التضليل وسبل حرف المسار
عادل الصويري
2016-07-19 07:01
عندما يراد الحديث بشيء من التحليل الواقعي والمستند على حقائق واضحة عن عوامل وأسباب وقوع الكثير من الشباب فريسة لأفكار تجعل منهم أهدافاً جاهزة لنشر الرعب ، لابد حينها من مخر عباب الممكنات التضليلية كأساس تستند عليه الجماعات الإرهابية المتطرفة في تجنيد الشبان والشابات عبر ممارسات تراتبية ومنهجية لما يعرف بغسيل الدماغ .
وتعرف فكرة غسيل الدماغ أنها عملية الهيمنة بشكل مطلق على أفكار شخص معين من قبل شخص آخر مؤثر أو مجموعة من الأشخاص لهم توجه معين وهدف محدد.
وبحسب التقادم الزمني تطورت نظريات غسيل الدماغ، بحيث صارت لحركات الجسد المختلفة أدوار في هذه العملية كالإبتسامة الساحرة ومصافحة اليد بحرارة ، كذلك إشعار الشخص المراد التأثير عليه بأنه شخص مهم ، ويقول مختصون أن عملية غسل الدماغ تتم من خلال نقطتين أساسيتين هما : الإستعداد النفسي و الإستعداد المعرفي .
فالإستعداد النفسي يشمل الأشخاص المحرومين من الرعاية الأسرية و الإهتمام العاطفي ، وهؤلاء فقدوا الشعور بالأمن ودواخلهم مضطربة ؛ لذلك تسهل عملية تضليلهم بتوفر عنصر الإستعداد النفسي وبدرجة عالية .
أما النقطة المتعلقة بالإستعداد المعرفي فتكون مع شخصيات أحادية الرؤيا والإهتمام والتفكير ، فهي شخصيات متعصبة خصوصاً في الموضوعات التي تلامس الدين وقضاياه ، حتى وإن كانت تتحصل على شهادات عليا في مجالات واختصاصات مهمة ومرموقة ؛ لأن أحاديتها ساهمت في منع النقاش مع الآخر المختلف والتعاطي معه ودراسة أفكاره واستنتاج مايمكن استنتاجه منها .
الميديا والفضاء الإلكتروني
تعول الجماعات الإرهابية على استغلال فضاء الإتصال الإلكتروني ؛ من أجل استقطاب العديد من الأعضاء وإقناعهم بضرورة الإنتماء إليها وتبني أفكارها . هذا الإستقطاب يسمى بـ (الإعلام الجهادي) ، فهو يضفي طابع العالمية ؛ بسبب أهمية التواصل الإلكتروني وتأثيره الذي غطى على الكثير من الوسائل التقليدية .
وقد لاقت هذه الخطوة رواجاً عند الكثيرين الذين استجابوا لتنظيم داعش ، خصوصاً في أوروبا ؛ فانتشرت ظاهرة انتماء الشبان والشابات وأخذت في التزايد .
وتشير بعض التقارير الصحفية الهتمة بقضية تجنيد الأفراد إلكترونياً أن هناك لجان خاصة تعنى بتسويق كل مايتعلق بالتنظيم الإرهابي وأفكاره فضلاً عن مقاطع فيديو تنشرها مصورة التنظيم على أنه النموذج الأمثل للتكامل الإنساني . وتشير التقارير الى الأسباب التي تقف وراء تأثر الشبان والشابات في أوروبا وفي مقدمتها الطابع الأسري المفكك بعد ان يقنعهم التنظيم بأن جميع الأفراد يعيشون كأسرة متماسكة قوية متحابة تضمن لأفرادها الطمأنينة النفسية ، كما يتم استغلال رغبة الشباب بالشهرة والأضواء فينمون فيهم هاجساً يجعلهم يفكرون بأن ما يقومون به من أعمال سيخلده التأريخ بأنصع الصفحات ، وبذلك يجد الشباب أنفسهم وقد صاروا أسارى للأفكار المتطرفة بلحظة زمنية قصيرة .
التنويم الإيحائي
في كتاب مناشئ الظلال ومباعث الإنحراف يبين السيد مرتضى الشيرازي أن الإيحاء والخداع من وسائل السيطرة على الجماهير ، معتقداً أن للتنويم الإيحائي دوراً أعم من التنويم المغناطيسي .
ويشير إلى بعض الإحصائيات الخاصة بمنظمة الصحة العالمية تفيد بأن اكثر من 90% من سكان العالم يحتمل وقوعهم ضحايا لهذا النوع من التنويم فيقول : " وهو رقم مهول حقاً ، ويدخل تحته الآلاف من علماء الذرة ، أو الفيزياء ، أو الطب ، أو الدين ، أو غيرهم ، فضلاً عن عامة الناس ، بل قد يدخل تحت هذا الرقم ، عباقرة العلماء في شتى التخصصات ، والسر في ذلك أن الكثير من علماء الفيزياء ، أو الفلك ، أو الطب ، أو غير ذلك ، وإن برع وتخصص في مجاله المعين ، إلا أنه في شؤون العقيدة يبقى كعامة الناس فاقداً للتخصص فيها ، لايميزنها عن الخطابة ونظائرها مما يسهل التأثير عليهم وخداعهم فيها . وهكذا نجد أن الفرق الضالة تستفيد - أكثر الإستفادة - من هذه النافذة ، بل هذه البوابة الكبرى المشرعة لابتلاع الملايين من الناس " .
من خلال هذا التحليل يمكن الإستدلال على شرط الإستعداد المعرفي الذي تحدثنا عنه في بداية مقالنا ، وإلاّ كيف نفسر انضمام الكثير من أصحاب التخصصات العلمية والمعرفية للجماعات الإرهابية ؟ ألا يعكس هذا خللاً في فهمهم القاصر تجاه العقائد وإن برعوا في مجالات تخصصهم ؟ .
التضليل الإصطلاحي
من المؤكد أن التضليل من أخطر الوسائل التي تلجأ لها الدول ذات النزعة الإستعمارية والإستبدادية لتحقيق مصالحها ، وكذلك الجماعات المتطرفة التي تشتغل على حرف الأفراد عن معتقداتهم ومتبنياتهم لتسهيل طرق انضمامهم الى مشاريعها التي ترتدي ثوباً دينياً يُخبئ تحته آلاف الشياطين والأبالسة .
فقد أوهمت أميركا العالم بمفاهيم تبدو براقة كحوار الأديان والديمقراطية وحرية المرأة والإصلاح وغيرها من المفاهيم النفعية والمادية والتي تنفصل عن محتواها الحقيقي بمجرد انتقالها جغرافياً الى البلدان الضعيفة ؛ لتظل خاضعة لمشروعاتها ومخططاتها .
فمصطلح التعددية مثلاً يختلف في بلدان الغرب في جوهره وحقيقته عن وجوده في البلدان الأخرى ، حيث يستخدم في البلدان الضعيفة لإثارة النعرات الطائفية والعرقية بهدف إبقائها في دوامة اللاإستقرار والحاجة لتدخلها في أي وقت كما في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان .
ومن أهم وسائل التضليل الإصطلاحي إبقاء المسميات والمفاهيم دون تعريف واضح كمفهوم الإرهاب الذي تسعى الدول الإستبدادية إلى إحاطته بضباب مفاهيمي كثيف مهما استطاعت لذلك سبيلاٍ .
فقد رفعت أميركا شعار الحرب على الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، لكنها في ذات الوقت عمدت عير طرائق ووسائل عديدة إلى دعم الجماعات المتطرفة لزعزعة بعض بلدان الشرق الأوسط من خلال عبارة (الفوضى الخلاقة) ولفرض أجندات تتوافق ومصالحها ومشاريعها في المنطقة كأجندة التقسيم على أساس العرق والقومية والمذهب ، ومن أجل هذا المشروع سهلت عبر عملائها مسألة دخول تنظيم داعش الإرهابي إلى الموصل ومن ثم التمدد في المناطق (السُنية) في تكريت وبيجي والأنبار والفلوجة .
وبعد فشل المسعى التقسيمي لعبت أميركا دوراً تضليلياً جديداً عندما شكلت التحالف الدولي لمحاربة التنظيم الإرهابي ، وفي الحقيقة سهلت من خلال هذا التحالف عملية هروب الكثير من القيادات الإرهابية ؛ لإمكانية استخدامهم في مراحل قادمة .
وحتى التنظيمات المتطرفة ، لعبت على التضليل الإصطلاحي عندما برّزت مصطلح (دولة الخلافة) وشعار (خلافة على منهاج النبوة) من أجل استقطاب سذج العقول ، ساعدتها في ذلك ماكينة إعلامية هائلة استنفرت المال والإلكترون للتبشير بخلافتها المزعومة التي ستقضي على أسطورة (الغرب الكافر) .