هل سيصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة طويلا؟

حسين احمد السرحان

2025-10-16 02:43

ان عوامل، مثل تحرير الرهائن، وكسر العزلة، وكسب التأييد الاميركي، والمحافظة على علاقات اسرائيل بالمنطقة والتي تعززت بعد اتفاقات ابراهام، هي التي دفعت اسرائيل الى قبول الاتفاق وليس عامل تحقيق السلام. بالمقابل، الدافع لقبول حماس هو احتفاظها بسلاحها كورقة ضغط، بعد تخليها عن ورقة الرهائن. وهذا يعني ان حماس تفاوض كل هذه المدة على الحصول على ورقة ضغط مقابل التخلي عن ورقة الرهائن. وهذه العوامل من الجانبين ليست عوامل سلام دائم!

بينما تُحيي إسرائيل الذكرى الثانية للهجوم المفاجئ لحماس الذي أودى بحياة عدد من اليهود في يوم واحد يفوق أي هجوم آخر منذ الهولوكوست، تُدمّر غزة، ويُقتل العشرات من مقاتلي حماس والمدنيين في قطاع غزة. 

مع التطور الكبير في المفاوضات بين حركة حماس واسرائيل حول الاتفاق على خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لانهاء الصراع في غزة، واعلان الرئيس ترامب نجاح الاتفاق حول المرحلة الاولى من خطة ترامب فجر يوم الخميس 9 تشرين الاول 2025، الا ان ما اثبتته الاحداث والتطورات السياسية والعسكرية منذ السابع من تشرين الاول 2023، هو الاصرار الاسرائيلي في انهاء حركة حماس عسكريا وسياسيا. 

وبعد اعلان الرئيس ترامب نجاح اتفاق المرحلة الاولى بين حماس واسرائيل في مصر الليلة الماضية - والذي سيجري توقيعه ظهر يوم الخميس 9 تشرين الاول، تجدد القصف الاسرائيلي صباح يوم الخميس 9/ تشرين الاول على مناطق جنوب القطاع مثل خان يونس وغيرها، ولازالت حركة حماس تحذر السكان في غزة من الوصول الى مناطق معينة خشية الخروقات الاسرائيلية. 

وبالرغم من اعلان اسرائيل سحب فرقها العسكرية الثلاث المكلفة باحتلال القطاع، او اعادة تموضعها في مواقع خلفية، الا ان اسرائيل تدرك ان الهدف الاستراتيجي يجب ان يبقى كما هو، وهو انهاء اي دور سياسي او عسكري لحماس في قطاع غزة وانهاء اي تهديد لأمن اسرائيل من قطاع غزة. وحتى إذا ابدى رئيس الحكومة الاسرائيلية بعض المرونة ازاء السلام في القطاع، يبقى هناك دور كبير لليمين الاسرائيلي المتطرف والذي لا يدعوا الى انهاء حماس فحسب، بل الى ضم القطاع ونشر الاستيطان فيه، وضم الضفة الغربية لتكون تحت السيادة الاسرائيلية.

أبرز ما رُشِح عن الاتفاق ان حركة حماس واسرائيل وقعتا على اتفاق حول المرحلة الاولى من خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب والمتضمن وقف إطلاق النار، وسحب القوات الاسرائيلية المتوغلة في القطاع، وإطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين لدى حركة حماس، على ان تجمد الحركة سلاحها وليس تسليمه. 

لكن وفق اتفاق المرحلة الاولى، ستحتفظ حركة حماس بسلاحها، اذ تدرك الحركة انه لا يمكنها ان تخسر ورقة الرهائن –وهي الورقة الوحيدة والاكثر تأثيرا لديها- وتبقى من دون ورقة ضغط في المستقبل على اسرائيل، ولهذا يبدوا ان الحركة اصرت على الاحتفاظ بالسلاح على ان يتم تجميده وليس تسليمه.

هذا يعني ان الحكومة الاسرائيلية ارغمت على الاتفاق لإعادة الرهائن الى ذويهم، وهذا هو الهدف الاهم على المدى القريب والذي يتفق حوله حكومة الحرب في تل ابيب والمعارضة الاسرائيلية، والتي اصطفت الى جانب المطالبات الشعبية داخل اسرائيل المطالبة بإعادة الرهائن. وهذه المطالب شكلت ضغطا كبيرا على الحكومة الاسرائيلية، وبنفس القدر يسعى نتنياهو الى لَم شمل الداخل الاسرائيلي وتهدئة المعارضين عبر اعادة الرهائن وهو الهدف الاهم على المدى القريب، هذا من جانب.

ومن جانب اخر، تسعى اسرائيل من هذا الاتفاق المرحلي الى كسر العزلة الدولية واستئناف حصولها على الاسلحة من دول صديقة لها مثل المانيا. فنتيجة الممارسات الاسرائيلية في القطاع من قصف المدنيين والمؤسسات الصحية وعدم دخول المساعدات الى القطاع والتجويع وحرب الابادة الكبيرة في القطاع، اصبحت اسرائيل في عزلة كبيرة دولياً تكاد تكون الاكبر على مر تاريخها منذ 1948، ولاسيما من جانب حلفائها الاوروبيين، والذي يتفقون مع اسرائيل في ضرورة انهاء اي دور سياسي وعسكري لحماس في غزة، وكذلك يتعاطفون مع ما حصل لسكان المستوطنات الذي تعرضوا لهجوم 7 تشرين الاول. ونتج عن هذه العزلة حملة دولية كبيرة قادتها المملكة العربية السعودية وفرنسا لتحقيق حل الدولتين ونظمتا مؤتمرا كبيرا في نيويورك واستمرت الحملة مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامة حيث وصل عدد الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية ما يقارب الـ 150 دولة.

ايضا على المستوى الاميركي، هناك ضغوطات كبيرة من الرئيس ترامب على المسؤولين الاسرائيليين للاتفاق على انهاء الصراع في غزة. اذ لوحظ ان ترامب ابدى اهتماما كبيرا في تحقيق السلام في الشرق الاوسط وذلك عبر بوابة السلام في غزة من خلال وقف إطلاق النار، واعادة الرهائن. ويسعى ترامب للإيفاء بوعوده في هذا المجال ليظهر بمظهر رجل السلام امام الداخل الاميركي ليحافظ على زخم سيطرته وسيطرة الجمهوريين في الكونغرس مع انتخابات التجديد النصفي القادمة.

هذه العوامل جميعها دفعت اسرائيل، على ما يبدو، الى تأجيل هدف انهاء حماس عسكريا وسياسيا الى ما بعد إطلاق سراح الرهائن. كما يلاحظ ان العوامل السالفة الذكر، هي عوامل يمكن لإسرائيل تجاوزها على المدى القريب او المدى المتوسط كأقصى حد. اذ بعد عودة الرهائن، لن يواجه نتنياهو والحكومة الاسرائيلية اي ضغوط داخلية الى المعارضين للحرب بالأساس. وليس ذلك فحسب، بل ان عودة جثامين الرهائن الى ذويهم، يمكن ان يؤجج التأييد الشعبي للحكومة الاسرائيلية باتجاه انهاء حركة حماس.

وبالرغم من ان حماس تدرك ذلك، الا انها تسعى الى اطالة امد وجودها عبر طريقة (لا تنازل عن ورقة ضغط الا بعد الحصول على ورقة ضغط اخرى). وهذا ما كسبته الحركة في الاتفاق الاخير، اذ تنازلت عن ورقة الرهائن، الا انها تمسكت بورقة السلاح والتي تمكنها في المستقبل من التلويح بها او حتى استخدامها لتحقيق هدفين اساسيين: الاول، ضمان التزام اسرائيل بالاتفاق، وضمان عدم انهاء وجودها في القطاع.

ولهذا لا يمكن تحقيق هدف السلام في قطاع غزة وغلق ابرز مشكلة في الشرق الاوسط، الا عبر استسلام حماس غير المشروط وتسليم سلاحها وانهاء دورها السياسي والعسكري، وهذا الادراك متوافر لدى صانعي القرار في الولايات المتحدة والمسؤولين الاسرائيليين الذين يدركون طبيعة الحركة وثوابتها الفكرية والايديولوجية والتي تفيد بأن التهديد لإسرائيل يبقى قائما طالما بقيت الحركة وبقي دورها السياسي او العسكري او كلاهما، الا ان الادارة الاميركية والرئيس ترامب يبحثون عن منجز في ابرز مناطق الصراع في العالم وهي الشرق الاوسط، ويبحثون عن دور اميركي اوسع في الملفات العالمية.

مقابل ذلك، وكما أسلفنا فأن عوامل، مثل تحرير الرهائن، وكسر العزلة، وكسب التأييد الاميركي والمحافظة على علاقات اسرائيل بالمنطقة والتي تعززت بعد اتفاقات ابراهام، هي التي دفعت اسرائيل الى قبول الاتفاق وليس عامل تحقيق السلام. 

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2025

www.fcdrs.com

ذات صلة

خيرُ الأقوال ما قِيلَ وتمَّ تطبيقهالانتخابات طريقنا لإصلاح الواقعتحالفات عابرة للقومياتالأخلاق كفلسفة أولى، مقاربة أكسيولوجيةانهيار المجتمعات والدول في ضوء القيم الإلهية