المنطقة والتحولات الجيوسياسية المستقبلية
محمد الكعبي
2025-11-25 04:38
أعادت الأحداث الفلسطينية الأخيرة ترسيم خارطة العالم وصراع القوى، وتنافس صفري بين المتحاربين، بل حتى بين الجماهير المتفاعلة والمتحركة وبين قياداتها السياسية في أغلب دول العالم، حتى وصلت إلى الجامعات في أغلب دول أوروبا، مما أفرز اتجاهين مختلفين في قراءة الأحداث والتي يترتب عليها نتائج تختلف جذرياً، مما أعاد تموضع جميع الأطراف وفق المعادلات الجديدة حسب النفوذ والقدرة.
فبرزت قوى كان لها الدور في الكثير من المواقف ولها محددات تسير وفقها، رغم أن هناك دولاً اندثرت كقوى فذابت في خضم الأحداث فتراجعت إقليمياً. وإن كان نسبياً، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي زعزع أمن المنطقة وانكفأت بعض الدول بسبب التحولات الداخلية والخارجية، مما كان هناك تبدل في الكثير من المواقف حسب القوة والنفوذ والعلاقات الإقليمية والدولية وحجم الدولة هذه أو تلك.
فكان لا بد من ملء الفراغات بحضور فاعل ومتسع من أجل الاستقرار، مما يحقق التوازن مع الآخر مع الحفاظ على المصالح العليا لكل طرف بما يمتلك من قوى ناعمة وخشنة، وتعتبر نقاطاً أساسية في محورية الفاعل السياسي ليتمكن من ضبط المواقف وعدم انجرافها إلى مساحات غير محسوبة.
فالعمل الدبلوماسي والإعلامي والعلاقات العامة والخاصة، والتي تعتبر من الأساليب الناعمة العقلانية، والتي يترتب عليها نتائج إيجابية في حل الكثير من الأزمات، من خلال توظيف جميع الأدوات لفرض حضور متوازن، مع الحفاظ على الخطابات الهادفة والهادئة، بعيدة عن الحدة والتشنج وردات الفعل المتسرعة، لأن الاستقرار في المنطقة له مردودات إيجابية على الجميع، لأنه يعتبر جزءاً من الأمن القومي لدول المنطقة، مع ترسيخ مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والعمل على تحقيق المصالح المشتركة والتخادم بين الجميع لتحقيق المكاسب الاستراتيجية.
وهذا التحول يمكن أن نحقق به الكثير من التقدم ومنها إدارة الأزمات مع تعدد مراكز القوة والنفوذ، فتركيا والسعودية وإيران من جهة، وإسرائيل ومن يقف خلفها من جهة أخرى، والتي يسعى الجميع لتثبيت حضوره كفواعل أساسية في المنطقة، مما يجعلنا أمام توازنات كبيرة وتحولات استراتيجية، وخصوصاً مع تراجع الدور التقليدي للدول العربية.
فاليوم، القوة الاقتصادية والسياسية والعلمية والقدرة على السيطرة وإدارة الأزمات تعتبر عوامل قوة، فضلاً عن القوة العسكرية، فكلها تشكل ملامح المنطقة الحديثة، وخصوصاً من يمتلك القدرة على أن يكون همزة وصل ومركزاً للاحتواء ويكون جزءاً من الحل وليس طرفاً في المشكلة.
فنجاحنا في إدارة الأزمات واحتوائها يمنحنا الشرعية، وتكون لنا حافزاً في مواجهة التحديات العالمية ومواكبة الأحداث الكبرى. فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يحتم على الجميع توظيفه بالشكل الذي يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني واستعادة دور دول المنطقة بالشكل الصحيح، خصوصاً انشغال أغلب دول العالم بمشاكل داخلية وخارجية من قبيل الحرب الروسية الأوكرانية، ومشاكل الاقتصاد والطاقة والمياه، والصراع الصيني التايواني، ومشاكل أمريكا وفنزويلا من جهة، وأمريكا والصين من جهة أخرى، والهند وباكستان وأفغانستان وباكستان وإيران وإسرائيل، وغيرها من الأزمات والانتكاسات في العالم، مما يفتح المجال لدول الإقليم أن تلعب دوراً كبيراً في تغيير المعادلات، والذي لا ننكر أنه تحدٍ كبير. والذي يتحتم علينا أن نسعى ليكون لنا نفوذ بدل أن نكون وسطاء أو ساحات لتصفية الحسابات.
فالتوازنات قائمة على مؤهلات كل طرف، فينبغي تفعيل الدور الدبلوماسي بتعدد المسارات، مع مشاركة الدول الفاعلة الإقليمية والدولية، واستثمار موقعنا الجيوسياسي وقدراتنا وإمكانياتنا، مع تنويع الشراكات مع دول المنطقة والعالم، مع تشكيل تحالفات متوازنة. وعلينا أن ندرك حجم الخطر المحدق بالجميع، وأن نكون على قدر المسؤولية ونتحمل ثقل المهمة لتحقيق المكاسب والسعادة لنا ولأجيالنا.