انفجار الكرادة وتداعياته على الوضع السياسي في العراق
حمد جاسم محمد
2016-07-16 07:16
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 إلى الآن والبلد يرزح تحت وطأة الإرهاب والانفجارات التي راح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين بين شهيد وجريح وملاين المهجرين، فقد سبب الاحتلال الأمريكي دمارا للبلاد، وانقسام مجتمعي حاد وفوضى سياسية وانهيار اقتصادي، وضرب الإرهاب أطنابه في كل أجزاء العراق، من إرهاب المفخخات والقتل على الهوية، إلى هجوم داعش على شمال وغرب العراق واحتلاله أجزاء منه عام 2014، وأخرها وليس آخرها، هو انفجار في منطقة الكرادة في بغداد بسيارة مفخخة ليلة السبت 2 تموز، أدى إلى استشهاد المئات من العراقيين حرقا، وجرح وفقدان آخرين، وجاء الانفجار أواخر شهر رمضان قبل العيد بأيام، وهي جريمة أخرى من جرائم الإرهاب، والتي لها تأثيرات سياسية واجتماعية على البلاد.
وعلى الرغم من هذا الانفجار لم يكن الأول ولن يكون الأخير، إلا انه يختلف عن سابقاته، وقد تكون له تداعيات على الوضع السياسي والأمني في البلاد، ولن يقتصر على كونه انفجار إرهابي، أو حصره بالضحايا فقط، وتأتي أهميته وتداعياته لعدة أسباب منها:
1- إن هذا الانفجار يختلف عن سابقاته من حيث الحجم والطريقة والتوقيت، فقد كان الانفجار هائلا جدا واستخدم فيه مواد حارقة لم تعرف طبيعتها لحد الآن، أدت إلى تدمير بنايات بالكامل وحرق عدد كبير من السيارات، ومقتل المئات حرقا، كما إن توقيته الذي جاء الساعة الواحدة ليلا وهو تكتيك جديد بدأت تستخدمه الجماعات الإرهابية، كما حدث يوم الجمعة في تفجير مرقد السيد محمد ع في منتصف الليل.
2- وجود خرق امني كبير وواضح، إذ ان دخول السيارة المفخخة لهذه المنطقة المحصنة جدا، فهذه المنطقة قريبة من المنطقة الخضراء من جهة، ووجود عدد كبير من بيوت المسؤولين وقادة الكتل فيها، كذلك يمنع مرور السيارات فيها ليلا، لهذا فان فتح الطريق لمدة ومحدود حسب المعلومات المتناقلة وحدوث الانفجار يدل على وجود تعاون مع الإرهاب في هذه العملية، خاصة وان عمليات بغداد قد أعلنت عن وجود خرق امني في المنطقة.
3- على الرغم من إن تنظيم داعش الإرهابي قد نفذ العديد من العمليات في العراق، وهو المسؤول الأول عن اغلب عمليات التفجير الإرهابية، فان هذا لا يعني التسليم بهذا الأمر مطلقا، فقد تبنت داعش عدة عمليات إرهابية في عدة دول وأخرها في بنغلادش، التي أكدت حكوماتها إن العملية لم تكن من تنفيذ داعش بل قامت بها جماعات أخرى لا علاقة لها بداعش، لكن داعش تحاول الحصول على دعم معنوي من خلال تبنيها لكل العمليات الإرهابية في العراق والعالم، حيث إن هذا التنظيم في موقف الهزيمة الآن، خاصة بعد القضاء على قوته الأساسية في الفلوجة، وتدمير ما تبقى منها في الصحراء، ولا يمكن ان يدخل مثل هذه المناطق إن لم يكن هناك من يسهل له الأمر، ومنه فتح الطريق بصورة استثنائية ولمدة محدودة.
كما إن هناك خلافات ظهرت أخيرا بين وزارة الداخلية من جهة وبين قيادة عمليات بغداد ومحافظة بغداد حول العديد من القضايا منها وهو دليل على وجود صراع بين الكتل السياسية الداعمة لهذه القيادات، فقد كانت الوزارة تحاول إن تكون الأمور الأمنية في العاصمة من اختصاصها فقط، وقيام الوزارة بتغييرات في عدد من القيادات الأمنية دون الرجوع لقيادة العمليات، كذلك الخلافات التي ظهرت أخيرا حول مشروع صقر بغداد، الذي تبنته محافظة بغداد، وظهور فساد مالي كبير في هذا المشروع، وتبادل الاتهامات بين وزارة الداخلية ومحافظ بغداد، لهذا فان الصراع على هذه القضايا ربما يكون احد الأسباب التي سهلت دخول الإرهاب للمنطقة.
4- استقالة وزير الداخلية، وهي سابقة لم تحدث في العراق من قبل، وقبول الاستقالة من قبل رئيس الوزراء، وتولي الوكيل الأقدم لمنصب الوزير بالوكالة تضع أكثر من علامة استفهام على الأمر، كما ان العودة للتعيين بالوكالة ولعناصر غير كفؤة وغير مهنية كما حدث في حكومة السيد نوري المالكي ستجر الويلات على البلاد وقد ذاق العراق مرارته سابقا، واستبعاد المنصب من نفس كتلة وزير الداخلية السابق، قد يقود إلى صراع سياسي بين الكتل، وهو صراع قد يأتي في وقت العراق أحوج فيه إلى التعاون بين الكتل، خاصة مثل كتلة بدر التي كان لها دور في مواجهة داعش.
5- التراشق الكلامي بين المسؤولين بعد الانفجار، فبعد استقالة وزير الداخلية، وقبول الاستقالة بهذه السرعة من قبل رئيس الوزراء، وتعيين وكيل الوزارة في منصب الوزير بالوكالة، بدأت حرب كلامية بين وزارة الداخلية وعمليات بغداد ورئيس الوزراء، وهذا يعد مؤشرا أخر على حجم الخلافات بين الكتل السياسية، فمنذ انطلاق عملية الإصلاح في العراق قبل سنة قدم عدد من الوزراء استقالتهم لرئيس الوزراء، إلا انه رفض قبولها، أما استقالة وزير الداخلية فقد تمت وبسرعة، هذه جعلت من وزير الداخلية كبش فداء لهذه العملية، كما إن إقالة قائد عمليات بغداد هو دليل على تخبط الحكومة في عملها ورمي الكرة في ملعب الغير.
6- كذلك فقد تعرض الوزير إلى هجوم من قبل بعض الشخصيات العراقية والذين اتهموه بأنه يعمل لأجندات خارجية، والمقصود بها هنا إيران، على اعتبار انه احد أعضاء كتلة بدر القريبة من إيران، وهو متهم أيضا بتعيين عدد من الضباط الذين كانوا لهم دور في أحداث عام 2008، الأمنية في العراق ومنها صولة الفرسان بمراكز مهمة في قيادة الداخلية، تصريح لأحد أعضاء كتلة بدر النيابية عن وجود مواد متفجرة في البناية أدت إلى حدوث هذا الانفجار الهائل وهذه الخسائر البشرية الكبيرة، ونقلت بعض وسائل الإعلام من إن بعض الجهات العراقية المحسوبة على الائتلاف الوطني طالبت الأمم المتحدة بإرسال بعثة دولية للتحقيق في عمليات الإرهاب في العراق ومنها انفجار الكرادة، وهي سابقة لم تكن تحدث في العراق قبل هذا الانفجار، وتضع تساؤلات عدة حول دوافع وأسباب الانفجار، كذلك اتهام السيد وزير الداخلية كلا من رئيس الوزراء وقائد عمليات بغداد وتحميلهم الخرق الأمني في الكرادة،، كما انه أعلن إن استقالته لم تكن بسبب انفجار الكرادة كما أعلن رئيس الوزراء وإنما بسبب الخلل في الأجهزة الأمنية وتداخل الصلاحيات، هذا يمثل جانب أخر من الصراع السياسي الذي كان له رد فعل امني في بغداد، ومحاولة إظهار ضعف الوزارة في مواجهة الإرهاب.
7- الاستنكار العالمي والإقليمي الواسع للعملية الإرهابية في العراق، وتضامن الأمم المتحدة مع العراق، فعلى الرغم من الإدانة الدولية للعملية إلا إن الحكومة العراقية لم تحرك ساكنا ولم تتخذ إي إجراءات ضد الأشخاص أو الأحزاب المحرضة على الإرهاب، فمن المعروف إن هناك جهات سياسية في العراق ومنذ عام 2003 ولحد الآن وهي تحرض على العنف والإرهاب، وبصورة علنية، سواء من داخل العراق أو خارجه، واغلبهم في إقليم كردستان أو في الأردن، إلا إن الحكومة لم تتحرك بتقديم شكوى قضائية على الأقل ضدهم، في محاكم هذه الدول أو الإقليم، كما إن ومنذ البداية فان هناك عدد من الأطراف في العراق ومنها من الائتلاف الوطني، كانت معارضة لتولي وزارة الداخلية من قبل شخص من كتلة بدر النيابية، والتي كان لها دور فاعل في مقاتلة الإرهاب وتنفيذ فتوى الجهاد الكفائي، لهذا فان أطراف سياسية كردية وسنية كانت ومنذ البداية معارضة لتولي هذا المنصب من قبل كتلة بدر.
8- غليان الشارع العراقي بعد الانفجار وخروج مسيرات تقودها بعض الكتل السياسية: إذ إن وجود حركة إصلاحية مستمرة منذ أكثر من عام في البلاد تقودها التيارات المدنية والدينية، والتي كانت من ضمن مطالبها تحسين الوضع الأمني، والتي لا زالت لها تأثير على الشارع في العراق وسيكون لهذا الحدث اثر في تقوية حركة الإصلاح، وما زيارة ممثل المرجع الأعلى في العراق السيد (أية الله العظمى علي السيستاني) السيد ( احمد الصافي) إلى مكان الانفجار وإلقاءه خطبة منددا بالعمل الإجرامي، وموضحا القصور الحكومي في هذا الاتجاه داعيا الحكومة إلى إن تأخذ درها في حفظ الأمن، واستقباله بشكل لافت للنظر، على عكس استقبال الناس لرئيس الوزراء ورميه بالحجارة وطرده من ساحة التفجير، يوضح إن هذا التفجير سوف يجدد حركة الإصلاح بقوة اكبر، وهناك دعم لها من اعلي المستويات الدينية والسياسية، قد يكون هذا السبب الذي سرع استقالة وزير الداخلية، حتى يبين للشارع العراقي انه مهتم بأمن الشعب العراقي، وان وانه غير متمسك بالمنصب، وان هناك قصور حكومي في قضية الأمن من خلال تداخل الصلاحيات بين الوزارة وجهات أخرى.
ان هذا الانفجار من الحجم والدمار يفوق ما شهده العراق من انفجارات سابقة، كذلك تداعياته السياسية ستكون كبيرة على الحكومة العراقية، والتي لا يمكن ان يمر بدون حساب، كما ان الحكومة العراقية قد تقوم بهجوم سريع على الموصل من اجل اخماد غضب الجماهير كما حدث في هجوم الفلوجة الذي أخمد الحركة الاصلاحية الى حد ما، الا ان الظاهر من الاحداث ان حركة الغضب تزداد يوما بعد يوم، وهي لن تقتصر على كتل معينة بل تشمل كل الشعب.