ألا تعد الأموال المتحصلة بالكسب غير المشروع سوء سلوك؟
قراءة في ضوء المال السياسي والدعاية الانتخابية
القاضي سالم روضان الموسوي
2025-10-25 04:20
كلما قرب موعد التصويت في الانتخابات النيابية يشتد آوار الصراع الانتخابي، وبصورٍ متعددة منها الدعاية التي ينفق عليها المرشح الأموال ببذخ فاحش، ومفوضية الانتخابات كانت قد ألزمت كل مرشح ان تكون أموال الدعاية الانتخابية من مصادر مشروعة وعلى وفق ما ورد في المادة (21) من نظام الحملات الانتخابية رقم 4 لسنة 2025 التي جاء فيها (يتحمل كل مرشح او حزب او تحالف سياسي مصادق عليه تمويل حملته الانتخابية على ان تكون مواردها مشروعة)، وكانت المفوضية قد حددت الحد الأعلى للإنفاق الانتخابي للمرشح بمبلغ قدره 250 ديناراً، يُضرب في عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية التي يترشح عنها». ويبدو مبلغ الـ250 ديناراً (أقل من ربع دولار) زهيداً مقارنةً بحجم الأموال التي ينفقها المرشحون فعلياً.
وبعض المرشحين في مواقع رسمية منهم نواب ووزراء ورؤساء وغيرهم وهؤلاء يفترض انهم لا يملكون موارد سوى رواتبهم والمنح التي تأتيهم من خلال وظائفهم، لان يمنع عليهم أي عمل في غير وظائفهم ويمنع عليهم العمل في أي مجال من التجارة او المقاولات وعلى وفق النصوص القانونية النافذ وعلى راسها نص المادة (127) من الدستور النافذ التي جاء فيها (لا يجوز لرئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه واعضاء المجلس واعضاء السلطة القضائية واصحاب الدرجات الخاصة ان يستغلوا نفوذهم في ان يشتروا أو يستأجروا شيئا من اموال الدولة أو ان يؤجروا أو يبيعوا لها شيئا من اموالهم أو ان يقاضوها عليها أو ان يبرموا مع الدولة عقدا بوصفهم ملتزمين أو موردين او مقاولين).
كما توجد نصوص قانونية نافذة اعتبرت الكسب غير المشروع جريمة يعاقب عليها القانون وعلى وفق احكام المادة (19) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2011 المعدل، وفي ذات القانون نصوص تلزم هيئة النزاهة بالتحقق عن الأموال التي يتحصل عليها الموظف والذين يشغلون وظائف حددها القانون، عبر تقديم كشف الذمة المالية، وعلى وفق احكام المادة (17) من قانون هيئة النزاهة.
وكان القانون الملمع عنه قد عرف الكسب غير المشروع بانه (كل زيادة تزيد على (٢٠%) سنوياً في أموال المكلف أو أموال زوجه أو أولاده لا تتناسب مع مواردهم الاعتيادية ولم يثبت المكلف سبباً مشروعاً لهذه الزيادة ويعد كسباً غير مشروع الأموال التي يثبت حصول الشخص الطبيعي عليها بالاشتراك مع المكلف بقرار قضائي بات) وعلى وفق احكام المادة (1/سابعاً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع.
ويفترض ان مفوضية الانتخابات قد طلبت من هيئة النزاهة التحقق عن هذه الأموال الطائلة التي لا تتناسب مع مواردهم المالية المفترض الحصول عليها عبر الوسيلة المشروعة وهي الرواتب والمخصصات التي يحصل عليها الموظف او الذي يشغل عنوان رسمي.
او ان هيئة النزاهة هي التي بادرت الى التحقيق في هذه الأموال، مثلما يكون على هيئة الضرائب ان تراقب وتجمع المعلومات حتى تكون لديها قاعدة بيانات عند التحاسب الضريبي، وحتى لو دفع هؤلاء أصحاب الأموال بان هناك جهات تتبرع لهم بالأموال والمادة (11) من نظام الحملات الانتخابية رقم 4 لسنة 2025 قد منعت الحصول على تلك الأموال التي تاتي عن الدعم الخارجي.
لذلك لابد لنا ان نضع اكثر من علامة استفهام على هذا الانفاق الباذخ جداً وخارج المألوف، وهل تعد هذه الأموال قد كانت كسباً مشروع، وهل خضعت تلك الأموال للتحاسب الضريبي، وهل أجريت عمليات التحقق عن مصادر تلك الأموال؟، لان في حال ثبوتها بانها أموال غير مشروعة، فإنها جرائم معاقب عليها وترقى الى سوء السلوك الذي كان سببا لاستبعاد عشرات المرشحين عن السباق الانتخابي، حتى ان بعضهم مجرد ان تحصل على عقوبة انضباطية عندما كان في منصبه الوظيفي وهي لا تشكل أي جريمة او فعل يجرمه القانون، فعدته المفوضية سوء سلوك يوجب الابعاد، وصدقته الهيئة القضائية للانتخابات.
بينما هذا الثراء الفاحش والبذخ غير المألوف لا يعد سوء سلوك ولا ينظر اليه على انه من مصادر غير مشروعة او على الأقل التحقق من هذه المصادر، وهذا ما جعل من المال السياسي عاملا ً مؤثرا في المشهد الانتخابي، ويؤثر على التوازن في الفرص بين المرشحين.