أخطاء القوائم الانتخابية
مصطفى ملا هذال
2025-10-18 04:24
مع تصاعد وتيرة السباق الانتخابي، تصبح مواقع التواصل الاجتماعي ميدانا لهذا السباق، لذا تلجأ القوائم المتنافسة الى التباري، لإظهار القوة والتفوق على المنافس الشديد، اذ تستخدم لهذا الغرض جملة من الأدوات الشائعة، من بينها ما يُعرف بالاستبيانات أو "استطلاعات الرأي" لقياس مدى الرضى الشعبي عن مرشحيها أو برامجها الانتخابية.
هذه العملية تهدف الى قياس الرأي العام بصورة أولية وتقريبية، إلا أن المشكلة تكمن في أن العديد من هذه الاستبيانات تُطلق بلا قواعد منهجية واضحة، وبدون الاعتماد على بيانات دقيقة أو أدوات تحليل علمية، مما يُفضي إلى نتائج مضللة، وتقديرات خاطئة تؤثر على قرارات الحملة الانتخابية، وتُفقد الجمهور ثقته بالعملية برمتها.
أحد أبرز الأخطاء التي تقع فيها القوائم الانتخابية هو التعامل مع الاستبيانات وكأنها أدوات شكلية أو دعائية، ووجه من وجوه استعراض القوة، ولا يتم التعامل معها على انها وسائل علمية لقياس الرأي العام.
ولكي يكون الاستبيان صحيحا ودقيقا يُفترض أن يُبنى على أسس إحصائية واضحة تشمل، تحديد الفئة المستهدفة بدقة، كالعمر والجنس، الخلفية الاجتماعية، والموقع الجغرافي.
لماذا يجب مراعاة هذه الجوانب.
ذلك ان عدم مراعاتها يعني الحصول على نتائج عكسية او غير دقيقة تعمل على إيهام رؤساء القوائم الانتخابية، فالكثير من هذه القوائم، وقع في خطأ عدم توجيه الأسئلة واجراء الاستبيان في المنطقة او المدينة التي يمكن لمن يتعرض للدعاية ان يصوت لهذا المرشح بعد الاقتناع ببرنامجه الانتخابي.
لكن الخطأ الذي لا تزال تمارسه الكتل، هو عدم تحديد الجمهور المستهدف، وتمول منشوراتها لتصل لأوسع نطاق من البلد، وهي بذلك وقعت في إشكالية كبيرة تتمثل بعدم جدوى هذه الإعلانات، طالما الشريحة غير محددة، وطالما يحق للجميع التعليق كما يرغبون، حتى الذين لا يحق لهم التصويت.
غياب هذه الأسس يحول الاستبيان من أداة قياس إلى أداة تضليل، وقد يؤدي إلى نتائج تُعزز من "الوهم السياسي" لدى القوائم، بدلاً من تصحيح مسارها.
وهو ما حصل مع بعض القوائم التي أصابها الغرور، واعتقدت هي من يتصدر الساحة، هذا إذا اخذنا بنظر الاعتبار انها اعتمدت على مواقع التواصل الاجتماعي التي اوهمتها بهذه المقبولية، لكنها اختلفت كثيرا على ارض الواقع، ولم تتوقع عدم مقبوليتها تصل لهذه الدرجة، وما حدث في احدى الملاعب وعدم امتلاءه خير دليل.
ندرج الى جانب ما تقدم من الأخطاء، نقص الشفافية في عرض النتائج وتحليلها، اذ من الملاحظ أن بعض القوائم الانتخابية لا تنشر نتائج استبياناتها بالكامل، أو تقوم بانتقاء أجزاء معينة منها لترويج صورة إيجابية عن مرشحيها، وغالبا ما تُغفل البيانات السلبية أو المتحفظة التي قد تُفيدها في معرفة مكامن الخلل.
وهذا الانتقائية في التعامل مع النتائج تكشف عن عقلية ترويجية لا تهدف إلى التطوير أو الفهم الحقيقي للرأي العام، بل تسعى فقط لتجميل الصورة العامة وتضليل الناخبين عبر أرقام "مفبركة" أو مجتزأة.
ومن أخطاء هذه القوائم أيضاً أنها تتعامل مع النتائج وكأنها حقائق مطلقة دون النظر إلى السياق السياسي والاجتماعي الذي يحيط بها، فعلى سبيل المثال، قد يُظهر الاستبيان رضى مرتفعا عن مرشح ما، لكن ذلك قد يكون نتيجة لغياب منافسين أقوياء أو بسبب تحفظ الناخبين عن التعبير بصراحة، وليس بالضرورة تأييدا حقيقيا لهذا المرشح.
كذلك، فإن التغيرات السريعة في المزاج الشعبي، أو الأحداث المفاجئة، قد تُقلب النتائج رأسا على عقب في فترة قصيرة، وهو ما لا تراعيه هذه الاستبيانات في كثير من الأحيان.
إطلاق الاستبيانات من قبل القوائم الانتخابية لقياس مدى الرضى عن مرشحيها هو أمر محمود في جوهره، لكن فائدته تتحقق فقط عندما يتم وفق منهجية علمية دقيقة، وبيانات موثوقة، وشفافية في النشر والتحليل، أما الاستمرار في استخدام هذه الأداة بشكل عشوائي وغير دقيق، لا يؤدي إلا إلى نتائج عكسية، تضر بالقائمة نفسها قبل أن تضر بالعملية الانتخابية ككل، فالمطلوب ليس فقط قياس الرأي، بل فهمه وتحليله، والاستجابة له بصدق وجدية.