علموا أولادكم حب الكتاب
علي حسين عبيد
2015-03-10 12:09
لو أننا قمنا باستطلاع او استبيان لمعرفة كيف يقضي الاطفال والمراهقون والشباب اليوم، اوقات فراغهم، وبمَ ينشغلون أكثر؟، ترى هل سيكون للكتاب والمطالعة - خارق منهج الدراسة- حصة زمنية تُذكر من اوقاتهم وانشغالاتهم؟ وهل تخصص الفئات العمرية المذكورة، جزءاً من فراغها للقراءة خارج الواجب المدرسي؟، إن الاجابة التي ستأتي بحسب الوقائع الموجودة الآن، حتما سوف تكون بالنفي، أي بعدم وجود علاقة تُذكر بين هؤلاء الأولاد، وبين الكتاب الخارجي، العلمي أو الانساني، لأنهم في الغالب لا يميلون للقراءة والمطالعة، إلا عندما تكون مفروضة عليهم.
في هذه الحالة بأي شيء أو مجال ينشغل أطفال ومراهقو وشباب اليوم؟، يمكن أن تتأطر الإجابة بالشكل التالي، إن جميع الأدلة تؤكد بأن الموبايل (الجهاز النقال) والكومبيوتر (الحاسوب) والعاب الفيديو، تأخذ النسبة الاكبر من اوقات فراغ هذه الفئات العمرية، فضلا عن وسائل اللهو الاخرى بالاضافة الى الرياضة وما شابه، وذلك لأسباب يذكرها المختصون بعلميّ الاجتماع والنفس، ويؤكد هؤلاء أن هناك تقصيرا كبيرا من الوالدين والعائلة الحاضنة، تجاه الأبناء بخصوص حب القراءة والتعلق بالكتاب وإهمال الاطلاع المعرفي بشكل عام، والانشغال شبه الكلي بالانترنيت ووسائله، مع انشغال شبه تام عن المطالعة ومد جسور العلاقة الوثيقة مع المعرفة، والاطلاع على الافكار والمضامين الفكرية والادبية في بطون الكتب.
هذا الامر يدل بصورة قاطعة على أن الأبوين لم يقوما بدورهما كما يجب، بخصوص زرع محبة الكتب في نفوس وعقول وقلوب أولادهم، الاطفال منهم والمراهقين، وهو امر يمكن ملاحظته بصورة واضحة في واقعنا الاجتماعي، فنحن في الحقيقة مجتمع غير مشجع على القراءة إلا ما ندر، فقد تكون هناك حالات استثنائية لبعض العائلات او التجمعات الشبابية القليلة، ولكن اذا اخذنا المشهد العام بخصوص القراءة والمطالعة، فإننا سوف نصاب بحالة من الاحباط شديدة، بسبب هذا الاهمال الذي لا يعرف احد مدى نتائجه الخطيرة، لذلك يكاد الجميع يتعاملون معه وفق حالة اللامبالاة، لأن خطورته ليست مباشرة، بمعنى أن اخطار اهمال القراءة وقلة وعي المجتمع تنعكس على حياة المجتمع بصورة عامة، وهذا ما نعيش نتائجه بصورة فعلية في واقعنا الراهن، متمثلا بالفوضى الشاملة التي نعيشها الآن.
بينما لو كان الشعب قارئا مثقفا واعيا، لا يمكن أن نمر بهذه الانتكاسات الاجتماعية والثقافية والادارية وحتى الاخلاقية منها، فعندما تسهم بصناعة طفل واع ومراهق مثقف وشاب يعرف قيمة المعرفة والعلم من خلال القراءة والمطالعة، فإنك في هذه الحالة تسهم بصورة فعالة في صناعة مجتمع ودولة ناجحة، من هنا لابد للعائلة أن تقوم بتشجيع هذا النوع من الاهتمامات لدى افرادها من اجل زيادة ثقافة الاسرة عموما وافرداها (اطفال ومراهقون) على نحو الخصوص من اجل اعدادهم لأدوار البناء القادمة.
أما بخصوص الخطوات التي يمكن لها أن تقرّب بين الكتاب والاطفال والاولاد عموما، فهي تكمن في اجراءات تشجيعية عملية تقوم بها العائلة، وبالذات الاب والام، إذ ينبغي عليهما القيام بالخطوات التي من شأنها غرس حب القراءة والمطالعة لدى ابنائهم، وهي في مجموعها تصب في حالة التشجيع والاطراء والتشاور والنقاش وارساء طقوس يومية بشأن القراءة، مع بعض الخطوات المهمة التي تحبب القراءة الى هذه الفئات.
لذلك مطلوب القيام بالخطوات التالية، من اجل زيادة اقبال هذه الفئات على الفعل القرائي، وعدم حصره بالمناهج المقررة دراسيا، على الرغم من اهميتها، لكن هناك جانب مهم يتمثل بالثقافة العامة، واكتساب المعرفة من خلال مصاحبة الكتاب بصورة يومية، وممارسة القراءة على نحو شبه دائم، وعدم ملء ساعات الفراغ باللهو المجاني، او إشغاله باللهو في الحاسبات والموبايلات وما شابه، من الخطوات الواجب اتخاذها في هذا الشأن:
- اصطحاب الاولاد مع الابوين او أحدهما في الجولات الثقافية وحضور الانشطة الثقافية كالامسيات الادبية والندوات الفكرية ومعارض الكتب والرسم والعروض المسرحية الجادة، فهذا النوع من اصطحاب الاطفال يزرع في نفوسهم حب الثقافة والتعلق بالكتاب والقراءة بصورة عامة.
- إنشاء المكتبة الخاصة داخل البيت، أمر مهم جدا، كونه يشجع الاولاد على محبة الكتب ومواصلة المطالعة.
- كذلك الحال بالنسبة للمدارس، فهي مطالبة بإنشاء مكتبات علمية ادبية عامة، مع تشجيع الطلبة على القراءة عبر طرق المسابقات والتشجيع والاطراء وما شابه.
- قيام العائلة بجلسات نقاشية لاحد الكتب، وخاصة الكتب التي تلائم الاطفال والمراهقين، والأخذ بالنظر طبيعة المضمون والقدرة على فهمها، لتوصيل مضمون الكتاب بصورة جميلة تناسب اذهان الاطفال والمراهقين ومستوياتهم.
- نشر ثقافة القراءة في جميع الاماكن التي يتواجد فيها الاطفال والمراهقون، وإقامة مشاريع للقراءة، على غرار مشروع (أنا عراقي انا أقرأ) الذي استقطب اهتمام عدد جيد من القراء ومن الفئات العمرية كافة، وهو ما دعا الى الاستمرار في هذا المشروع لسنوات ودورات لاحقة.
- إقامة فعاليات خاصة بأهمية القراءة، ونشر طقوسها، والتعريف بأهميتها.
- لابد من مشاركة فعالة لوسائل الاعلام كافة في نشر فضائل القراءة والوعي الجيد للإنسان في مراحله العمرية كافة، على أن يتم التركيز على فئة الاطفال (التعلم في الصغر كالنقش في الحجر)، ومهم أن يكون الاهتمام الاعلامي بشكل يومي، بالاضافة الى الحملات الاستثنائية للتشجيع على القراءة.