مدارس العقد الصيني: قاعات بلا مقاعد ووعد لم يكتمل
مصطفى ملا هذال
2025-10-28 04:04
لم ينظر لمدارس العقد الصيني، سوى إنها بارقة أمل طال انتظارها في مشهد التعليم العراقي المرهق، إذ وُعد العراقيون بأنها ستكون الحل الجذري لأزمة الأبنية المدرسية المتهالكة والدوام المزدوج والثلاثي الذي أنهك الطلبة والمعلمين على حد سواء.
لكن هذا الأمل سرعان ما انكسر على صخرة أرض الواقع حين كشفت الصور الميدانية عن قاعات دراسية خالية من المقاعد، يجلس فيها الطلبة على الأرض، وكأن المدارس الجديدة وُلدت ناقصة الروح قبل أن تُفتتح رسميا.
الحكومة قالت في وقت سابق ان العقد الصيني يمثل مشروعا استراتيجيا لبناء آلاف المدارس النموذجية في مختلف المحافظات، بتمويل وتنفيذ مشترك بين العراق والصين.
كان الهدف المعلن واضحا، وهو إنهاء أزمة الأبنية الطينية والمتهالكة، وفك الازدواج في الدوام، وتوفير بيئة تعليمية حديثة، غير أن الواقع كشف عن خلل بنيوي في التنفيذ والإدارة، إذ جرى افتتاح العديد من المدارس دون تجهيزها بالأثاث المدرسي اللازم، فهي لا تحتوي على مقاعد، ولا سبورات، ولا حتى خزائن بسيطة للكتب.
وفي بعض المحافظات، اضطر المعلمون إلى فرش الحصران والبسط المتواضعة للطلبة كي يجلسوا عليها، في مشهد يعيد إلى الأذهان مدارس القرى الفقيرة في منتصف القرن الماضي، وبذلك، تحول المشروع الذي كان يُفترض أن يكون رمزا للتحديث إلى مثال جديد على التخبط الإداري وضعف المتابعة الحكومية.
تبدو المشكلة أبعد من مجرد تأخير في توريد الأثاث؛ فهي تكشف عن انقسام إداري واضح بين الجهات المنفذة والجهات المسؤولة عن التجهيز، فبينما تتولى شركات البناء الصينية إتمام الهياكل والإنشاءات، تتكفل الجهات العراقية بعملية التجهيز الداخلي، وهذا الفصل في المسؤوليات جعل كل طرف يلقي باللوم على الآخر، فيما بقي الطالب هو الضحية الحقيقية.
ولأن المدرسة ليست جدرانا فحسب، فإن غياب الأثاث يُفرغ العملية التعليمية من مضمونها، ذلك ان الطالب الذي يجلس على الأرض لا يمكن أن يتعلم بتركيز أو بكرامة، وكذلك المعلم الذي يشرح من دون أدوات لا يستطيع أن يؤدي رسالته كما يجب.
فبناء مدرسة من دون تجهيزها يشبه افتتاح مستشفى من دون أسرة أو أدوات طبية؛ شكل بلا محتوى، وصرف أموال بلا مردود فعلي.
والأخطر من ذلك أن هذه المدارس، التي صُممت أساسا لتخفيف الاكتظاظ وفك الدوام المزدوج، لم تحقق هذا الهدف في كثير من المناطق، إذ بقيت المدارس القديمة مزدوجة الدوام بسبب عدم جاهزية الأبنية الجديدة، ومع غياب الأثاث، اضطر بعض إدارات المدارس إلى تأجيل الدوام أو دمج الصفوف مؤقتًا، ما أعاد الفوضى التنظيمية إلى المشهد التعليمي.
إن التجربة المريرة لمدارس العقد الصيني تطرح سؤالا جوهريا حول أولويات الإدارة التربوية في العراق: هل الهدف هو الإنجاز الشكلي أم بناء بيئة تعليمية حقيقية؟
فالمتابع يرى أن الحكومة استعجلت افتتاح المدارس لأغراض إعلامية وسياسية قبل اكتمالها فعليا، في محاولة لإظهار تقدم في ملف التعليم، بينما الواقع يعج بالنواقص.
إن إصلاح هذا الخلل لا يتطلب فقط سرعة في التجهيز، بل مراجعة شاملة لعقود التنفيذ، وتحديد واضح للمسؤوليات، وتفعيل الرقابة البرلمانية والمجتمعية على مشاريع التعليم، فمدرسة بلا أثاث ليست سوى مبنى صامت، لا يصنع وعيا ولا يبني مستقبلا.
ويبقى السؤال الذي يختصر المأساة: ما جدوى بناء مدارس جديدة إذا كان طلابها ما زالوا يجلسون على الأرض؟