قصة جاسوس
مركز كارنيغي
2021-10-14 03:16
بقلم: مايكل يونغ
يتحدث المؤلّف جيمس هانينغ، في مقابلة معه، عن كتابه الجديد الذي يتناول السنوات التي أمضاها كيم فيلبي في بيروت.
جيمس هانينغ هو مؤلّف كتاب Love and Deception: Philby in Beirut (الحب والخيبة: فيلبي في بيروت) الصادر عن منشورات كورسير في أيلول/سبتمبر 2021. كان هانينغ نائب رئيس التحرير في صحيفة The Independent on Sunday، وكتب سابقًا في صحيفة London Evening Standard. وشارك أيضًا، مع فرانسيس إليوت، في وضع سيرة ذاتية عن ديفيد كاميرون لاقت استحسانًا واسعًا بعنوان Cameron: The Rise of the New Conservative (كاميرون: صعود المحافظ الجديد) (فورث إستايت، 2007).
يعوّل كتابه الحديث على الاهتمام الكبير والمتواصل في بريطانيا بالعميل البريطاني المزدوج كيم فيلبي الذي تجسّس لصالح الاتحاد السوفياتي فيما كان مسؤولًا رفيعًا في جهاز الاستخبارات السرّية البريطاني (إم آي 6)، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2019، نشرت "ديوان" مقالًا مصوّرًا استرجعت فيه الفترة التي قضاها في العاصمة اللبنانية التي وصل إليها في آب/أغسطس 1956. في كانون الثاني/يناير 1963، علِم فيلبي أن جهاز الاستخبارات البريطاني وجد أدلّة تظهر أنه عمل لحساب موسكو. وبعد فترة وجيزة، لاذ فيلبي بالفرار على متن سفينةٍ نقلته من بيروت إلى أوديسا. أجرينا مقابلة مع هانينغ في مطلع تشرين الأول/أكتوبر للحديث معه عن السنوات السبع التي قضاها فيلبي في لبنان.
مايكل يونغ: لماذا كتبتَ عن السنوات التي أمضاها كيم فيلبي في بيروت؟ فقد ركّز معظم المؤلّفين على أبعاد أخرى من حياته، وليس على سنواته في لبنان.
جيمس هانينغ: بصراحة، أحد الأسباب هو أن الكتاب انطلق من أمرٍ قاله لي بريان سويل، زميلي في قسم النقد الفنّي في صحيفة London Evening Standard. كان سويل تلميذًا سابقًا لدى السير أنطوني بلنت الذي كان مسؤولًا عن مجموعة اللوحات الخاصة بالملكة، وكان حافظًا لبعض أسراره. ولم تكن الملكة تدري أن بلنت هو عميل سرّي سوفياتي، تمامًا مثل فيلبي. حين وافق سويل على الحديث معي عن زيارة قام بها بلنت إلى بيروت قبل بضعة أسابيع من اختفاء فيلبي، فرحت كثيرًا. وكلما دققت في المسألة، ازداد اهتمامي بحياة فيلبي هناك، وبواقع أنه كان يختلط على ما يبدو بحرية بكبار الجواسيس والصحافيين، فيما ظلّ حذرًا، وعلى ما أعتقد، متوترًا جدًّا.
يونغ: إحدى الشخصيات المحورية في كتابك هي إليانور، زوجة فيلبي الثالثة. لماذا يُعتبر دورها أساسيًا لفهم شخصيته؟
هانينغ: أعتقد أن الصحافي في حالة بحث دائم عن قصص غير مرويّة، وكلما عرفت معلومات إضافية عن إليانور، تبيّن لي بصورة متزايدة أنني وجميع المهتمّين بالموضوع لا نعرف سوى النزر اليسير عنها. كانت تحبّ الفنون، وأسّست في مرحلة مبكرة من حياتها مسيرة مهنية مثيرة للإعجاب. خلال الحرب، عملت في البداية في الولايات المتحدة لكنها سرعان ما انتقلت للعمل في أوروبا، وغالبًا ما كانت تشارك في إعداد حملات لتقديم معلومات عن الخدمات العامة، وحملات دعائية، وما شابه. لا أعرف تمامًا ماذا كانت تفعل في مراحل الحرب اللاحقة، لكنها كانت في اسطنبول في مرحلة معيّنة، والتي كانت منطقة ساخنة على الرغم من حيادها. وقد صُوِّرت، في معظم الكتابات، بأنها ضررٌ جانبي، وضحية مثيرة للشفقة، وساذجة بائسة وقعت في فخ هذا الجاسوس البارز والمخيف.
كان ذلك منسجمًا مع خطاب الحرب الباردة في ذلك الوقت. ولكن الأشخاص الذين عرفوها وجدوها حذقة بلطف، وذكيّة ولائقة. لقد لفتني انجذاب فيلبي إليها. كانت صريحة جدًّا، وتثق بالآخرين، ولم تكن مسيَّسة، على نقيض فيلبي تمامًا. يساورني شعور بأنه وجد نوعًا من الملاذ في البساطة التي كانت تتمتع بها. كان يأمن جانبه معها.
يونغ: ما هي المعلومة الجديدة الأهم التي كشفت عنها في كتابك؟
هانينغ: المعلومة التي تحمّستُ لها بالدرجة الأكبر هي أن بلنت، الذي أتيت على ذكره سابقًا، زار بيروت قبل أسابيع قليلة من اختفاء فيلبي. أظّن أنني قدّمت الإثبات على قيامه بالزيارة، ولذلك تُطرَح علامات استفهام عن السبب الذي دفعه إلى إنكار الأمر.
الرواية الأخرى التي لم أتوقّف عندها كثيرًا تتعلق بقرار إرسال فيلبي إلى بيروت في العام 1956 بعدما تمت تبرئته من شبهة التجسس لصالح روسيا. وقد أُرسِل ظاهريًا للعمل صحافيًا فقط، ولكنه كان يعمل أيضًا في السر لصالح جهاز الاستخبارات البريطاني (إم آي 6). وقد ورث الرئيس الجديد لجهاز "إم آي 6" هذا القرار الذي اتخذه سلفه. واكتشفتُ أنه اعترض على القرار أمام وزير الخارجية آنذاك هارولد مكميلان الذي ردّ الاعتراض، وأصرّ على السماح لفيلبي بالذهاب. إذًا، كان وزير الخارجية متواطئًا في قرار إرسال فيلبي إلى بيروت. وبعد المسار الذي سلكته الأحداث، أثار ذلك سيلًا من الاتهامات للبريطانيين بأنهم نيامٌ وغافلون. بالتأكيد، أتخيّل أن الأميركيين، الذين لطالما راقبوا فيلبي عن كثب، كانوا ليغضبوا جدًّا لو علموا بالأمر، وفي الواقع ربما علموا وغضبوا. فجهاز "إم آي 6" لم يكتفِ بالتعاقد معه من جديد، بل خطّط أيضًا لتوظيفه صحافيًا بهدف التمويه. وهذا يُفسّر لماذا سعى مكميلان، بعد سبع سنوات، إلى التعتيم على المسألة برمتها.
يونغ: بحسب ما أشرتَ إليه، واصل فيلبي، أثناء وجوده في لبنان، عمله لحساب جهاز "إم آي 6"، وصديقه القديم نيكولاس إليوت، رئيس مكتب "إم آي 6" في بيروت بين العامَين 1960 و1962. هل كان قادرًا على الوصول إلى معلومات مهمة آنذاك؟ وهل بقي مفيدًا لمسؤوليه السوفيات؟
هانينغ: لا يعرف أحد على نحوٍ مؤكّد ما هو العمل الذي كان فيلبي يقوم به لحساب جهاز "إم آي 6". أعتقد أن جهاز "إم آي 6" طلب منه، لدى وصوله إلى بيروت، الابتعاد عن الروس. كان والده، سانت جون فيلبي، مستكشِفًا ووسيطًا في العالم العربي، ولا شك في أن شبكة معارفه كانت مفيدة لنجله. كان هذا أحد الأسباب وراء إرسال كيم إلى لبنان، أي الاستفادة من شبكة المعارف التي بناها والده. أعتقد أنه طُلِب منه ببساطة مراقبة كل ما يحدث وإبلاغ رؤسائه في لندن بأي معلومة مهمة قد يحصل عليها. وهو كان مناسبًا جدًّا لتأدية هذا الدور، إذ كان حسن المظهر وشعبيًا وواسع الاطلاع.
لدينا معلومات أقل حتى عن طبيعة عمله مع الروس، مع أن من الواضح جدًّا أنه لم يستأنف عمله معهم قبل العام 1959 كما أعتقد. يبدو أنه كان على اتصال بشخص كان يلتقيه مرةً في الأسبوع أو كل عشرة أيام، وينقل إليه، على ما يُفترَض، ما كان قد قاله للبريطانيين. ولكن ليس هناك انطباعٌ بأنه كان ينقل الكثير من المعلومات القيّمة إلى مستخدميه الروس. فقد بدا، في كتابٍ أعدّه مع صحافي روسي، صريحًا جدًّا بشأن الإحباط الذي سببته له الفترة التي أمضاها في بيروت. كان يرغب في أن يكون أكثر فائدة، لكنه لم يكن موضع ثقة تامة، وبطبيعة الحال، لم يمتلك أسرارًا مهمة في مطلق الأحوال.
يونغ: ما دور بيروت في روايتك عن فيلبي؟ وبالعودة إلى الوراء، هل تركت هذه المدينة أي أثرٍ لديه؟
هانينغ: كان انطباعي عن بيروت في ذلك الوقت أنها أشبه بملعب للغربيين الأثرياء الذين كانوا يستمتعون بحياة راقية بعيدة عمّا يألفونه، في منطقة أصبحت عاملًا جاذبًا للصحافيين والجواسيس ومدبّري المكائد من مختلف الأطياف. وكان فيلبي ينسجم تمامًا مع تلك الأوساط، على الرغم من أنها لم تكن على الأرجح الفترة الأكثر إنتاجية في مسيرته التجسسية لا لصالح البريطانيين ولا لصالح الروس، كما أشرت آنفًا. مع ذلك، لم يكن منجذبًا كثيرًا إلى الشرق الأوسط، ولم يكن لديه الكثير من الوقت للسعودية تحديدًا، حتى إنه كتب ذات مرة: "المساحة اللامحدودة، وسماء الليل الصافية، وباقي الكلام المبهم، هي أمورٌ لا بأس بها بجرعاتٍ صغيرة. لكنني أجد أن من غير المقبول أن يقضي المرء حياته في مكان جليل إنما خالٍ من السحر، وسط أشخاص ليسوا أجلّاء ولا ساحرين. الجهل والغطرسة يصنعان مزيجًا سيئًا، وهاتان الصفتان موجودتان لدى السعوديين بدرجة كبيرة". لكنه كان يختلط بالآخرين بسهولة فائقة، ويُسرف في احتساء الكحول، ويستمتع بالاختلاط الاجتماعي في أوساط المغتربين.
أما في ما يتعلق بما إذا كانت بيروت قد تركت أثرًا كبيرًا لديه، فلست واثقًا من الأمر. أعتقد أنه ندم كثيرًا على انتهاء علاقته بإليانور التي كان مولعًا جدًّا بها. لكن زوجته الأخيرة روفينا قالت ذات مرة إنها لم تشعر بأنه مشتاق إلى بيروت، وإنه نادرًا ما تحدث عن المدينة خلال وجوده في موسكو. تظاهر بأنه يحب الأشخاص الذين عرفهم هناك، ولكن باختفائه، خذل عددًا كبير منهم.
يونغ: ذكرت زيارة أجراها بلنت إلى بيروت قبل مغادرة فيلبي، وتتكهّن في الكتاب أنه قد يكون هو من أبلغ فيلبي باكتشاف جهاز "إم آي 6" لخيانته. هل يمكنك أن تشرح لنا أكثر؟
هانينغ: أعتقد أن الهدف من زيارة أنطوني بلنت في كانون الأول/ديسمبر 1962 – التي نفى حدوثها لكنني على يقين من أنها تمّت – كان تحذير فيلبي من أن معلومات جديدة أصبحت في حوزة جهاز "إم آي 6" عن عمله مع موسكو. لا أعتقد أن بلنت كان يعرف بالتفصيل ماهية هذه المعلومات الجديدة، لكنني أظن أنه أراد الوصول إلى صديقه قبل البريطانيين. إذًا، أتى من دون دعوة أو إنذار للإقامة عند صديقه القديم السير بونسونبي مور كروسثوايت، السفير البريطاني في لبنان. وعندئذٍ اتصل بفيلبي على ما أعتقد.
يثير ذلك عددًا من الأسئلة، أحدها هو كيف عرف بلنت بوجود أدلة جديدة. لا يمكنني أن أجيب عن ذلك بطريقة جازمة، مع أنني أتكهّن بشأن الجواب في كتابي. أعتقد أنه من شبه المستحيل أن نصدّق أن أحد الأشخاص المعدودين الذين كانوا على علم بخطة استجواب فيلبي كشفوا الأمر لبلنت. كانت مهمة سرّية للغاية، وفي مختلف الأحوال، كان بلنت نفسه موضع شبهات من زملاء له في جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية (إم آي 5). ولكن أحد مصادر المعلومات الجديدة عن فيلبي أفصح عن أدلّته أمام فيكتور روتشيلد الذي كان عنصرًا سابقًا في جهاز "إم آي 5". كانت زوجة روتشيلد الأقرب إلى بلنت بين صديقاته النساء، وقد عملت معه خلال الحرب. لم تكن هناك تقريبًا أي أسرار بينهما، وكانت تمحض بلنت ثقتها الكاملة (وقد حزنت كثيرًا حين تأكّدت خيانته). أعتقد أنها ربما ذكرت أمامه أمرًا قاله زوجها، فاعتبر بلنت أن عليه إبلاغ فيلبي.
السؤال الثاني هو التالي، إذا أراد بلنت تحذير فيلبي، فلماذا كان عليه الذهاب إلى بيروت؟ لماذا لم يتصل ببساطة بالشخص الروسي الذي كان يتواصل معه في لندن؟ مجددًا، أتكهّن بشأن الجواب في الكتاب، وأشدّد على أنها مجرّد تخمينات. أعتقد أن بلنت كان قد ضاق ذرعًا بالشيوعية منذ وقت طويل. وهو لم يستمر في العمل مع الروس بعد الحرب إلا لأنه اعتبر أن عليه مساعدة أصدقائه البريطانيين مثل فيلبي وغي بورغس. كذلك، ربما تساءل بلنت عمّا إذا كان فيلبي يريد الفرار إلى الاتحاد السوفياتي. ولذلك، كانت الطريقة الوحيدة كي يتيح لفيلبي الاختيار بين الذهاب إلى موسكو أو المغادرة إلى وجهة أخرى في الغرب، التحدث معه بنفسه. كان سرًّا بينهما. لو أخبر بلنت الروس، كان فيلبي ليفقدَ قدرته على الاختيار.
يونغ: هل تتوافر أي انطباعات عما جرى في الاجتماعات بين فيلبي وإليوت في كانون الأول/ديسمبر 1962 أو كانون الثاني/يناير 1963، حين كشف له إليوت أن جهاز "إم آي 6" على علمٍ بخيانته؟
هانينغ: لم يُكشَف إلى العلن سوى جزء من الوقائع التي دارت في هذه الاجتماعات، وأتساءل عما إذا كنا سنعرف بصورة مؤكّدة ما جرى فيها. لا شكّ أن إليوت عبّر عن سخطه الشديد، نظرًا إلى أنه كان قد دافع بكامل قوته عن فيلبي ضد الاتهامات التي وُجِّهت إليه بالعمل لحساب الروس. هذا ما نعرفه، ونعلم أنه عُقِد أكثر من اجتماعٍ بينهما. ونعرف أيضًا أن فيلبي أدلى باعترافٍ ما. وقد تبيّن لاحقًا أن هذا الاعتراف ربما أُعِدّ مسبقًا (ما يحفّز فكرة أنه ربما كان لبلنت ضلعٌ فيه)، وأن الكثير من الأسماء التي ذكرها في ذلك الاعتراف لم يكن لها أي جدوى. فهي إما كانت غير دقيقة، وإما مكشوفة أصلًا، وإما غير مجدية لأسباب أخرى.
في مطلق الأحوال، يبدو أن الاعتراف الجزئي كان كافيًا لإليوت والبريطانيين كي يعتبروا أن اللعبة انتهت. انهار فيلبي، وأعتقد أن البريطانيين كانوا مقتنعين آنذاك بأنه سيتعاون معهم على نحوٍ كامل ويكشف عن أسماء المتواطئين معه. هذا كان، في المقام الأول، هدف ما أقدموا عليه – أرادوا أن يعرفوا ما هي الأضرار التي وقعت كي يتمكنوا من طمأنة الأميركيين إلى أنه لا داعي لأن تساورهم مخاوف بشأن تعرّض أمنهم للخطر، لا في الماضي ولا في المستقبل. ثم غادر إليوت بيروت، وبعد بضعة أيام اختفى فيلبي.
يونغ: أخيرًا، يعتقد كثرٌ أنه سُمِح لفيلبي بالفرار، تجنّبًا لإحراج جهاز "إم آي 6". لكن لديك وجهة نظر مختلفة. هلا تشرحها لنا؟
هانينغ: مجددًا، قد لا نعرف الجواب عن هذا السؤال. يمكن أن تُساق حججٌ قوية بأن البريطانيين أرادوا بشدّة تجنّب عودة فيلبي إلى لندن والمثول أمام المحكمة، حيث كان يمكن أن تنكشف أسرار كثيرة. فقد كان من الأسهل بكثير أن يتسلّل إلى الخارج ويختفي، وبما أن الصحافة آنذاك كانت أقل هجومية إلى حد كبير مما هي عليه اليوم، لم يكن الرأي العام ليدري مطلقًا بما جرى. أخبرني صديق قديم لنيكولاس إليوت أنه تناول طعام الغداء مع إليوت، وروى كيف أن هذا الأخير، وبعدما نفّس عن غضبه تجاه فيلبي، قال إن فيلبي سأله: "ماذا سيجري الآن؟" فكأجابه إليوت، كما نقل عنه صديقه: "أمامك 24 ساعة للتحرك، كيم". فكانت هذه، باعتقاده، إشارة إلى فيلبي كي يلوذ بالفرار.
لا يمكنني أن أنفي هذه الرواية. لكنني أعتقد أنها لا تعبّر عن حقيقة ما جرى. ليس بالضرورة أن عودة فيلبي إلى لندن كانت ستتسبب بانطلاق محاكمة علنية وصدور الصحف مع عناوين رئيسية هجومية. لقد اعتقد البريطانيون ببساطة أن فيلبي سينخرط في اللعبة ويخرج منها بريئًا. لم يستطيعوا أن يصدّقوا أنه ليس الشخص المحبوب واللائق الذي لطالما عرفوه، وأنه لن يعود إلى كنف بريطانيا ويساعدهم على الخروج من المأزق. باختصار، لم يستطيعوا أن يفهموا قوّة قناعته الإيديولوجية، فهذا يتنافى مع الأعراف البريطانية في نظرهم. لذلك عندما "كسره" البريطانيون، بحسب نظرتهم إلى الأمر، عادوا فأظهروا تساهلًا في التعامل معه. لقد انتظر لبرهة، ثم قرر أن الطريق سالك وأن بإمكانه أن يلوذ بالفرار.
أعتقد أن ما جرى كان مصدر إحراج شديد للبريطانيين، وأنهم ما زالوا عاجزين عن الإقرار بذلك. لقد أرادوا تسوية المسألة برمتها على طريقتهم، وطمأنة الأميركيين إلى أن كل شيء على ما يرام. ولكنهم وجدوا أنفسهم في ورطة جديدة وبات عليهم أن يفسّروا الأمر للأميركيين.