اليابان والحنين الى الفاشية

علي الأسدي

2016-08-23 11:21

في الثاني من سبتمبرأيلول عام 1945 جرى التوقيع على وثائق استسلام اليابان للحلفاء بحضور الجنرال الأمريكي دوغلاس ماك أرثر على ظهر السفينة الحربية ميزوري الراسية في خليج طوكيو. وبموجب شروط تلك الوثائق تصبح اليابان بامبراطورها هيروهيتو والحكومة اليابانية خاضعين للسلطة المباشرة للجنرال ماك آرثر اعتبارا من ذلك التاريخ ولحين استعادة اليابان شخصيتها السياسية في المجتمع الدولي كدولة ذات سيادة لا تهدد باستخدام الحرب ضد أي من دول العالم.

الانجاز المهم الذي حققه الأمريكيون في اليابان عدا دحرهم الفاشية اليابانية واجبارها على الاستسلام بدون قيد أو شرط، اصدارهم دستورا جديدا بدل دستور الإمبراطورية اليابانية القائم حينها والصادر عام 1889. فبناء على طلب الجنرال ماك آرثر أعدت الحكومة اليابانية مشروع دستور جديد للبلاد عام 1946 لكن السلطات الأمريكية رفضته لإبقائه على جوهر الدستور الامبراطوري الامبريالي ولعدم أخذه بنظر الاعتبار الواقع السياسي الجديد الذي فرضته موازين القوى في العالم بنتيجة الحرب. اضطر الجنرال بنتيجة ذلك الى الطلب من موظفي سفارته في طوكيو بإعداد مسودة دستور جديد.

وبالفعل أعد الدستور الجديد الذي احتوى على ضمانات لحماية الحقوق المدنية والمبادئ الديمقراطية والحفاظ على السلام الذي أبقى على الامبراطور لكنه جرده هو والحكومة اليابانية من صلاحياتها الواسعة التي كانت سائدة حتى ذلك الوقت. اعتبر الدستور بعد اقراره في 35 1947 من قبل البرلمان المنتخب الجديد والحكومة المشكلة حديثا دستور البلاد الملزم حتى الوقت الحالي. نصت المادة التاسعة من الدستور الجديد على امتناع اليابان امتناعا مطلقا عن شن الحرب أرضا أو جوا او في البحار وحرم تحريما تاما تهديد اليابان بشن الحرب مرة أخرى. وفي 2841952 حازت اليابان على استقلالها السياسي كدولة ذات سيادة، لكنها استمرت تحت الاحتلال العسكري الأمريكي المدعوم بعشرات الآلاف من العسكريين موزعون داخل مئات القواعد العسكرية على البر الياباني وفي سفنها البحرية المنتشرة في مياهها الاقليمية والمياه الدولية المحيطة باليابان.

فوز السيد Shinzo Abe الرئيس الحالي لحزب يمين الوسط الديمقراطي الليبرالي LDP في انتخابات عام 2006 قد عزز من طموحه بإصدار دستور ياباني جديد بدل دستور السلام الذي أقر قبل 71 عاما أثناء الاحتلال الأمريكي لليابان. لا ينبغي الاستغراب من طموح شينزو أبي لتغيير دستور اليابان الحالي فهو حفيد رئيس وزراء اليابان الأسبق Nabsuke kisi ابان الحرب العالمية الثانية المتهم بارتكاب جرائم حرب. ويكفي التعرف على الاحزاب المنضوية داخل ائتلافه فهي بدون استثناء يمينية محافظة تتطلع لاستعادة المجد الامبريالي للإمبراطورية اليابانية. فحكومته الائتلافية مكونة من حزبه وحزبين صغيرين آخرين هما حزب ميلاد اليابان Sousei Nippon وحزب مؤتمر اليابان Nippon Kaigi وعددا من النواب المستقلين.

كان واحدا من أهم أهداف الائتلاف الغاء المادة التاسعة من الدستور الياباني ليتسنى لليابان العودة التدريجية الى المسرح الدولي واستعادة مكانتها كدولة عظمى الى جانب الدول الكبرى لكن ذلك ليس بالأمر السهل فالرأي العام الياباني لم يشفى كليا من آثار المغامرات التي قادت اليها الطغم الحاكمة قبل وخلال الحرب العالمية الثانية ولهذا فليس من السهل اعادة الاعتبار للعهد المباد. وبرغم ذلك بقي اليمين الياباني مشدودا الى العهد الامبراطوري الاستعماري وما رافقه من هيمنة على مناطق واسعة من أسيا وقمع شعوبها وسرقة ثرواتها بما فيهم الصين وكوريا والفيتنام والفلبين وتايلاند وماليزويا واندونيسيا ومناطق ما سايبيريا في روسيا وجزرا أمريكية في الباسفيك مثل غوام وواكا وكسكا وغيرها.

فليس من الصعب اذن معرفة الهدف وراء سعي رئيس الوزراء وائتلافه اليميني لإجراء ذلك التعديل والمادة التاسعة بالذات. فقد عبر شريك رئيس الوزراء بالائتلاف الحكومي كوميتو عن مخاوفه من أن أي تغيير دستوري يوسع من دور الجيش قد يؤدي الى انقسام الرأي العام الياباني وتصاعد معارضته لاجراءات التعديل الدستوري المطلوب. وقد بينت استطلاعات الرأي التي اجريت أخيرا ان 44% من اليابانيين يعارضون اجراءات التعديل الدستوري. وبعد فوزه في الانتخابات التي جرت في عام 2016 وكمرحلة أولى تمكن رئيس الوزراء من التقليل من فاعلية المادة التاسعة من الدستور متجاهلا الاعتراضات التي أبداها مجلس الشيوخ مبررا ذلك بأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة قد دللت على تأييد الشعب لسياسة الحكومة.

وبرغم الاحتجاجات الشعبية الواسعة قام رئيس الحكومة شينزو أبي باتخاذ الاجراءات الحكومية المناسبة التي تسمح له بإرسال قوات الجيش للتدخل في الشرق الأوسط دون الرجوع الى البرلمان. وهو تطور جديد عن المهمات التي كانت تقوم بها قوات الجيش الى جانب التحالف الغربي، فقد سبق لليابان ان شاركت في حملة احتلال العراق عام 2003 لكنها لم تشارك في مهمات قتالية، بل اقتصرت على مهمات خدمية سلمية وبعدد محدود من الفنيين عملوا في مجالات تطوير مشاريع مياه الشرب وبناء الطرق في جنوب العراق.

لقد أجازت التعديلات أيضا للحكومة لتطوير صناعة السلاح لأغراض التصدير الى الدول الاخرى تحت مبرر ان صناعة السلاح وتصديره يساهمان في تعزيز النمو الاقتصادي في البلاد. وكخطوة أولى اتفقت الحكومة اليابانية مع الحكومة الاسرائيلية على التطوير المشترك لتقنية انتاج طائرات بدون طيار. وقد صدرت تصريحات من وزراء في الحكومة اليابانية تشيد باسرائيل بكونها نموذجا متقدما للديمقراطية وبرئيس وزرائها بنجامين نتنياهو. وقد انعكس تأثير هذه التوجهات في المجال الدولي على السياسة الداخلية حيث تزايدت أعمال القمع والتعذيب ضد المتهمين من قبل البوليس. وكان مسؤول حكومي كبير قد قال عن الاحتجاجات السلمية التي جرت في البلاد ضد سياسة الحكومة بأنها شكل من أشكال الارهاب. وتتجه حكومة شينزو أبي لاستحصال موافقة البرلمان على منح الحكومة الصلاحيات الكاملة لإعلان الحرب والمشاركة في النشاطات العسكرية للتحالف الغربي. وكخطوة أولى منح الحكومة الحق لإعلان حالة الطوارئ التي تعني تقييدات جديدة على الحريات العامة وفي مقدمتها حق التعبير عن معارضة اجراءات السلطة.

وما يؤكد التوجهات اللاديمقراطية تجاه وسائل الاعلام تراجعت اليابان من المرتبة (7) الى المرتبة (72) في التقرير السنوي الصادر عن World Press Freedom Index حول الحريات الصحفية لعام 2016 الذي يصدر سنويا عن Reporters Without Borders (مراسلون بدود حدود). وفي شهر ابريل نيسان من هذا العام بين تقرير خاص من الأمم المتحدة ان حرية التعبير قد تعرضت للضغوط الحكومية بشكل يثير القلق. جهود رئيس الوزراء شينزو أبي لاسكات الصحافة الحرة قد حددت كثيرا من الدور الذي تلعبه صحافة اليسار بينما عبرت الصحافة اليمينية عن تأييدها وثنائها على سياسة رئيس الوزراء.

وانسجاما مع هذه التوجهات اللاديمقراطية قام رئيس الوزراء بتعيين أكثر أعضاء حكومته الجديدة 15 وزيرا من مجموع 18 وزيرا من التجمع اليميني المتطرف Nippon Kaigi بينهم وزيرة الدفاع ذات الميول الفاشية Tommi Inadaالتي تنادي بالعودة الى احياء مجد الامبراطورية اليابانية. بتعيين Tommi Inada اليمينية المتطرفة وزيرة للدفاع لم يترك أي مجال للشك بأن شينزو أبي يسير بالبلاد الى الفاشية من جديد. فوزيرته للدفاع تطالب منذ عام 2011 بان تقوم اليابان بتطوير سلاحها النووي.

تطلعات رئيس الوزراء وائتلافه الحاكم لتغيير الدستور والتحرر من قيود المادة التاسعة التي فرضت بعد الحرب العالمية الثانية تزداد زخما مع توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين الشعبية وبين الولايات المتحدة وروسيا. فتوازن القوى العسكرية الذي تحتل اليابان فيه المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين وفي المرتبة الثانية في التحالف الغربي بعد الولايات المتحدة من حيث الجاهزية العسكرية والتقدم التقني. فالولايات المتحدة تنظر لليابان في وقت السلم كقوة ردع وعند الضرورة كقوة عسكرية أمامية ليس فقط في بحر الصين وجنوب أسيا بل وفي أوربا في مواجهة روسيا. ومن السابق لأوانه التكهن بحجم القدرات النووية التي سمحت الولايات المتحدة لليابان بتطويرها وخزنها على أراضيها، فليس سرا ان للولايات المتحدة خزينا من القنابل النووية التكتيكية في قواعدها العسكرية في العديد من دول التحالف الأطلسي وقد تكون اليابان واحدة منها.

وبرغم تأكيد الحكومة اليابانية على لسان نائب وزير دفاعها Hiroshige Seko بأن اليابان ملتزمة بالمبادئ الثلاثة، 1- عدم انتاج السلاح النووي 2- عدم امتلاكه 3- عدم السماح بالاحتفاظ به على اراضيها لكن، " ليس هناك دخان بدون نار ". فقد نشرت الصحيفة اليابانية The Japan Time في عددها بتاريخ 2462016 تصريحا لنائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء لقائه بالرئيس الصيني Xi Jinping قال فيه: "ان لليابان القدرة والجاهزية لإنتاج السلاح النووي في يوم وليلة". وقد طالب بايدن في ذلك اللقاء الرئيس الصيني الضغط على كوريا الشمالية لوقف نشاطها النووي والصاروخي وهو نشاط مخالف لقرارات مجلس الأمن الدولي والمنظمة الدولية لعدم انتشار السلاح النووي. وتساءل نائب الرئيس بالقول: " ماذا سيحدث، لو تمكنت اليابان من حيازة السلاح النووي غدا... "؟؟

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة