خيبة إعلامية في الغرب أمام المقاتلات الكرديات
محمد علي جواد تقي
2016-09-18 10:19
كان استيائهم صادماً للإعلام الغربي الذي اعتاد استهلاك وجه المرأة في ترويج مختلف السلع والمنتوجات الاستهلاكية، فقد أبدا أكراد سوريا رفضهم الشديد لان تكون "آسيا رمضان عنتر"، من بين تلك الانماط الدعائية، لانها ضحت بنفسها وشبابها وجمالها من أجل قضية يعتقدون أنها كبرى ومصيرية بالنسبة لهم.
ربما كان ذلك الاعلام المعتد بنفسه، يتصور أنه بدعوته لأن تكون "فتاة غلاف بالنسبة للمحيطين بها، وتحظى بإعجاب الكثيرين بفضل ملامحها الجميلة وقدرتها العسكرية في ذات الوقت..."، انه يقدم خدمة اعلامية مثيرة يكسب بها المزيد من المخاطبين، بيد أن الرد من هؤلاء المخاطبين جاء صاعقاً من شومان كنعاني المسؤول عن إعادة إعمار مدينة كوباني (عين العرب) بأن "الفلسفة الكاملة التي تنتهجها وحدات حماية المرأة تكمن في محاربة التمييز على أساس الجنس ومنع استخدام المرأة كشيء جنسي"، وأضاف: "نريد أن نمنح المرأة مكانة حقيقية في المجتمع ونجعلهن يقررن مصيرهن. قُتلت فيان من أجل هذه المُثل. وفي وسائل الإعلام، لم يتحدث شخص عن تلك المُثل...".
وقد قتلت العديد من الفتيات ممن يقاتلن في صفوف "وحدات حماية المرأة" التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الى جانب "وحدة حماية الشعب الكردي"، في المعارك ضد تنظيم "داعش"، بيد أن جديد الاعلام الغربي؛ مقارنة ملامح وجه هذه المقاتلة الكردية، مع ملامح وجه الممثلة السينمائية الغائبة عن الاضواء؛ انجلينا جولي، وبدلاً من يسود الارتياح بين الاكراد في سوريا، لأن شخصاً من سكان الجبال – مثلاً- ارتقى لان يكون شبيهاً بشخصية عالمية شهيرة، جاء الاستياء عارماً على مواقع التواصل الاجتماعي من اكراد سوريا، بأن المقارنة ليست في محلّها بالمرة، وأدان البعض المقارنة كونها "قائمة على التمييز على أساس الجنس واعتبارها (المرأة) مجرد شيء لا أكثر".
ونقل عن فتيات في هذه القوات "إن فلسفتهم تركز على البساطة والتواضع"، وقالت أخرى: "لا ينبغي الحكم على شخص على أساس مظهره أو شكله أو حجمه، فالأفراد يبذلون تضحيات شخصية من أجل أهداف جماعية".
وقد لفت المراقبون وجود الفتيات الكرديات لأول مرة في صفوف المقاتلين، في صفوف حزب العمال الكردستاني في تركيا بزعامة عبد الله أوجلان، منذ التسعينات، في رسالة واضحة الى الجيش التركي المعروف بقسوته، بأن النساء لن يبقين في البيت عندما يقتل الأب او الأخ، ولا وجود لأرملة في البيت ولا يتيمة، إنما يخلف مقاتلات يحملن المزيد من العزيمة والاصرار على مواصلة الطريق الذي سار عليه رجالهم، وهو ما يعدونه الهدف الكبير؛ متمثلاً بحق تقرير المصير.
هذا الدافع قفز مرة أخرى بظهور تحدٍ جديد للأكراد ليس بواجهة قومية كما هو الصراع مع الدولة التركية، وإنما بواجهة دينية مشوّهة، وربما يكون للتعبئة النفسية والمعنوية دور في إذكاء روح القتال والتصدّي لدى أعداد كبيرة من الفتيات الكرديات، يضاف اليه نزعة التفوق على الآخر (الرجل) وأنهم لا يقلّون عنه مقدرة للقيام بأعمال مختلفة منها حمل السلاح والتنقل بين المتاريس وخوض القتال لوجهاً لوجه مع العدو.
إن الخطأ المنهجي الذي سقط فيه الاعلام الغربي، تصوره، عدم وجود جانب معنوي في الدوافع النفسية للفتيات الكرديات، وأنهن يشاركن في المعارك بحثاً عن الظهور في وسائل الاعلام، لاسيما وأن تقارير خبرية وتحقيقات مصورة أعدت حول هذا الموضوع، ظهرت فيه فتيات بين سن الخامسة عشر والعشرين عاماً، وهنّ يحملن الرشاشات بملابسهن العسكرية، بيد أن الرمز في عيون هذه الفتيات ليس شخصاً معيناً، إنما قضية يعدونها حقّة وعادلة، والموت دونها ربما يقترب الى القدسية.
وما حصل للفتيات الكرديات، ربما يحصل لآخرين يخوضون القتال نصرة لقضاياهم العادلة، كما يجري اليوم في العراق، حيث نرى شريحة واسعة من المجتمع تشارك في القتال ضد "داعش" ايضاً، ليس بالسلاح فقط، وإنما بالدعم المعنوي واللوجستي الى جانب البسالة والاقدام من الشباب المتوثب للقتال دفاعاً عن قيم ومبادئ انتهكها الارهاب الطائفي.
ففي العراق، المرأة في البيت، والطالب في المدرسة، والفتاة في الجامعة، والموظف والعامل والفلاح وغيرهم من فئات المجتمع، كلهم يشاركون في حملة المواجهة والتصدّي لقوى الانحراف والضلال التي تهدد حاضر ومستقبل الشعب العراقي بل والامة بأسرها، وذلك بتضامنهم ودعمهم المادي والمعنوي.
وهذا لن يظهر الى العلن، إلا بإضاءات إعلامية كاشفة كالتي فعلها الاعلام الغربي في تسليطه الضوء على المثير في مقتل فتاة كردية ضمن الفصائل المسلحة الكردية في سوريا، فهي تركت كل شيء في شخصية هذه الفتاة وتشبثت بملامح الوجه فقط، مما يعني أن الاعلام العراقي، بما فيه الالكتروني منه، مدعوٌ اليوم قبل أي يوم آخر لنشر الصور النمطية الرائعة لابطال الحشد الشعبي والقوات المسلحة ومن يقف خلفهم من شرائح المجتمع الذي انطلقوا منه،
مستفيدين من الرموز الكبيرة في تاريخنا الاسلامي التي سجلت ملامح بطولية ومواقف انسانية نبيلة ليعرف العالم ان ما يسمعونه من وجود قوة عسكرية جديدة حققت ما عجزت عنه أقوى جيوش العالم بمعداتها الحديثة واسلحتها المتطورة، وألحقت الهزائم المنكرة بعناصر "داعش"، وها هم اليوم يستعدون لطرد فلول هذا التنظيم التكفيري من آخر المدن العراقية، مع وجود أخبار تسرب مستمر لهذه العناصر الى الاراضي السورية تحسباً لساعة الحسم في معركة الموصل.