تركيا والطريق والتنمية والماء
د. عماد عبد اللطيف سالم
2025-11-02 04:03
قبل أسابيع شعرنا بالسعادة لأنّ السيّد رئيس مجلس الوزراء في العراق قد أفصَحَ عن معرفتهِ ببعض أصول "المقايضة" بين مصالح الدول ومواردها.. وحدثَ ذلك يوم "غَمَزَ" السيّد السوداني للسيّد أردوغان بعبارته الواخِزة: "سينبع طريق التنمية من العراق كما ينبع دجلة من تركيا".
ما بين العراق وتركيا، "طريق التنمية" DEVELOPMENT ROAD.. وما بينَ تركيا والعراق، "طريق الماء" WATER ROAD.
هل يمتلك العراقَ الآن تَرَفَ انتظار أن ينبَعَ "طريق التنمية" من العراق إلى تركيا، لكي ينبَعَ الماء من تركيا إلى العراق؟ هل العراق الآن في وضعٍ (سياسي واقتصادي) يسمحُ لهُ بـ "ترتيب" مُقايضة كهذه؟ وماذا إذا جاء رئيس مجلس وزراء آخر غير السيد السوداني بعد الانتخابات القادمة، ولم يكن مُقتنِعاً بجدوى "طريق التنمية"، وقرّرَ (لأيٍّ سببٍ كان) التخلّي عن هذا المشروع؟
إذا لم تنجَح هذه "المُقايضة" الآن (مُقايضَةُ "الطريقِ" بالماء).. بماذا سوف "يُقايِض" العراق تركيا لاحِقاً، للحصولِ على الماء؟ هل بقطرةِ نفطٍ مقابلَ قطرةَ ماء؟ هل بقطرةِ دَمٍ مقابلَ قطرةَ ماء؟
تركيا لديها "البديل" عن "طريق التنمية" العراقي، حيث أكّدَ وزير التجارة التركي عمر بولاط في 29-10-2025: أنّ "طريق الشرق الأوسط التاريخي" الذي يمر من تركيا عبر سوريا إلى الأردن ودول الخليج سيدخل الخدمة بكامل طاقته في العام المقبل 2026.
كما تسعى تركيا حاليّاً إلى اصلاح وتجديد وإعادة "خط حديد الحجاز الحَميدي"، أو "طريق الحرير الحديدي" الذي كان تشغيله قد بدأ في عام 1908، ليربط تركيا بالسعودية والأردن وسوريا، وتكتَمِلَ بذلك حركة الشاحنات والقطارات بين هذه الدول.
في 28-10-2025 التقى الشيخ خميس الخنجر (وهو رئيس تحالف السيادة الانتخابي) بوزير الخارجية التركي في أنقرة.
وجرى خلال اللقاء "بحث آفاق التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين، وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم في ترسيخ الاستقرار والتنمية في المنطقة". والماء؟ هل تمّ طرح قضية الماء في اللقاء (حتّى لو كان ذلك لأغراض انتخابيّة)؟ ولماذا يقوم السيد الخنجر بذلك؟ لماذا قامَ (ويقومُ غيرهُ) بذلك مع تركيا وغيرها من الدول؟
لماذا يبحث هؤلاء "السياسيّون" مع تركيا (وغيرها) "آفاق التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين"؟
هل كان بوسع السيّد الخنجر مُناقشَة السبب وراء ارسال تركيا لمُقاتلي حزب العمال الكردستاني، والسَماح بـ "تدفّقهم" إلى العراق (مع أسلحتهم)، بدلاً من سماحها بـ "تدفُّق" المزيدِ من الماء؟
هل هذا هو دور السيد الخنجر (وغيرهِ من "السياسيّين")، أم هو دور الحكومة العراقيّة التي تكون هذه الموضوعات عادةً (وبحُكم الصلاحيات والاختصاصات) عنصراً رئيساً من عناصر "أمنها القومي"، ولا يجب (ولا يُسمَح) أن يقومَ غيرها بهذا الدور؟
هل "موت" انهار العراق التاريخية (واندثارها) بسبب الجفاف وشحّة المياه القادمة من "دول المنبَع" أقلُّ شأناً بكثير من الانتخابات القادمة، ومِنَ "الكتلة النيابية الأكبر" التي سوف تتشكّل بعد الانتخابات، ومن ذلكَ "الكائن الخُرافيّ" ذو "العصا السحرية" الذي سيتمُّ اختياره ليكونَ رئيساً لمجلس الوزراء العراقي"الجديد"؟
السَعي إلى "اعمار" العراق" و "تنميته"، و"الطريق" الرئيس لتحقيق هذين الهدفين، هو ذلكَ السَعيّ الجاد والحثيث و "المُستدام" و "التكاملي" لـ "تنويع" الاقتصاد العراقي، وإعادة العافية لزراعتهِ واكتفاءهِ الذاتي من الغذاء، و"تدبير" الموارد المائيّة اللازمة لتحقيق ذلك.
كُلُّ شيءٍ دون ذلك هو ضَربٌ من ضروبِ اللغوِ والعَبَثِ و "الوعود" غير الواقعيّة، و"الشِعاراتِ" و"الأهازيجِ" البائسةِ الخاليةِ من المعنى.
ينبغي أن يكونَ "الأمن المائي" للعراق، هو الهدف الرئيس، والشُغل الشاغِل لأيِّ "قائدٍ" أو "زعيمٍ" وطنيٍّ بحقّ، وليسَ سَعي هذا "الزعيم" و"القائد الضرورة" (بكُلّ الوسائلِ المشروعةِ وغيرِ المشروعة، والمُمكِنة وغير المُمكِنة) لـ "الفوز" في الانتخابات القادمة، وتجديد "الولايات".
الماء.. الماء.
لا "تنمية" في العراق دونَ ماء.
ولا "طريقَ" أكثرَ أهميّةً من "الطريق" التي تقودنا إلى حيثُ نحصَل على هذا الماء.