العالم في 2016 وانحراف البوصلة
حيدر الجراح
2017-01-14 06:50
وصف العام الماضي 2016 بانه عام الانهيار، انهيار شمل جميع منظومات الافكار الاقتصادية والسياسية وحتى الفلسفية التي درجت على ان تكون ايديولوجيات طيلة عقود ماضية.
لم تكن تلك الانهيارات وليدة لحظتها في العام الفائت، بل كانت نتيجة تراكم بدأ منذ لحظة التأسيس النظري لتلك المنظومات، وما لحق بها بعد ذلك على مستوى التطبيق العملي.
بناءا على ما مضى، واستشرافا لما يأتي في العام الحالي واعوام قادمة، صدرت عدد من التقارير التي تحذر العالم مما هو مقبل عليه، وخاصة بعد التغيير الانتخابي الذي حصل في امريكا بصعود دونالد ترامب الى كرسي الرئاسة وما يعنيه ذلك من تأثيرات على السياسات العالمية التي تتأثر بالقابض على مقاليد السلطة في اقوى بلد في العالم.
لقد حذرت تلك التقارير من نهاية الهيمنة الأميركية، مع تزايد خطر حصول نزاعات دولية، وتراجع القيم الديمقراطية بصورة لا مثيل لها منذ انتهاء الحرب الباردة.
فالتطورات السياسية والاقتصادية والتغير التكنولوجي، يضاف إليها تراجع نسبي للزعامة الأميركية في العالم، عوامل تدعو للتفكير بمستقبل مظلم وصعب.
ولا يقتصر الامر على امريكا وتأثيرها على المجريات السياسية والاقتصادية في العالم، بل يشمل ذلك ايضا، ان النزاعات والحروب المرشحة للحدوث تجلب معها مايعرف باقتصاديات الحروب، والظاهر منها هو الاتجار الواسع بالأسلحة على اختلاف انواعها وكمياتها، وما خفي في عالم اقتصاديات الحرب في سوريا والعراق، ان اصبح تنظيم (داعش) أحد المحركات الرئيسية للاتجار في البشر. وفي البداية، كان التنظيم هو المشتري الأكبر؛ والآن أصبح مقاتلوه أهم سلعة يتم تداولها.
وهذا ما يؤدي الى انتقال المقاتلين الارهابيين من جهة الى اخرى، تبعا للمصالح المالية للفصائل المتصارعة، بعيدا عن الشعارات التي كانوا يرفعونها، وما يعنيه ذلك من تهديد أمني متواصل ومستمر للكثير من الدول.
يضاف الى ذلك ازدياد سياسات العزلة والعنصرية وغياب التسامح واحترام التعددية في الكثير من بلدان العالم، وهو ما يمكن تسميته بالانحراف، كما عبر عنه المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي في كتابه (الصياغة الجديدة لعالم الحرية والرفاه والايمان) قبل أكثر من ثلاثة عقود، حيث كتب:
(غير خفي إن ما يشاهد في عالم اليوم من المظاهر السيئة في الانحراف والانفصام إنما هي وليدة جذور منحرفة، فلا يمكن التخلص من هذه المظاهر السيئة إلا بتقويم الجذور وتعديلها، فإن كل ظاهرة لابد لها من خلفية، والظاهرة لها آثار حسنة إن حسنت الخلفية، أو سيئة إن ساءت الخلفية).
ويعزو الامام الشيرازي مظاهر الانحراف الى ان (الإنسان يعيش في حالة غربة عن الكون وعن المجتمع وعن نفسه، وصدق قوله سبحانه وتعالى: (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) (الحشر: 19).
ويضيف ايضا: (إن الإنسان الذي ينسى الله تعالى ينسى نفسه أولاً، ثم جسده ثانياً، ثم مجتمعه ثالثاً، ثم العالم الطبيعي الذي يعيش فيه رابعاً، بينما إن لم ينس الإنسان الله سبحانه أخذ بقوانينه فلا ينسى نفسه، ولا جسده، ولا مجتمعه، ولا عالمه الطبيعي الذي يعيش فيه).
اما عن الحروب والنزاعات التي كان معاصرا لعدد منها وشاهد فظائعها وحجم الخراب الذي تنشره في المجتمعات، فان الامام الشيرازي يعتقد ان (الحرب أسوأ شيء عرفه الإنسان في تاريخه الطويل، لأنها توجب قتل الإنسان ونقص أعضائه، وفقد قواه وتشويهه، كما توجب هدم العمران، وإثارة البغضاء والشحناء بين البشر، وإيراث الأجيال العقد النفسية، وأيضاً تسبب إلقاء المقاتلين في أسر الحرب، ولذا يكون من اللازم تجنب الحرب بأية قيمة، وإذا اضطر الإنسان إلى الحرب ـ لأن عدوه جره إليها ـ كان الواجب أن يقتصر فيها على أقصى درجات الضرورة،. وكان يطالب في الكثير مما كتبه من البشر أن يضعوا حداً للحروب نهائياً حتى لا تقع في المستقبل.
ذلك المستقبل الذي يحذر منه الجميع الان، ما الذي يمكن ان نفعله لإيقاف محاولة الوصول الى لحظة تدهوره الفادحة الخراب والتي تلوح في الافق؟
نفض الغبار عن فطرة الانسان الذي راكمته غربته عن نفسه وعن مجتمعه وعن الكون.
العودة الى التعددية واحترام الاختلاف بين البشر.
الانفتاح على الاخر من خلال زيادة معرفته واحترام تفرده.
الحث على سياسات السلم والسلام وعدم استخدام العنف كوسائل لإنهاء الصراعات.
الابتعاد عن سياسات الكوارث التي تدفع نحوها أغراض الجشع الاستعماري.