الغرب: من العنف إلى القوة الناعمة
حسين علي حسين
2018-07-16 02:12
ربما تكون جذور القوة الناعمة قد نشأت مع بداية تفكير الغرب باستبدال أسلوبه الاستعماري العنيف للهيمنة على الشعوب والأمم الأخرى بآخر يقوم على الإقناع حتى لو تطلّب المزيد من الوقت، فأسلوب القوة الناعمة الذي يقترن بأساليب الإقناع سوف يقضي على ردود الأفعال التي تنتج عن الاستعمار بالقوة، ونشوء تيار التغريب ما هو إلا شكل آخر من أشكال التي تحاول استبدال العنف بما يسمى بالقوة الناعمة، فقد نشأت عند ساسة الغرب ومخططيه أيام الاستعمار بعد فشل بعض الحملات العسكرية فكرة شيطانية، وهي أنه ينبغي أن تكون الجيوش الاستعمارية بعيدة عن المواجهات لأنها تثير ردود فعل عنيفة، وأنه ينبغي عليهم أن يبذلوا الأسباب لتستسلم الأمم المسلمة للثقافة والحضارة الغربية بنفسها طواعية، وبذلك نشأت فكرة التغريب وأساسها تذويب الشخصية المسلمة في الشخصية الغربية بحيث لا ترى إلا بالمنظور الغربي، ولا تعجب إلا بما يعجب به الغرب، وتبتعد عن قيمها وعقائدها وأخلاقها المستمدة من شريعة الإسلام وتعتنق هذه الديانة الجديدة التغريبية، وتدخل في عجلة الاستهلاك اللاقتصادي التي يروج لها الغرب.
ولكن يعتبر الهدف العام من عمليات التغريب هو السعي إلى تغيير المجتمع ثقافيا واجتماعيا وفكريا حسب النموذج الغربي، ورفع السيطرة الدينية على المجتمع، ونظرا لاستحالة الوصول إلى هذا الهدف مباشرة كان لابد من خطوات وخطط إستراتيجية تدريجية لتحقيقه لعل أهمها ما ورد في " بروتوكولات حكماء علمون" والتي نوردها في النقاط التالية:
• إفساد المرأة المسلمة: وسلخها من قيمها ومبادئها وإخراجها من عاداتها الإسلامية، انخلاعها عن حجابها، تركها لبيتها الأمر الذي سيؤدي إلى:
- غياب التربية الإسلامية للأطفال.
- تفكيك البنية التحتية للتماسك الأسري.. فبإفساد المرأة سيتحلل المجتمع عن أخلاقه ومبادئه تدريجيا حتى يصل إلى النموذج الغربي الأسمى.
• القضاء على ناهج التعليم الدينية: من خلال حشو أذهان الطلاب بمعتقدات وأفكار ورؤى غريبة تماما، وذلك من خلال:
- المطالبة بتقليل المناهج الدينية من حيث موادها وصفحاتها أو عدد حصصها، أو عدد سنوات دراستها واتخاذ كافة التبريرات لذلك.
- النقد المستمر لتلك المناهج، أسلوبها، صعوبتها، عدم فائدتها حتى يقل فدرها في النفوس.
- إبراز المناهج والتخصصات العلمية الأخرى، والإشادة بها والسعي لإدخال بعض المفاهيم الموافقة للمشروع الغربي.
• الإشادة بالغرب: وبتعاليمه ونظمه وحضارته وكل المقومات التي يتميز بها عن المجتمع المسلم، مع الحرص على عدم الطرح الواضح الصريح في ذلك، وإنما يكون ذلك بصورة غير مباشرة.
• الإشادة بالسلوكيات المثلى للغرب: والتي يراها المجتمع سلوكيات شاذة، وهذه الإشادة تسهل المهمة لم لا يجد قدوة له، مما يشجعه على الإقدام على مثل هذه السلوكيات مثل: النساء المكتشفات، الادباء المتحللون، المفكرون الإباحيون.
• مواجهة التراث الإنساني: إما برفضه كلية واعتباره من مخلفات عصر الظلام والانحطاط والتخلف، أو بإعادة قراءته قراءة عصرية لتوظيفه توظيفا علمانيا من خلال تأويله على خلاف ما يقتضيه سياقه التاريخي من قواعد شرعية ولغة عربية وأعرافا اجتماعية، ولم ينج من غاراتهم تلك حتى القرآن والسنة: إما بدعوى بشرية الوحي أو بدعوى أنه نزل لجيل خاص أو أمة خاصة، أو بدعوى أنه مبادئ أخلاقية عامة أو مواعظ ورقائق روحية لا شأن لها بتنظيم الحياة ولا ببيان العلم وحقائقه.
• اتهام التاريخ الغسلامي بأنه تاريخ دموي، استعماري، عنصري وغير حضاري: وتفسيره تفسيرا ماديا بإسقاط نظريات نفسير التاريخ الغربية العلمانية على أحداثه، وقراءته قراءة انتقائية غير نزيهة ولا موضوعية، لتدعيم الرؤى والأفكار السوداء حيال التاريخ وتجاهل كل ما فيه من صفحات مضيئة والخلط المتعمد بين الممارسة البشرية والنهج الإسلامي الرباني.
• خلخلة القيم الخُلقية الراسخة في المجتمع الإسلامي: والمسيّرة للعلاقات الاجتماعية القائمة على معاني الأخوة، الإيثار، الطهر، أحاسيس الجسد الواحد، العفاف وحفظ العهود واستبدال ذلك بقيم الصراع، الاستغلال، النفع، أحاسيس قانون الغاب، الافتراس، التحلل والإباحية من خلال الدراسات الاجتماعية والنفسية والأعمال الأدبية، السينمائية والتلفزيونية، مما هز المجتمع الشرقي من أساسه ونشر فيه من الجرائم والصراع ما لم يعهده أو يعرفه في تاريخه.
• رفع مصطلح الحداثة: كلافتة فلسلفية اصلاحية لشعار التوحيد، والحداثة كمصطلح فكري ذي دلالات محددة تقوم على مادية الحياة، هدم القيم والثوابت، نشر الانحلال والإباحية، أنسنة الإله، تلويث المقدسات وجعل ذلك إطارا فكريا للأعمال الأدبية والدراسات الاجتماعية.
• وصم الإسلام بالأصولية: التطرف وممارسة الإرهاب الفكري: عبر غوغائية إعلامية غير شريفة ولا أخلاقية لتخويف الناس من الالتزام به والاستماع لدعاته.
• دق طبول العولمة: واعتبارها القدر المحتوم الذي لا مفر منه ولا خلاص إلا به، دون تمييز بين المقبول والمرفوض على مقتضى المعايير الشرعية... بل إنهم يصرخون بأن أي شيء في حياتنا يجب أن يكون محل تسارل، دون التفريق بين المتغيرات والثوابت مما يؤدي إلى تحويل بلاد الشرق إلى سوق استهلاكية لمنتجات الحضارة الغربية.
• الترويج للمظاهر الاجتماعية الغربية: خاصة في الفن، الرياضة، شركات الطيران، الأزياء، العطور، الحفلات الرسمية... ولئن كانت هذه شكليات ومظاهر لكنها تعبر غن قيم خُلقية ومنطلقات عقائدية وفلسفة خاصة للحياة.
وهكذا يبقى هدف التغريب الأول والأخير نشر الثقافة الغربية في الوطن العربي والإسلامي بمختلف صورها وميادينها، لخلق شخصية عربية لا تفهم في واقعها شيء ولا يهمها سوى تقليد الغرب، شخصية الإنسان المنفعل، المغرَّب ذي البعد الواحد – كما وصفه ماركيوز- الإنسان الذي غاليا ما يكون وقود الحضارة وموضوعها.
وفي هذا الإطار وضع إدريس هاني إطارا عاما للشخصية المنفعلة حضاريا ومن أبرز سماتها:
• شخص يرتدي آخر ما جاءت به عروض الأزياء التي يلتزم حضورها كطقس لتغذية الذوق الرفيع.
• يتناول أغلب وجباته في الماكدونالدز، ويستقي أغلب معلوماته من الـ CNN.
• يتابع قراءاته في النيويورك تايمز.
• يفضل النزول في الشيراتون أو الهيلتون.
• يفضل التكلم بالانجليزية أو الفرنسية.
• أخيرا يقف من إسرائيل المتفوقة موقفا معقولا دون أي التزام ثقافي أو آيديولوجي أو ديني أو قومي.
هذه هي الصورة التي نجدها في شخصية المجتمعات المغلوبة على أمرها حضارياً بحسب ما يراه هاني إدريس، وهو ما يدل دلالة قاطعة على أن تيار التغريب، أو صنعة استعمارية غربية، أسهمت في استمرارية الاستعمار ولكن بأشكال لا تعتمد القوة العسكرية في الاحتلال، وإنما تسعى لاستخدام أسلوب آخر أطلق عليه المعنيون بأسلوب القوة الناعمة، تفاديا لردود الأفعال العنيفة التي يواجهها الاحتلال بالقوة من قبل الأمم التي يسعى الغرب لاحتلالها.