثقافات العالمية.
وضمن هذا الإطار أصدر "مشروع كلمة" التابع لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة مؤخرا ترجمة جديدة عن الإيطالية بعنوان "الابنة الغامضة" للكاتبة الإيطالية المعاصرة إيلينا فيرّانتي بترجمة المترجمة شيرين حيدر ومراجعة الأستاذ عزالدين عناية.
فعبر لقاء عابر على شاطئ البحر في إجازة الصيف تلتقي الشخصية الأساسية في الرواية، وهي أستاذة جامعية في منتصف الأربعينيات، بشابة وطفلتها. ويصبح ذاك اللقاء المفتاح لاستعراض علاقات إنسانية شتى أوّلها علاقة الأمومة التي تربط الصبية بطفلتها، والتي تربط السيدة الأربعينية بابنتيها. تنزع الروائية القدسية عن الأمومة وترفض الاستسهال في وصف، أو ربما تصور العلاقة التي تربط الأم بطفلها فتحللها وفقاً للظروف التي تنشأ فيها على ضوء أحاسيس قاتمة تعتري المرأة/الأم، والتي غالبا ما تسعى للتستر عليها خوفا من ابتعادها عن نموذج الأم السائد الذي رسّخته في الأذهان، ووطّدته في الممارسة صور نمطية عن الأمومة لا تقبل التمرد ولا حتى المساءلة.
كما لا تخشى الروائية إعادة النظر في مؤسسة العائلة التي تحتل في معظم الثقافات إن لم نقل فيها جميعا مكانة رئيسية، باعتبارها الرابط العضوي الأول بين الفرد والمجموعة، وهي الكيان الذي لا يزال يمثل في المجتمع الإيطالي عامة ركيزة تقليدية راسخة.
بَيْد أنّ إيلينا فيرّانتي الروائية الإيطالية التي ولجت بخطى واثقة عالم الرواية الإيطالية المعاصرة، لم تتردد في مختلف رواياتها في الإمعان في خلع القشور عن القيم السائدة والمسلّم بها علّها تبلغ عمقها، تلك النواة التي قد تبرّر وجودها أو تنفي ضرورته. في رواياتها المختلفة والتي بلغت حتى الآن الروايات السبع بالإضافة إلى كتاب عن صنعة الكتابة، وقصة للأطفال، اعتمدت فيرّانتي نوعاً من التصعيد في تركيبها التقني لشخصياتها، التي راحت ملامحها ترتسم بوضوح أكبر مندرجة بيسر في إطارها الزمني والتاريخي الفردي، إنّما كذلك في إطارها التاريخي العام، أي في الإطار العام لتاريخ إيطاليا الحديث، وهو ما بان جلياً في رباعيتها الروائية وهو آخر إنتاجها الأدبي. والتي تُرجمت كسائر رواياتها السابقة إلى لغات عدة سمحت لها بأن تصبح مثلاً من أكثر الروائيين قراءة في الولايات المتحدة.
لا تخاف إيلينا فيرّانتي تفتيت الأحاسيس والعلاقات وتشريحها، تبرع في ذلك وهي تفكك المشاعر لا سيما البشع منها، ويعزو البعض ذلك إلى أنّها تنعم بحرية مطلقة إذ تتستّر وراء قناع تُخفي به هويتها منذ امتهنت الكتابة. فهي لم تظهر يوماً على العلن ولم يُر لها وجه ما أثار الكثير من التساؤلات والتخمينات عن هويتها الحقيقية.
أياً كانت إيلينا فيرّانتي، فهي روائية لا يكتمل المشهد الروائي الإيطالي اليوم من دونها، فقد يجهل القارئ هويتها الفعلية غير أنّه يسهل عليه أن يدرك أنّ لها هوية أدبية مكتملة المعالم وواضحة تستحق منه متابعة نتاجها.
المترجمة شيرين حيدر لبنانية مقيمة في سويسرا سبق لها أن ترجمت رواية "أيام الهجران" لإيلينا فيرانتي.
المراجع عزالدين عناية أكاديمي تونسي يدرس في جامعة روما، ترجم وراجع ما يربو عن خمسين عملا من الإيطالية إلى العربية.