اليوم الدولي لمكافحة الفساد: الجريمة الأخلاقية التي تشل مفاصل الدولة
شمخي جبر
2025-12-15 03:38
يُعَدُّ الفساد جريمة أخلاقية، واقتصادية، وسياسية، واجتماعية، تُصيب مرافق الدولة فتَشُلُّ مفاصلها، وتُعطِّل التنمية فيها، وتُؤثر في الحياة السياسية، بل قد تُرافقها انهيارات في البنية السياسية للدولة وتَهُزُّ مكانتها وسُمعتها في المجتمع الدولي.
نتيجةً لما تُشكِّلُه ظاهرة الفساد من تبديد للثروات في أية دولة يُصيبها هذا المرض الفتاك، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2003، واعتمدت الجمعية أيضاً القرار 4/58، باعتبار يوم 9 كانون الأول/ديسمبر يوماً دولياً لمكافحة الفساد، لزيادة الوعي بالفساد ودور الاتفاقية في مكافحته ومَنْعِه، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في كانون الأول/ديسمبر 2005.
وفي دراسة عن موضوع الفساد، أشارت إلى أن قيمة الرُّشى تصل إلى تريليون دولار، بينما تصل قيمة المبالغ المسروقة بطريق الفساد إلى ما يزيد على تريليونين ونصف التريليون دولار، وهذا المبلغ يساوي 5% من الناتج المحلي العالمي. وفي البلدان النامية بحسب ما يُشير إليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تُقَدَّرُ قيمة الفاقد بسبب الفساد بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية المقدمة.
وقد يُصبح الفساد الإداري المالي فساداً سياسياً حين يتم التَّخادُم بين الفاسدين والسياسيين، أو حين تجري عمليات الفساد في ظل آلية لتقاسم الثروات بين الحاكمين وفق آليات التحاصص، فيتم التَّغاضي والسكوت عن الفاسدين، أو كما يقول الباحث (نادر فرجاني) يؤدي إلى قيام تزاوج خبيث بين السلطة السياسية والثروة، بحيث تُصبح غاية نَسَقِ الحكم ضمان مصالح القِلَّة المُهيمِنة على مقاليد السلطة السياسية والثروة وليس الصالح العام، الأمر الذي ينعكس في تهميش الغالبية أو إقصائها.
وقد أشارت إلى هذا الأمر (ديليا فيريرا روبيو) رئيسة منظمة الشفافية الدولية التي قالت: "تُشير أبحاثنا إلى وجود علاقة واضحة ما بين وجود ديمقراطية سليمة والنجاح في مكافحة الفساد في القطاع العام"، وأضافت أنه يمكن للفساد أن يستشري بشكل واسع، حين تستند الديمقراطيات إلى أُسس هَشَّة، وحين يستغل ذلك السياسيون الشعبويون والمناهضون للديمقراطية لمصلحتهم، وهو ما رأيناه في عدة بلدان.
وربما ينطبق بعض ما قُلناه على الواقع السياسي في العراق، رغم وجود مؤسسات متخصصة لمُحاربة الفساد ومُلاحقة مُرتكبي هذه الجريمة.
لكن تراكم قضايا الفساد وضَعف المنظومة القانونية والتشريعية يُوَفِّران للفاسدين فرصة للإفلات من العقاب.
وهنا يَبرز دور الجهات الرقابية كمجلس النواب، وديوان الرقابة المالية، وهيئة النزاهة في مكافحة الفساد، وتقديم الفاسدين للقضاء، واسترداد الأموال التي سَرَقوها. وهذا يستدعي قوتها واستقلاليتها عن المؤثرات والضغوط السياسية، واستنادها إلى منظومة قانونية وتشريعية حازمة غير متهاونة مع الفاسدين وحُماتهم وداعميهم وشُركائهم. ولا يمكن أن يتم هذا من دون توفُّر مبدأين مُهمَّين هما المساءلة والشفافية.
كما أن للإعلام ومُنظمات المجتمع المدني دوراً كبيراً في تعزيز دور مؤسسات الدولة المعنية وإسنادها وممارسة دور توعوي تثقيفي لمواجهة هذا الوباء الفتاك.
في العراق وفي ظل غِياب الإرادة السياسية في مُحاربة الفاسدين وغياب القانون وغياب مؤسسات الدولة، يتراجع الحافز الذاتي لمُحاربة الفساد، وتحت وَطْأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي، وسَطْوة الأحزاب والميليشيات والتكتلات الطائفية والعشائرية والمناطقية؛ مما يجعل من ظاهرة الفساد ظاهرة يَتَعايش معها ثم يَتَبَنَّاها كسلوك وظيفي؛ فيتحول هذا السلوك تلقائياً إلى جزء من منظومة القيم المجتمعية الجديدة؛ ويُصبح بالتالي سلوكاً مقبولاً ومشروعاً لدى الوَسَطِ الوظيفي بأسره؛ واستمراره لفترة طويلة دون علاج له آثار بنيوية في المجتمع العراقي بمعنى أن آلياته وممارساته تَتَمَأْسَسُ وتَتَرَسَّخُ في عُمْقِ المُمارسة اليومية الاجتماعية؛ فتحوز آلياته على الاعتراف الاجتماعي وتَتَغَلْغَلُ في الحِسِّ الجَمْعي للناس؛ وبنيوية أية ظاهرة هو مَكمَنُ خُطورتها لأن زوالها يُصبح صعباً بل مُستحيلاً، وإذا زالت فإنها تظهر بكيفيات مُختلفة.