لماذا نأكل كثيراً.. رحلة في علم الشهية الجديد لفهم جذور البدانة
شبكة النبأ
2025-09-09 05:02
يُعد كتاب "لماذا نأكل كثيراً" (Why We Eat (Too Much): The New Science of Appetite) للمؤلف أندرو جينكينسون (Andrew Jenkinson)، إضافة قيمة ومتميزة إلى الأدب العلمي حول البدانة وعلم الشهية الجديد. وقد حاز الكتاب على إشادة واسعة النطاق، حيث أُدرج في قائمة صحيفة "صنداي تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً، وتُرجم إلى 9 لغات عالمية، مما يعكس أهميته وتأثيره الدولي. يهدف الكتاب إلى الإجابة عن تساؤلات جوهرية حول السبب وراء تفشي الإفراط في تناول الطعام والبدانة في المجتمعات الحديثة، متجاوزاً التفسيرات السطحية ليتعمق في الأبعاد البيولوجية والتاريخية والبيئية.
تطور عادات الأكل: من الصيد والجمع إلى الوفرة الحديثة
يبدأ جينكينسون بتحليل تاريخي عميق لعلاقة الإنسان بالطعام، مشيراً إلى أن نمط أكل أسلافنا قبل حوالي 150 ألف عام كان مختلفاً تماماً. في ذلك الزمن، كان البشر يعتمدون على الصيد والجمع، ويستهلكون اللحوم والفواكه والدرنات مثل البطاطا الحلوة، وكان طعامهم المفضل هو العسل البري الذي يُحصل عليه مباشرة من الخلية. لم تكن البدانة تشكل مشكلة صحية آنذاك، بل كان التوزيع الطبيعي للوزن والحجم مشابهاً للحيوانات التي تستهلك الأنواع الغذائية التي تطورت معها.
يقارن الكتاب هذا النمط بالوضع الحالي، حيث أصبح الحصول على الطعام سهلاً للغاية، وأحياناً مجانياً، على عكس جهود الصيد والجمع الشاقة. وتظهر زيارات الباحثين الغربيين للقبائل التي تعيش بأسلوب حياة تقليدي أنها لا تعاني من مشكلة السمنة إلا عندما تحتك بالمستعمرين وتتغير أنماط غذائها. كما يوضح مخطط تاريخي في الكتاب كيف تطورت علاقة الإنسان بالطعام من الصيد والجمع إلى الزراعة ثم الأسواق والتجارة والتصنيع، وصولاً إلى المواد الغذائية المُحضرة والمُسوّقة بدرجة عالية، مما أدى إلى تفضيل الطعام الموجه علمياً وتوفره في الأسواق الحرة. كل هذه التغيرات، وتوافر السعرات الحرارية العالية من الأطعمة الطبيعية حالياً، تزيد من ميل السكان للبدانة.
آليات الجسد المعقدة: التمثيل الغذائي ونقطة الوزن المحددة
يشرح الكتاب أن التمثيل الغذائي (الميتابوليزم) ليس ثابتاً، بل يختلف بين الأفراد ويتأثر بوزن الجسم. يفترض جينكينسون وجود "نقطة وزن محددة" يحددها الدماغ لكل فرد. فإذا كان وزن الشخص أقل من هذه النقطة، فإن عملية التمثيل الغذائي تتسارع لمقاومة فقدان الوزن. وعلى العكس، إذا كان الوزن أعلى من هذه النقطة، فإن التمثيل الغذائي يتباطأ بشكل كبير لمحاولة الحفاظ على الوزن الزائد. يوضح الكتاب أن اتباع حمية غذائية قد يؤدي إلى تباطؤ عملية التمثيل الغذائي لأسابيع أو أشهر. يمكن أن يصل الفارق في معدل الأيض الأساسي بين الأفراد إلى حوالي 715 سعرة حرارية في اليوم، مما يعني أن شخصاً واحداً قد يحتاج إلى الركض 10 كيلومترات يومياً أو تناول وجبة أقل ليعادل شخصاً آخر لديه معدل أيض أعلى.
حساسية البدانة: ثلاث فئات رئيسية
يقسم الكتاب الناس إلى ثلاث فئات بناءً على حساسيتهم للبدانة، مشيراً إلى أن تغير الأطعمة المُصنّعة يؤثر على الجميع بشكل متفاوت:
1. مقاومو البدانة (Obesity Resistors): يشكلون حوالي ثلث السكان، ويحافظون على وزن طبيعي ولا يتأثرون كثيراً بالتغيير البيئي.
2. ضعيفو التأثر بالبدانة/زيادة الوزن (Weakly Affected/Overweight): يميلون إلى زيادة الوزن عند استهلاك الكثير من الأطعمة المصنعة، ولكنهم غالباً ما يتمكنون من الحفاظ على وزنهم بممارسة الرياضة بانتظام.
3. شديدو الحساسية للبدانة (Highly Sensitive to Obesity): يعانون من زيادة الوزن أو السمنة ويجدون صعوبة بالغة في إنقاص الوزن، حتى مع مراقبة السعرات الحرارية وممارسة الرياضة بشكل منتظم. ويشير الكتاب إلى أن ثلثاً آخر من السكان ينتقلون من الوزن الطبيعي إلى الوزن الزائد ويتأثرون بشكل معتدل.
مقاومة الأنسولين والليبتين: حلقة مفرغة
يُسلط الكتاب الضوء بشكل خاص على دور مقاومة الأنسولين والليبتين كآلية بيولوجية رئيسية وراء البدانة.
- اللبتين (Leptin): هو هرمون تنتجه الخلايا الدهنية ويعمل على إخبار الدماغ بكمية الدهون المخزنة في الجسم، لمساعدة الجسم على الحفاظ على ثبات الوزن.
- مقاومة الأنسولين والليبتين: يشرح الكتاب أن النظام الغذائي الغربي الحالي، الغني بالسكر والكربوهيدرات المصنعة، يؤدي إلى ارتفاع مستويات الأنسولين. مستويات الأنسولين المرتفعة هذه يمكن أن تسبب مقاومة اللبتين. هذا يعني أنه عندما نفرط في تناول الطعام وتتراكم الدهون، تزداد مستويات اللبتين، لكن الدماغ يصبح غير قادر على الاستجابة بشكل فعال لهذا الهرمون. والنتيجة هي أن الجسم لا يدرك أنه يمتلك مخزوناً كافياً من الطاقة، مما يؤدي إلى الشعور المستمر بالجوع والتعب، وزيادة استهلاك الطعام، وانخفاض معدل حرق الطاقة، ودخول الفرد في حلقة مفرغة من زيادة الوزن.
عوامل تتجاوز الإرادة الشخصية
يطرح الكتاب سؤالاً مهماً: هل البدانة مسألة إرادة حرة، أم نقص تعليم، أم عوامل جينية؟. ويؤكد أن عوامل متعددة تساهم في تطور البدانة، وليس فقط خيارات الفرد أو إرادته. فالبيئة المنزلية وتأثير سلوك الوالدين يمكن أن يلعبا دوراً. كما يشدد الكتاب على أن سوء تغذية الأمهات الحوامل، سواء بالإفراط في التغذية أو بالنقص فيها، يزيد من مخاطر الإصابة بالبدانة لدى أطفالهن عند البلوغ.
وتصف الدراسات علاقة على شكل حرف U بين وزن الأطفال عند الولادة والميل للإصابة بالبدانة في مرحلة البلوغ. في إحدى الزيارات، ذكر الكاتب أنه زار مدرسة ثانوية للبنات ولاحظ الحجم الكبير للعديد من التلميذات، وأن إدارة المدرسة طلبت المساعدة للتعامل مع الفتيات اللواتي كان وزنهن يشبه أسلافنا. هذا يبرز أن المشكلة تتجاوز الخيارات الفردية لتصبح مشكلة مجتمعية وبيولوجية معقدة.
التطور التاريخي لعادات الأكل
يتناول الفصل الأول التطور التاريخي لعادات الأكل البشرية والتباين بينها وبين نمط الحياة الحديث، مع التركيز على فهم أسباب البدانة الحالية.
النقاط الرئيسية من الفصل الأول:
- عادات الأكل القديمة مقابل الحديثة: يوضح المؤلف أن أسلوب حياة أسلافنا قبل حوالي 150 ألف عام كان يعتمد على الصيد والجمع. كانوا يستهلكون اللحوم، الفواكه، والدرنات مثل البطاطا الحلوة، وكان العسل البري طعامهم المفضل الذي يحصلون عليه مباشرة من الخلايا. في ذلك الوقت، لم تكن البدانة مشكلة، وكان توزيع الوزن طبيعيًا بين الأفراد.
- سهولة الوصول للطعام في العصر الحديث: يقارن الكتاب هذا النمط بالوضع الحالي، حيث أصبح الحصول على الطعام سهلاً ومتاحًا، وأحيانًا مجانيًا، على عكس الجهد الذي كان يبذله أسلافنا. هذا التحول في توفر الطعام يُطرح كتساؤل حول سبب اختلاف وزن الإنسان الحديث عن أسلافه.
- ملاحظات من دراسات القبائل: تشير زيارات الباحثين الغربيين للقبائل إلى أن أسلوب حياتهم لا يشمل مفهوم القبور أو الأموال، وأنهم يفضلون استخدام مواردهم لحماية أراضيهم. هذه القبائل لا تتعلم عن مشكلة البدانة إلا عندما تتأثر بالاستعمار. هذا يسلط الضوء على أن البدانة ظاهرة مرتبطة بالتحضر وتغير الأنماط الغذائية.
- التمثيل الغذائي الطبيعي وتأثير السعرات الحرارية: يشير الكتاب إلى أن الحيوانات تستهلك أنواع الغذاء التي تطورت معها، مما يؤدي إلى توزيع طبيعي للوزن والحجم بينها. يقدم الكتاب رسماً بيانياً (الشكل 1.2) يوضح معدل الأشخاص الذين يعانون من نقص الوزن، والوزن الطبيعي، وزيادة الوزن في القبائل التي تعتمد على الصيد والجمع، مما يعكس هذا التوزيع الطبيعي. يوضح المؤلف أن توفر السعرات الحرارية العالية من الأطعمة الطبيعية حاليًا يساهم في ميل السكان للبدانة.
باختصار، يركز الفصل الأول على تحديد المفارقة بين أنماط الأكل التاريخية والحديثة، ويشير إلى أن البدانة ظاهرة حديثة مرتبطة بتغير البيئة الغذائية وسهولة الوصول إلى الطعام، وتختلف بشكل كبير عن التوزيع الطبيعي للوزن في المجتمعات البدائية.
البقرة المقدسة
يركز الفصل الثاني على كيفية تأثير التغير في حجم السكان بعد التحول إلى النظام الغذائي الغربي، وتأثير الأطعمة المُعالَجة على الأفراد. يقدم الفصل شرحًا لثلاث فئات رئيسية من الأشخاص بناءً على حساسيتهم للبدانة:
1. مقاومو البدانة (Obesity Resistors): يشكلون حوالي ثلث السكان. هؤلاء الأشخاص يحافظون على وزن طبيعي ويبدو أنهم لا يتأثرون كثيرًا بالتغيير البيئي في الأطعمة المصنعة.
2. ضعيفو التأثر بالبدانة/زيادة الوزن (Weakly Affected/Overweight): يميلون إلى زيادة الوزن عند استهلاك الكثير من الأطعمة المصنعة. ومع ذلك، يمكنهم غالبًا الحفاظ على وزنهم بممارسة الرياضة بانتظام.
3. شديدو الحساسية للبدانة (Highly Sensitive to Obesity): يعانون من زيادة الوزن أو السمنة ويجدون صعوبة بالغة في إنقاص الوزن. يواجه هؤلاء تحديًا حتى مع مراقبة السعرات الحرارية وممارسة الرياضة بانتظام. كما يذكر الفصل أن ثلثًا آخر من السكان ينتقلون من الوزن الطبيعي إلى الوزن الزائد ويتأثرون بشكل معتدل بسبب التغير البيئي.
كما يطرح الفصل تساؤلات جوهرية حول العوامل التي تساهم في تطور السمنة، وهي:
- هل هي مسألة إرادة حرة؟.
- هل هي نتيجة نقص في التعليم؟.
- هل هي بسبب عوامل جينية؟.
- يشير إلى أن البيئة المنزلية وتأثير سلوك الوالدين قد يلعبان دورًا في تحديد ما إذا كان الشخص سيعاني من السمنة.
- ينتهي الفصل بالتساؤل عن أهم العوامل التي تحدد خطر إصابة الشخص بالبدانة.
وبشكل عام، يسلط هذا الفصل الضوء على أن الاستجابة للسمنة ليست متجانسة بين الأفراد، وأن هناك تباينًا بيولوجيًا وبيئيًا يفسر اختلاف مدى تأثر الناس ببيئة الطعام الحديثة.
الحمية وأكبر الخاسرين
يتناول الفصل الثالث آليات التمثيل الغذائي في الجسم وكيفية تحكمه بالوزن، مع إبراز الفروقات الفردية في معدلات الأيض.
يركز هذا الفصل على فهم التمثيل الغذائي (الميتابوليزم) والدور الذي يلعبه في الحفاظ على وزن الجسم. وتشمل النقاط الرئيسية التي يوضحها الفصل ما يلي:
- نقطة الوزن المحددة للدماغ (Set Point Weight): يشرح الفصل أن الجسم لديه نقطة وزن محددة يحددها الدماغ. إذا كان وزن الشخص أقل من هذه النقطة، فإن عملية التمثيل الغذائي تتسارع لمقاومة فقدان الوزن. على العكس، إذا كان وزن الشخص أعلى من هذه النقطة، يتباطأ التمثيل الغذائي بشكل كبير في محاولة للحفاظ على الوزن الزائد.
- تأثير الحميات الغذائية على التمثيل الغذائي: يوضح الكتاب أن اتباع الحميات الغذائية يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ عملية التمثيل الغذائي لأسابيع أو حتى أشهر.
- الاختلافات الفردية في معدل الأيض الأساسي: يسلط الفصل الضوء على أن هناك اختلافات كبيرة في معدلات الأيض الأساسي بين الأفراد. يمكن أن يصل الفارق في معدل الأيض الأساسي إلى حوالي 715 سعرة حرارية في اليوم بين الأشخاص. هذا يعني أن شخصاً واحداً قد يحتاج إلى الركض مسافة 10 كيلومترات يومياً أو تناول وجبة أقل ليعادل شخصاً آخر لديه معدل أيض أعلى ويحافظ على نفس الوزن.
- مقارنة استهلاك الطاقة: يشير الفصل إلى أن متوسط مدخول الطاقة اليومي للذكور يبلغ حوالي 2500 سعرة حرارية، وهو ما يعادل 10.5 مليون جول يومياً، أو 86400 ثانية. ويُقارن هذا بمقدار الطاقة اللازمة لتشغيل مصباح كهربائي، حيث تتراوح الطاقة المستخدمة من 60 إلى أكثر من 240 واط، مما يوضح حجم الطاقة التي يستخدمها الجسم يوميًا.
بشكل عام، يؤكد الفصل الثالث على أن التحكم في الوزن ليس مجرد مسألة سعرات حرارية يتم تناولها وحرقها، بل هو عملية بيولوجية معقدة تتأثر بنقطة الوزن التي يحددها الدماغ والفروقات الفردية في معدلات الأيض.
هرمون اللبتين
يتناول الفصل الرابع موضوع (Leptin) ودوره المحوري في تنظيم وزن الجسم.
- هرمون اللبتين هو هرمون تنتجه خلايانا الدهنية ويعمل باستمرار في محاولة منه للحفاظ على ثبات وزننا.
- عندما نفرط في تناول الطعام ونكسب الكثير من الدهون، يزداد مستوى اللبتين لدينا.
- تستشعر بذلك منطقة التحكم في الوزن في دماغنا، وهي منطقة ما تحت المهاد (hypothalamus).
- يؤدي هذا الاستشعار إلى تغيرات قوية لاواعية في سلوكنا.
- تعمل الهرمونات على تقليل الشهية وزيادة معدل الاستقلاب (التمثيل الغذائي).
- النتيجة هي تقليل استهلاكنا الغذائي وزيادة إنفاق الطاقة، وبالتالي تتم زيادة الوزن.
- هذه هي الطريقة التي يمكن بها لمعظم الناس، بجهد معتدل فقط، الحفاظ على وزن منتظم لأشهر وسنوات.
- الرسالة الرئيسية التي تعلمناها في هذا الفصل هي ما يحدث عندما يتوقف الليبتين عن العمل.
بشكل عام، يركز هذا الفصل على شرح الآلية البيولوجية التي يحاول بها الجسم تنظيم الوزن من خلال هرمون الليبتين، وكيف يؤدي اختلال هذا النظام إلى تحديات في الحفاظ على وزن صحي.
آليات مقاومة هرمون الليبتين
يتناول الفصل الخامس "الشراهة"، آليات مقاومة هرمون الليبتين وكيف تساهم في حلقة مفرغة من زيادة الوزن والشعور بالجوع.
يركز هذا الفصل على شرح العلاقة بين النظام الغذائي الغربي ومقاومة الليبتين والأنسولين، كالتالي:
- تأثير مستويات الأنسولين العالية على الليبتين: يُوضح الفصل أن مستويات الأنسولين الأعلى تعني مقاومة أكبر لليبتين.
- دور النظام الغذائي الغربي: إذا تناول الشخص نظامًا غذائيًا غربيًا يحتوي على الكثير من السكر والكربوهيدرات المصنعة، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع كمية الأنسولين المنتجة (لمعالجة الجلوكوز في خلايانا). ويشير الكتاب إلى أن كثيرين في الغرب محاطون بهذا النوع من الطعام.
- الحلقة المفرغة المؤدية إلى مقاومة الليبتين: يقدم الفصل رسمًا بيانيًا (الشكل 5.1) يوضح هذه الحلقة المفرغة:
- النظام الغذائي الغربي يقود إلى ارتفاع الأنسولين ومقاومة الأنسولين.
- مقاومة الأنسولين يمكن أن تؤدي إلى التهاب وارتفاع عامل النخر الورمي ألفا (TNF)، وكلاهما يساهم في مقاومة الليبتين.
- مقاومة الليبتين تؤدي إلى شعور الفرد بـالجوع والتعب، مما يساهم في زيادة استهلاك الطعام واستمرار الحلقة.
- نتائج مقاومة الليبتين: عندما يتوقف الليبتين عن العمل بفعالية، فإن إشارات الشبع التي يرسلها الدماغ تضعف، مما يجعل الجسم يستمر في الشعور بالجوع والتعب، ويقلل من حرق الطاقة، على الرغم من وجود مخزون كافٍ من الدهون.
بشكل عام، يبرز الفصل الخامس كيف أن النظام الغذائي الحديث يمكن أن يعطل الآليات البيولوجية الطبيعية في الجسم، مما يؤدي إلى مقاومة هرمون الليبتين ويساهم في حلقة مفرغة من الإفراط في تناول الطعام وزيادة الوزن.
الحلول الجراحية المتاحة للبدانة الشديدة
يتناول الفصل السادس "العلاج الأخير"، الحلول الجراحية المتاحة للبدانة الشديدة، مع التعبير عن رؤية نقدية لهذه الحلول.
يركز هذا الفصل على:
- جراحات السمنة كحل: يوضح الفصل أنه بالنسبة للأشخاص الذين يجدون صعوبة في تحقيق انخفاض كبير في وزنهم، يمكن اعتبار جراحة علاج السمنة إجراءً فعالاً.
- أنواع الجراحات وتأثيرها الهرموني: يشرح الكتاب آليتي عمل نوعين رئيسيين من جراحات السمنة:
1. تجاوز المعدة (Gastric Bypass): تؤدي هذه الجراحة إلى دخول الطعام إلى الأمعاء الدقيقة بسرعة أكبر. وهذا بدوره يحفز إطلاق هرمونَي الببتيد-YY (PYY) والببتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 (GLP-1)، اللذين يزيدان من الشبع ويقللان الشهية لفترات طويلة.
2. تكميم المعدة (Sleeve Gastrectomy): تتضمن هذه الجراحة إزالة الجزء من المعدة الذي يفرز هرمون الغريلين (Ghrelin). وهذا يؤدي إلى انخفاض مستويات الغريلين في الدم، وبالتالي تقليل الشهية.
- نظرة نقدية للحلول الجراحية: يعبر المؤلف عن أسفه للوصول إلى نقطة في تاريخ البشرية نحتاج فيها إلى تطوير المزيد من الطرق لعلاج الأمراض "التي يصنعها الإنسان". يرى المؤلف أن مشكلة البدانة هائلة ومتزايدة، على الرغم من وجود عدد قليل من الجراحين المدربين على تنفيذ هذه الإجراءات.
- تشبيه جذري للمشكلة: يشبه المؤلف هذه الجهود بـ"مجموعة صغيرة من رجال الإطفاء يندفعون لإخماد حرائق الغابات" دون معالجة الأسباب الجذرية لهذه الحرائق. ويؤكد أنه "إن لم نساعد في وقف سبب هذه الحرائق، فإن جهودنا ستكون في الغالب غير مجدية". هذا التشبيه يبرز دعوة المؤلف لفهم أعمق لأسباب السمنة بدلًا من التركيز فقط على علاج الأعراض.
باختصار، يقدم الفصل السادس لمحة عن التدخلات الجراحية لعلاج السمنة، ولكنه يشدد في الوقت نفسه على أن هذه الحلول، على الرغم من فعاليتها، هي بمثابة "علاج أخير" ولا تعالج الأسباب الجذرية لانتشار السمنة، والتي يجب فهمها بشكل أعمق.
الشيف الرئيسي
يتناول الفصل السابع "الشيف الرئيسي"، فرضية التطور البشري وعلاقته بنمط الغذاء وطهي الطعام، وكيف أثر ذلك على حجم الدماغ والجهاز الهضمي.
يركز هذا الفصل على الجوانب التطورية التي شكلت علاقة الإنسان بالطعام، وتأثير طهي الطعام على تطور الإنسان وبيولوجيته:
- فرضية بيتر ويلر وتطور الدماغ والجهاز الهضمي:
- يستعرض الفصل فرضية بيتر ويلر (Peter Wheeler) من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية. هذه الفرضية تركز على تطور الدماغ والجهاز الهضمي لدى الإنسان والرئيسيات.
- يعتقد ويلر أن الإنسان بدأ في استخدام الطعام المطبوخ قبل أكثر من 3 ملايين سنة، وهو وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقاً (200 ألف سنة كاملة).
- هذا يفسر فرضية ويلر حول الأنسجة الدهنية.
- يشير الفصل إلى أن الرسم البياني (الشكل 1.7) يوضح كثافة كتلة الدماغ لدى البشر أعلى بكثير مما يمكن توقعه مقارنة بحجم الجهاز الهضمي.
- تأثير اكتشاف النار وطهي الطعام:
- يُعد تطور الدماغ الكبير واكتشاف النار قبل حوالي 800 ألف سنة حدثين محوريين في تطور الإنسان.
- ساهم هذا في تحسين حركتنا ونمو عضلاتنا.
- أصبح الإنسان يتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة.
- شجّع اكتشاف النار الطبيعية الإنسان على طهي طعامه.
- أدى الجمع والتحكم في النار وتوفر أنواع مختلفة من الأطعمة، بالإضافة إلى المزيد من اللحوم، إلى بداية.
باختصار، يقدم الفصل السابع رؤية تطورية لكيفية تحول النظام الغذائي البشري مع اكتشاف النار والطهي، وكيف أثر هذا التحول على بيولوجية الإنسان، بما في ذلك تطور الدماغ والجهاز الهضمي، مما يساهم في فهم الأسباب الجذرية لعادات الأكل الحالية.
لب الموضوع
يتناول الفصل الثامن "لب الموضوع"، تطور علاقة الإنسان بالطعام عبر التاريخ وكيف أثرت هذه التغيرات على أنماط الأكل الحالية.
يركز هذا الفصل بشكل أساسي على التاريخ الزمني لعلاقة الإنسان بالطعام، ويقدم رؤية شاملة لكيفية تطور هذه العلاقة من بداياتها البسيطة إلى تعقيداتها الحديثة.
- مراحل تطور علاقة الإنسان بالطعام:
- الصيد والجمع (Hunting and Gathering): المرحلة البدائية حيث كان الإنسان يعتمد على جمع الطعام وصيده.
- الزراعة (Agriculture): مرحلة أدت إلى استقرار الإنسان وزراعة المحاصيل.
- الأسواق والتجارة (Markets and Trade): بدأت خلالها عملية تبادل الأطعمة وتنوعها.
- التصنيع (Manufacturing/Processing): دخول تقنيات معالجة الأغذية.
- المواد الغذائية المحضرة والمسوّقة بدرجة عالية (Highly prepared and marketed foods): المرحلة الحالية التي تتميز بتوفر الأطعمة المصنعة بكثرة.
- تأثير هذه التغيرات على الأكل البشري:
- بدأ الإنسان في تحضير وطهي الطعام في مراحل مبكرة.
- تطورت فكرة الأمن الغذائي، ولكن هذا التطور تزامن مع تناقص تنوع الأطعمة الأصلية، ثم عاد ليشهد زيادة في تنوع الأطعمة غير المحلية.
- ظهرت طرق حفظ الأطعمة وتصنيعها.
- شمل التطور تجهيز المواد الغذائية المصنعة.
- النتيجة النهائية لهذه التطورات هي تفضيل الطعام الذي يُستهدف علمياً ويسوّق بفعالية، وأصبحت الأغذية الغذائية للسكان يحددها السوق الحرة.
يوضح هذا الفصل كيف أن التحولات الكبرى في كيفية حصول الإنسان على طعامه، بدءًا من الصيد البدائي وصولاً إلى الصناعة الغذائية الحديثة والأسواق الحرة، قد شكلت عادات الأكل لدينا وأدت إلى الوضع الحالي الذي قد يفسر أسباب الإفراط في تناول الطعام والبدانة.
حلول وعلاجات: دعوة لفهم أعمق
يتناول الكتاب أيضاً العلاجات المتاحة للبدانة الشديدة، بما في ذلك جراحات السمنة مثل تكميم المعدة وتحويل المسار (Gastric Bypass). يشرح كيف تعمل هذه العمليات على مستوى الهرمونات:
- تجاوز المعدة (Gastric Bypass): يؤدي إلى دخول الطعام إلى الأمعاء الدقيقة بسرعة أكبر، مما يحفز إطلاق هرمونَي الببتيد-YY والبتيد الشبيه بالغلوكاغون-1 (GLP-1)، وهما يزيدان من الشبع ويُثبطان الشهية لفترات طويلة.
- تكميم المعدة (Sleeve Gastrectomy): تتضمن إزالة الجزء من المعدة الذي يفرز هرمون الغريلين (Ghrelin)، مما يؤدي إلى انخفاض مستوياته في الدم وبالتالي تقليل الشهية.
على الرغم من فعالية هذه الإجراءات، يعبر المؤلف عن أسفه للوصول إلى نقطة في تاريخ البشرية نحتاج فيها إلى هذه الحلول المتقدمة. ويشبه ذلك بمحاولة إطفاء حرائق الغابات دون معالجة أسبابها الجذرية. يرى جينكينسون أن التركيز يجب أن يكون على فهم الأسباب الحقيقية للبدانة وتوفير حلول شاملة وفعالة تتجاوز مجرد التدخلات الجراحية.
في الختام، يقدم كتاب "لماذا نأكل كثيراً" رؤية متجددة ومعمقة لأسباب البدانة، مؤكداً أن المشكلة لا تقتصر على قلة الإرادة أو السلوك، بل تتجذر في بيولوجيا الجسم المعقدة وتطور علاقة الإنسان بالطعام عبر التاريخ. يدعو الكتاب إلى فهم أشمل للشهية البشرية كنقطة انطلاق لمعالجة هذه الأزمة الصحية العالمية.