المنافسة في عصر أمازون
انسياد
2018-03-26 06:04
هنريك غريف، جيمي سي يون
عند نجاح الابتكارات الرقمية في القضاء على التقنية الأقدم، يجب النظر إلى المنصات الرقمية على أنها جرافات تزيل كل ما سبقها. فمن خلال ربط المنتجين بالمستهلكين بشكل فوري ودون عناء، يمكن تغيير قطاعات بأكملها. وكأمثلة على ذلك: فقدت خدمة تكسي ميداليانس في مدينة نيوورك أكثر من نصف قيمتها خلال بضعة سنوات، بسبب منافسيها أوبر وليفت. وأظهر استطلاع أجرته مورغان ستاننلي، أن 49% من عملاء Airbnb "إير إن بي إن" يرجحون استخدام المنصات التشاركية على الفنادق التقليدية.
رغم ذلك، لا تتسبب الابتكارات الجديدة بتغييرات جذرية في جميع الحالات. ففي قطاع الموسيقى، ثبت أن التحول من التحميل الرقمي إلى خدمات البث على أنه تطور إيجابي من عدة نواحي، في الوقت الذي تكافح فيه الشركات المستقلة للحصول على حيز ضمن أهم قوائم منصات البث. حيث تم تصميم المنصات لاحتواء الجميع من خلال فسح مجال أكبر أمام اللاعبين الكبار والصغار بالتساوي. لكن في الواقع، يجب أن يتمتع اللاعبين الصغار بالحنكة ليستطيعوا منافسة الشركات الكبرى المعروفة ذات الملاءة المالية.
تناولنا في ورقة عمل نشرناها مؤخراُ بعنوان "تطورات الإدارة الاستراتيجية"، مبيعات الكتب الرقمية لنرى إذا ما كانت الديمقراطية في المنصات الرقمية (تويتر وأمازون تحديداً بهذه الحالة) ستشكل تهديداً على عمالقة القطاع. وفي حال نجح ما ندعوه بالتسويق المكتسب - إحداث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاركة خبرات المستهلكين- في تعزيز الايرادات بالمقارنة مع الحملات التسويقية المدفوعة، ستتعزز مكانة تلك المنصات كلاعب أساسي. كما تناولنا أيضًا كيفية مساهمة المنصات المطورة لخدمة أغراض مختلفة، في إعادة رسم ملامح السوق والقطاع.
تأثير منصة كيندل
اخترنا قطاع النشر كموضوع للدراسة نظرًا لتوجهين سائدين خلال السنوات القليلة الماضية. فمع نمو سوق الكتب الرقمية، انخفضت الحصة السوقية لكبرى دور النشر مثل Hachette وHarperCollins وMacmillan وSimon & Schuster وPenguin Random House، المعروفة باسم العمالقة الخمسة. وبالرغم من كونه غير منطقي، لكن يبدو أن السمك الصغير (الناشرون الصغار) يأكل الحصة الأكبر. ارتأينا أنه في حال وجود رابط بين بروز الكتب الرقمية وتراجع حصة العمالقة الخمسة سيكون له بشكل ما صلة لأمازون بذلك - أكبر منصة تجزئة لبيع الكتب الرقمية الصادرة باللغة الإنجليزية.
بدأ أمازون ثورة في مجال النشر الذاتي من خلال وحدة كيندل للنشر المباشر. فالمنصة التي تم طرحها في 2007 إلى جانب قارئ كيندل الرقمي (Kindle e-reader). توفر للمؤلف، بغض النظر عن قدراته، إمكانية بيع كتبه الرقمية بشكل مباشر عبر أمازون، على غرار الناشرين المهمين. فقد ولت الأيام التي كان فيها المؤلفين المستقلين يكافحون لوضع كتبهم على أحد رفوف الكتب.
لا يعتبر أسلوب النشر الذاتي الذي توفره أمازون طريقة أفضل وحسب، ولكن بإمكانه أن يكون أكثر ربحية من العمل مع العمالقة الخمسة: يحتفظ المؤلف المستقل في أمازون بحصة تعادل 70% من الأرباح مقابل حوالي 23% في حال عمله مع أحد الشركات الخمسة الكبرى. كما يعطي النشر المباشر عبر أمازون إمكانية متابعة المؤلفين لمبيعاتهم دون الحاجة إلى الانتظار ستة أشهر للحصول على بيان الملكية.
الأساس الذي تعتمده الكتب الرقمية
بطبيعة الحال، لا يكون للشروط المالية الملاءمة أهمية تذكر في حال عدم القدرة على بيع كتاب بسبب هيمنة الشركات الخمسة العملاقة. ويمكن لآراء العملاء على وسائل التواصل الاجتماعي وأمازون أن توفر فرصاً متساوية بشكل يضمن حصول جميع الكتب الرقمية على جمهور أوسع.
ولمعرفة إذا ما كانت المنصات الرقمية تغير موازين القوى في قطاع النشر، قمنا بتحليل مبيعات أمازون للكتب الرقمية خلال 7 أرباع مالية، إلى جانب أنشطة تويتر وتقييمات وآراء المستهلكين على أمازون خلال نفس الفترة.
أكدت نماذج بياناتنا عدة أنماط بشكل متكرر. أولاً: عدد تقييمات المستهلكين على أمازون - لا سيما التقييمات ذات الخمسة والأربعة نجوم- لها تأثير كبير على مبيعات الناشرين الصغار والمستقلين مقارنةً بالعمالقة الخمسة. فبالنسبة إلى الكتب التي تحمل عناوين مألوفة، يبدو أن العملاء يتجاهلون التقييمات الإيجابية لعدم جدواها، بدلاً من اعتمادها كمرجعية ذات مصداقية للشركات الخمسة العملاقة.
أظهرت النتائج بشكل متكرر التأثير المباشر لحجم التغريدات على مبيعات الكتب، ولكن بشكل أقل مقارنة بتقييمات أمازون. وتبين عدم وجود تأثير للآراء الإيجابية والسلبية في تويتر على المبيعات، عكس أمازون. فتنوع الآراء على تويتر يؤثر على المبيعات بشكل أكبر من الآراء التي تميل لإعطاء تأثير إيجابي فقط.
على العموم، يبدو أن كل من تويتر وأمازون تلعبان أدواراً مختلفة على طول رحلة شراء المستهلك للكتب الرقمية. فغالبًا ما يستخدم تويتر كمنصة للاكتشاف في حال حاز العنوان على اهتمام القارئ ومن ثم الآراء المطروحة. وبمجرد أن يحظى الكتاب بالاهتمام، يتحول العميل المحتمل إلى أمازون للحصول على المزيد من المعلومات حول الكتاب. وفي حال وجود تقييمات إيجابية، من المحتمل القيام بعملية الشراء. بالتالي، فإن تأثير تويتر على عملية بيع الكتب الرقمية – كمرحلة أولية في رحلة العميل– أكثر أهمية مما تشير إليه نتائجنا، ولكن لا يمكن تحديدها بسهولة.
لماذا يجب على الشركات العملاقة الكبرى الحذر
أصبحت التأثيرات الشاملة واضحة تمامًا عند مقارنتنا لمزايا البيع التي يتيحها حجم الناشر (ابتداءً من الشركات الخمسة الكبرى إلى دور النشر المستقلة) إلى المزايا الأخرى التي توفرها التقييمات على تويتر وأمازون. أظهرت البيانات أن مبيعات الكتاب المنشور بشكل مستقل والحاصل على العديد من التقييمات الإيجابية على أمازون قد تتفوق على آخر تنشره إحدى دور النشر الكبرى الخمسة ولا يوجد تقييمات عنه.
نريد أن نوضح أن أعداد محدودة من الكتب المنشورة ذاتياً عبر أمازون ستلقى رواجاً كبيراً. ومع ذلك، فمن المرجح استمرار انخفاض الحصة السوقية للشركات الخمسة العملاقة، لا سيما بفضل المزايا العديدة التي يوفرها كل من أمازون ووسائل التواصل الاجتماعي. وسيتعين على الشركات الخمسة الكبرى النمو بشكل أسرع لتستطيع التكيف- ولا يعتبر ذلك بالمهمة السهلة، نظراً لكبر حجمها والبيروقراطية المترسخة فيها.
من جهة أخرى، كلما قلت هيمنة تلك الشركات، تزداد احتمالية خسارتها لمواهب لصالح أسلوب النشر الذاتي ودور النشر الصغرى. وجدنا خلال فترة الدراسة تحول 7% من المؤلفين المتعاملين مع تلك الشركات، إلى دور نشر أصغر.
ليس من قبيل الصدفة أن تتم إعادة هيكلة قطاع النشر بالتزامن مع ثورة الكتب الرقمية. ونتوقع رقمنة أنماط مماثلة أخرى على نحو سريع. ومع ذلك، يمكن أن تكون القطاعات الأخرى التي قد تبدو بعيدة عن هذا النوع من الابتكارات، عرضة لها أيضاً. على سبيل المثال، قد تضطر الشركات المصنعة الكبرى إلى التعامل مع نسختها الخاصة من الأزمات (كما في حالة أمازون) مع انتشار منصات الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل واسع. وقد تصل المنصات الرقمية إلى قطاعات مختلفة لتنهي مرحلة طويلة من مسيرتها.