تيار التغريب هل يستهدِف الإسلام أولاً؟

حسين علي حسين

2018-07-08 04:50

لقد وُضِعت عدة تعريفات لمفهوم التغريب ربما من أبرزها تعريف بشاير العبد الله التي ترى أن :" التغريب هو تيار فكري كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وفنية وثقافية يرمي إلى صبغ حياة الأمم بعامة والمسلمين بخاصة بالأسلوب الغربي، وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المستقلة وخصائصهم المنفردة، وجعلهم أسرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية، فهو تيار هدفه القضاء على الإسلام ومعتقداته والتسليم لتبعية الغرب في كل توجهاته".

أما جلال آل أحمد فقد أطلق على التغريب مصطلح "غرب زَدَكي"، وهو مصطلح متشبع سلبية، بل دلالات هجائية لكل ما هو غربي، ويوازيه بالعربية "وباء الغرب" أو "الإصابة بالغرب"، أو "التسمم بالغرب"، أو "نزعة التغريب"، حيث عرّفه على أنه : " مجموعة الأعراض التي تطرأ علي حياتنا في جوانبها الثقافية، الحضارية والفكرية، من دون أن يكون لها أي جذور في التراث أو أي عمق في التاريخ، وبدون أن يكون دخولها تدريجيا، يسمح بالاستعداد لها، وإنما تداهمنا دفعة واحدة، لتقول لنا: أنا هدية الآلهة إليكم، أو قل إنها الممهد الآلهة".

سلمان العودة من جهته يعتبر التغريب:" نقل القيم الدينية والاجتماعية الخاصة، المتعلقة بالهوية الغربية واستنساخها بخيرها وشرها لبذرها في الأرض العربية والإسلامية، وإن كان ذلك مخالفا للثقافة الإسلامية والثوابت، الخصوصية الاجتماعية والهوية الذاتية، بمعنى حتى ولو خالفت النص، الحس والناس أجمعين".

وهذا ما فسره رفيق حبيب حين قال: " التغريب هو محاولة تغيير الحضارة العربية الإسلامية للتحول عن قيمها الأصيلة وتقلّد أو تتبنى قم الغرب، بمعنى محاولة هدم قيم الأمة والدعوة إلى الحداثة الغربية بين أبناء أمتنا، وبذلك الخروج عن الأصول الحضارية لنا، فالحضارة الغربية تختلف عن الحضارة العربية الإسلامية في القيم العليا الحاكمة للحضارة العربية والإسلامية".

ولعل محمد يوسف كان الأشد تعبيرا في تعريفيه للتغريب حيث قال:" إن التغريب – في أحد أوجهه- ليس إلا اللباس الثقافي للتصنيع، لكن تغريب العالم الثالث (والذي يتكون معظمه من الدول الإسلامية) هو عملية محو للثقافة، بمعنى أنها عملية تدمير بلا قيد ولا شرط للبنيات الاقتصادية، الاجتماعية والعقلية التقليدية، لكي لا يقوم مقامها في حينه سوى كومة كبيرة من الخردة، مصيرها الصدأ".

ويواصل الباحث بأن هذا الذي يعرض على سكان العالم الثالث لكي يحل محل هويتهم الثقافية الضائعة، إنما يتضمن صنع شخصية وطنية عابثة، ذات انتماء خداع إلى مجتمع عالمي (هو الغرب)...

إن ضياع الهوية الثقافية الذي ينتج عن ذلك أمر لا يقبل الجدل، وهذا يساهم بدوره في عدم استقرار الشخصية الوطنية سياسيا واقتصاديا، وما يتبقى بعد ذلك من الإبداع الوطني يكمن في حالة تبعية إزاء ثقافة تبدو لها أجنبية، وإنها لكذلك.

بدوره أبو بارقي لا يختلف كثيرا عمّا سبق في تعريفه للتغريب حيث يرى أنه: " ما يقوم به الغرب من مخططات لحمل المسلمين على تغيير حياتهم الاجتماعية والسلوكية واقتفاء سيرة الغرب الكافر، من خلال إحداث التغييرات الاجتماعية، الأخلاقية الفكرية في حياة المسلمين، مما يجعلهم بعيدين عن دينهم وخاضعين في ذلك للجاهلية الغربية ومقتفين آثارها الخُلقية والاجتماعية، أي يصبح المسلم غربيا أوروبيا في سلوكه، أخلاقه، قيمه، وحياته الاجتماعية".

أما عبد الله أبو هيف فحسبه: " معنى الغريب يفيد أمرين:

الأول: سيادة النزعة الغربية، أو الاحتذاء بالغرب (أوروبا وأمريكا).

الثاني: الاستلاب أو الاغتراب، أي خلق هوة بين المرء وواقعه، حيث تغلف الذات بمشاعر الغربة والوحشة، الانخلاع والانسلاخ واللا انتماء بعد ذلك".

ويفيد المعنى الاصطلاحي – بالنسبة له- شعور المرء بأنه مبعد عن البيئة التي ينتمي إليها، فيصبح منقطعا عن نفسه، عبدا لما حوله، يتلقى تأثيره المتمثل في إنجازات الإنسان ومواصفاته ونظم حياته دون فعالية تُذكر؟.

وقد قامت رغداء زيدان بجمع مجموعة من التعارف الخاصة بمفهوم التغريب التي وضعها عدد من المفكرين والباحثين في أزمنة متعاقبة فاعتبروه:

" الدعوة إلى الأخذ عن الغرب ومحاولة تقليده في شتى الأمور من أجل التطور والتقدم"، واعتبر بعضهم أن هذا المفهوم هو المفهوم الظاهر للتغريب فقط، وأوجدوا لهذا المفهوم تعريفا آخر أظهروا فيه غاية وأهداف هذا التيار في دعوته للأخذ عن الغرب فهو:

" تيار يرمي إلى خلق عقلية جديدة تعتمد على تصورات الفكر الغربي ومقاييسه، ثم تحاكم الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي من خلالها، بهدف سيادة الحضارة الغربية وتسييدها على حضارات الأمم سيّما الحضارة الإسلامية".

أو أنه باختصار:

" المذهب الذي كان يدعو إلى التجديد وهو كل طريق طارئ علينا، مما هو منقول في معظم الأحيان عن الأوربيين".

أما حسب قاموسLe petit Larousse فإن مصطلح " تغريب " المشتق من الفعل غرّب فيعني:" أن يعدّل شعب أم مجتمع ما بطريقة مشابهة لعادات الغرب، تغريب القيم، التقاليد... من خلال الاتصال بحضارته".

لكن قبل إعطاء رأينا حول مفهوم التغريب، لا بد من إبداء ملاحظو مهمة حول هذا المفهوم (التغريب)، فقد يطلق عليه هدة مصطلحات بهدف تجميله وفتنة الآخرين به مثل: المدنية، التطور والتقدم، الحضارة، الحياة الجديدة، التغيير الاجتماعي، التحديث، التنوير، التجديد، العصرنة، الاتصال الثقافي، التثاقف...

وهو ما يمكن تسميته بالفوضى الخطيرة في استخدام المفاهيم، فمثلا نجد أن ممدوح طه قد شرح جزءا من هذه الإشكالية من خلال التفريق بين التحديث والتغريب فحسبه:

• التحديث: في معناه الموضوعي يعني التجديد لكل ما يحتاج إلى تجديد لحاقا بمنتجات الحضارات الحديثة، وتكيّفا مع روح العصر وصولا إلى التقدم، بما تتطلبه المصالح الإنسانية المشروعة سواء في المعارف وليس في القيم، في المهارات وليس في التوجهات، وباختصار في المظهر وليس في الجوهر الحضاري. أما

• التغريب: يعني الاتجاه الكلي نحو الغرب مبنى ومعنى، مظهرا وجوهرا، أدواتٍ وغاياتٍ، بما يشكل استلابا كاملا للإرادة وذوبانا ثقافيا وحضاريا وتبعية أو محاكاة أو تقليدا، الأمر الذي يفضي في النهاية إلى اغتيال للهوية الثقافية والحضارية الوطنية والقومية، وقد يعني أن ليس هناك تلازما دائما بين المفهومين، فالتحديث لا يعني قطع الصلة بالتاريخ لأنه غير ممكن ولا بين الماضي والمستقبل لأنه مستحيل".

• من جهته مفهوم التثاقف أو المثاقفة هو محل خلط بينه وبين مفهوم التغريب، حيث يستعمل علماء النفس والاجتماع مفهوم المثاقفة بمعنى:" صيرورات تكيّف الفرد مع البيئة الثقافية وتأثره التكوّني بها".

جورج بالندي:" عملية انتشار القيم والمعايير والأحكام الاجتماعية إلى المجتمعات الأخرى مع تعرضها لعملية التبادل التي تجعلها منسجمة مع ظروف وأحوال المجتمعات التي دخلت إليها".

ريدفيليد:" يشير إلى الظواهر الناتجة عن الالتقاء المباشر والمستمر بين مجموعة أفراد ذات ثقافات مختلفة، وينجر عن هذه الظواهر تغيرات لأنماط عديدة من النماذج الثقافية القاعدية لكل مجموعة أو لإحداها فقط".

رغم أن المثاقفة تتطلب – كما تقول الآية الكريمة- "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، أي "فرصا وعلاقات ووسائل متكافئة، ورغبة في مد الجسور والحوار والتعارف والتعاون وكل ما من شأنه تقوية الإنسان".

وحسب عبد الفتاح مراد فإن التثاقف يفترض أولا احتكاكا مطوّلا بين ثقافتين، ثم تأثير إحدى الثقافتين في الأخرى، أو التأثير الثقافي المتبادل فيما بينهما، بحيث تعد المسالك الثقافية والاجتماعية عند أحد الفرقاء أو عند الاثنين معا. فالتثاقف على الصعيد النظري يعني التبادل الثقافي المتكافئ أو غير المتكافئ، يعني أيضا تبنّي أحد الأطراف النماذج الثقافية للطرف الآخر".

وأخيرا، أما المثاقفة بالمعنى التغريبي فغالبا ما كان يأتي في إطار معادلة استعمارية أو استيطانية مثل: غزو فرنسا للجزائر، الحروب الصليبية، غزو القارة الأمريكية... مما يشوّه من معنى التبادل الثقافي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هذا المقال ملخص لاهم الأفكار العصرية من كتاب الاعلام الفضائي والتغريب الثقافي للكاتبة لمياء طالة.

ذات صلة

لماذا يطلب المؤمن الهداية الى الصراط المستقيم؟بعد فوز ترامب.. على العراق الاستعداد لما هو قادمالمشاريع الثقافية الطوعيةدور الشباب في إعادة بناء العراقتداعيات انتخابات إقليم كردستان على المشهد السياسي