الإنترنت أعاد توزيع سلطة إنتاج المعرفة لصالح جيل "التكفير والهجرة"
وكالات
2015-05-03 10:48
الكتاب: نبوءة آمون.. الإنترنت من الحروب الباردة إلى حروب الجيل الرابع وفتنة الأجيال
الكاتب: خالد الغمري
اصدار: مركز الأهرام للنشر
عدد الصفحات: 208 صفحات متوسطة القطع
عرض: رويترز
يرى باحث مصري أن الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي أدت في كثير من المجتمعات إلى فجوة بين الأجيال تصل إلى "جفوة" وصدام وهجرة من الواقع إلى عالم افتراضي.
ويقول خالد الغمري إن مواقع التواصل الاجتماعي أعادت توزيع سلطة إنتاج المعرفة وتداولها لصالح "جيل رقمي" خارج وسائل وقنوات السيطرة التقليدية مسجلا أن من تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما يمثلون أكثر من ثلث مستخدمي الفيسبوك وأكثر من 70 بالمئة من مستخدمي تويتر.
ويضيف أن صراع الأجيال أدى إلى "النسخة الرقمية من التكفير والهجرة" في إشارة إلى "جماعة المسلمين" المتشددة في مصر في السبعينيات والتي اشتهرت إعلاميا باسم "جماعة التكفير والهجرة" وكانت تكفر الحكام والمحكومين وتدعو أعضاءها إلى اعتزال ما أطلقت عليه "المجتمع الجاهلي".
ويقول الغمري في كتابه (نبوءة آمون.. الإنترنت من الحروب الباردة إلى حروب الجيل الرابع وفتنة الأجيال) إن "هذا الجيل الرقمي يرفض أن يتدخل الكبار سنا في شؤون دولته الافتراضية بأي شكل" بعد تمكن الجماهير والهواة من إنتاج وتداول ونشر السلطة الثقافية في مواجهة الخبراء والنخبة القديمة.
ويسجل خوفه من انتقال سلطة إنتاج الثقافة والمعرفة إلى هواة إذ ربما يؤدي ذلك إلى نتائج "كارثية.. معرفة وثقافة أقل عمقا وأكثر سطحية وأكثر نرجسية وفيضانا في المعلومات التافهة.. فالكل يؤلف ويتكلم ولم يعد هناك جمهور يقرأ أو يسمع" بعد شيوع ثقافة ويكيبيديا التي تعتمد على "القص واللصق وانتهاك حقوق الملكية الفكرية لمن أبدع ثقافة أصيلة."
والغمري الذي نال الدكتوراه من جامعة إنديانا الأمريكية يعمل أستاذا للغويات الحاسوبية بجامعة عين شمس بالقاهرة وشارك في أنشطة عربية في هذا المجال ومنها الإسهام في تأسيس (مرصد المحتوى العربي على الإنترنت) و(منتدى وسط غرب أمريكا للغويات الحاسوبية) كما سجل الغلاف الأخير للكتاب.
وكتاب (نبوءة آمون) الذي يقع في 208 صفحات متوسطة القطع أصدره مركز الأهرام للنشر قبل ثلاثة شهور ويبدأ بشرح للعنوان في ضوء أسطورة مصرية عن تحوتي إله المعرفة الذي اخترع الكتابة قبل أكثر من ستة آلاف عام وتتخذه جامعة القاهرة شعارا لها.
ويقول المؤلف إن تحوتي حين اخترع الكتابة اقترح على الإله آمون أن تتاح لبقية المصريين لكي يصبحوا "أكثر حكمة وأقوى ذاكرة" ولكن آمون حذره موضحا أن اختراع الكتابة "سيصيب نفوس المتعلمين بالنسيان لأنهم لن يستخدموا ذاكرتهم... سوف يصبحون أكثر صخبا وأعلى صوتا وسوف تكون صحبتهم مزعجة فما لديهم من الحكمة مظهرها وليس حقيقتها."
ويضيف أن تلك الأسطورة حكاها أيضا سقراط (470-399 قبل الميلاد) لتلاميذه محذرا إياهم من الاعتماد على الكلمة المكتوبة في التعلم لأن ذلك سوف يؤدي إلى "تآكل الذاكرة."
ويسجل الغمري أنه مع أي اختراع جديد يسهل تداول المعرفة وتخزينها وييسر التواصل بين الناس يظهر فريقان.. "حوتيون" ينتسبون إلى تحوتي ويتحمسون للجديد و"آمونيون" ينتسبون إلى آمون ويتخوفون من الجديد وأن الحوارات بين الفريقين تتكرر منذ اختراع الطباعة على يد جوتنبرج في القرن الخامس عشر ثم مع ظهور الصحف والراديو والتلفزيون وصولا إلى الكمبيوتر.
ويعلق على ذلك الجدل قائلا إن كل اختراع جديد يعطي البشرية الكثير بيد ويأخذ الكثير باليد الأخرى "وما يعطيه ظاهر وسريع وطاغ ولكن ما يأخذه خفي ويظهر تأثيره السلبي بعد تراكم" في نبوءة أخرى للكاتب اليوناني سوفوكليس الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد يقول فيها "لا يدخل حياة الإنسان شيء كبير إلا ومعه لعنة كبيرة."
وينسب المؤلف لدراسات وتجارب لم يسمها أنها أثبتت أن الإنترنت تسبب ضعفا في القدرة على التذكر بعد أن أصبحت "ذاكرة خارجية" لمستخدميها فلا يضطرون لإجهاد ذاكرتهم الشخصية.
وتبدو علاقة اللغة العربية بالإنترنت غير متناسبة مع عدد الناطقين بالعربية حيث لا يكتب بها بعضهم وإنما يستبدلون بها أحيانا حروفا غير عربية.
فيسجل المؤلف أن "آخر إحصائية" تقول إن نصيب اللغة العربية من المحتوى على الإنترنت يبلغ 3.5 بالمئة تقريبا وهي النسبة نفسها تقريبا على مواقع التواصل الاجتماعي كما يوجد محتوى عربي بحروف إنجليزية أو لاتينية "فرانكو آراب أو عرابيزي. ليس هناك إحصائيات حول نسبة ومعدل استخدامه" حيث يستخدم رقم 7 بديلا لحرف الحاء ورقم 3 بديلا لحرف العين.
ويقول إن البعض يرى أن ذلك "دمر لغة الشباب: أخطاء في الهجاء وقواعد اللغة وصعوبة في قراءة النصوص الطويلة... وتدهور في القدرات اللغوية لدى الشباب" في حين يرى آخرون في تواصل الشباب بهذه الوسائل آثارا إيجابية تنمي نمو قدراتهم على التعبير والوصول إلى أفكار جديدة.
ويخلص إلى أن تكنولوجيا الاتصال أعادت توزيع السلطة على اللغة لصالح مستخدمين أكثر نشاطا ولكن "على حساب حراسها التقليديين. يحكمها في ذلك قوانين السوق اللغوي وآليات العرض والطلب."
ويضيف أن البعض ربما يصف محتوى شبكات التواصل الاجتماعي بأنه "تافه لا قيمة له" ولكن التاريخ الذي سيعتمد في كتابته على هذه "الوثائق الشعبية" سيكون مختلفا عن التاريخ الرسمي الذي يكتبه مؤرخون.