القوائم الانتخابية 2025.. مؤشرات وتوقعات

د. أسعد كاظم شبيب

2025-10-09 03:21

بعد سنوات من الصراعات السياسية، الأزمات الأمنية، الفساد، واحتجاجات تشرين/ أكتوبر 2019، يُنظر إلى انتخابات 2025 في العراق على أنها فرصة محورية لإعادة تشكيل الخارطة السياسية، لكنّ هذا التجديد لا يخلو من التحديات الجوهرية التي قد تُعيق التغيير الحقيقي، خاصة أمام القوى التقليدية التي ظلت مسيطرة، الهدف من هذا المقال هو تحليل هذه السمات والوقوف على مؤشرات المشاركة الشعبية والنتائج المتوقعة، مستفيدين مما تداوله الإعلام والتحولات السياسية حتى الآن.

السمات الرئيسية للخارطة الانتخابية 2025

1. سيطرة الكتل السياسية التقليدية مثل الأحزاب والسياسات الطائفية والمذهبية والعشائرية التي برزت منذ عام 2003 وما تزال تحتفظ بعمودها الفقري في المشهد السياسي، هذه الكتل تمتلك بنى تنظيمية قوية، موارد مالية، علاقات محلية مؤثرة، قدرات تعبئة ميدانية، وشبكات علاقات مع مؤسسات الدولة والأمن والمجالس المحلية، مما يصعب على المنافسين الجدد تجاوزها، في حين تدلل الدعاية الإعلامية إلى تغيّر في بعض التحالفات التقليدية بين الشيعة والسنة والأكراد، وتحولات في التحالفات الشيعية الكبرى، لكن ذلك التغيير غالبًا ما يكون في الشكل وليس الجوهر.

2. غياب الكتل الجديدة كقوى مستقلة بارزة بالرغم من وجود حراك شعبي وضغوط للإصلاح، الكتل الجديدة لا تزال تواجه صعوبات كبيرة في البروز كقوى مستقلة ذات وزن انتخابي، الأسباب تشمل ضعف الموارد المالية، ضعف الخبرة التنظيمية، عدم وضوح برامجهم أمام الناخب، وصعوبة التنافس مع البنى التقليدية التي تُقدّم عروضًا مادية أو خدمات مباشرة. كما ان بعض الكتل المدنية أو الجديدة تحاول الدخول من خلال التحالف مع كتل تقليدية، أو عبر قوائم مستقلة ولكن دعمها الشعبي ما زال محدودًا مقارنة بالقوى المؤسساتية.

3. انصهار المرشحين الجدد والكفاءات ضمن الكتل التقليدية فالمال السياسي كعامل حاسم اذ ان المرشحون الجدد أو من يدعون أن لديهم كفاءة أو خارج الصف التقليدي غالبًا ما يضطرون للتعاون أو الدخول ضمن قوائم الكتل التقليدية، سواء بدافع الاستفادة من تسهيلات الحملة، الدعم اللوجستي، الوصول لقاعدتهم الانتخابية، أو ببساطة لتجنّب الاستبعاد السياسي أو القانوني.

 كما ان المال السياسي يظهر كمصدر تمويل أساسي للحملات، يُستخدم في الدعاية، شراء الولاءات، تقديم الخدمات الانتخابية الموقّتة (مثل هدايا، مساعدات، مواد بناء، تحسينات محلية)، وهو ما يمنح الأفضلية للكتل التي لديها موارد قوية، الإعلام أيضاً أفاد بأن مفوضية الانتخابات ومراقبين مستقلين يرون في المال السياسي "مؤشّراً خطيرًا" في هذا الموسم الانتخابي.

مؤشرات المشاركة الشعبية

1. حجم الناخبين المؤهلين والتحديث البايومتري: فعدد الناخبين المؤهلين يفوق 21 مليون ناخب تمّ إصدار بطاقات بايومترية لهم، تشمل التصويت العام والخاص ونازحين، وفي إقليم كردستان، لوحظ أن نحو 18,4% من الناخبين لم يحدّثوا بياناتهم البيومترية وبالتالي سيُستبعدون من المشاركة، ما يُعدّ بمثابة مقاطعة أو إقصاء مسبق.

2. نوايا المشاركة والتوجه الشعبي العام: اذ ان هناك مؤشرات تدهور الثقة في العملية السياسية، وهي ملاحظة متكرّرة في الإعلام والتحليلات، فالمواطنون يشكّكون أن الانتخابات ستؤدي إلى تغيير فعلي، على الرغم من رغبتهم في المشاركة، كما ان ارتفاع نسبة الغياب في بعض المناطق، أو عزوف مسبق بسبب عدم تحديث البيانات الانتخابية أو مقاطعة رمزية أو احتجاجية.

3. إحصائيات المشاركة المتوقعة: حيث ان المفوضية العليا للانتخابات أعلنت أن يوم التصويت الخاص قد شارك حوالي 600‑630 ألف ناخب في التصويت المسبق. اذ ان نسبة المشاركة العامة التي تم الإعلان عنها (قد تختلف حسب المصدر والمحافظة) تراوحت مثال: IHEC ذكرت أن المشاركة في الانتخابات عام 2025 بلغت 62% في عموم العراق مع تفاوت بين المحافظات، كما ان هناك فوارق واضحة ففي محافظات إقليم كردستان مثل دهوك، أربيل، السليمانية تحتل نسب مشاركة مرتفعة (حوالي 70‑80%) في بعض مراحل الانتخابات الخاصة أو الاقترانات السابقة.

مؤشرات النتائج المتوقعة والتحديات

1. هيمنة الكتل التقليدية واستمرار المحاصصة: اذ ان من المتوقع أن تظل الكتل التقليدية الكبرى (شيعية، سنية، كردية) تحتفظ بحصة كبيرة من المقاعد، خصوصًا بفضل تنظيماتها، قواعدها الانتخابية، وتوزيع الموارد. وتحالفات شكلية تُبنى غالبًا على المصالح الانتخابية اللحظية أكثر من الأسس المبدئية أو البرامجية، هذا يُضعف فرص الكتل الجديدة أو التي تعتمد على البرامج الإصلاحية فقط.

2. التوازن بين التمثيل القانوني والتمثيل الفعلي: اذ ان القوانين الانتخابية والتوزيع الجغرافي والديموغرافي للمقاعد قد تفضّل بعض القوى، خصوصًا من لديهم قدرة على تعبئة الناخبين، تحفيزهم، وأحيانًا شراء الأصوات، وحسب شكاوى مسبقة حول "قانون انتخابي غير عادل" تُشير إلى أن بعض التعديلات (إن حصلت) قد لا تكون كافية لإحداث تغيير جذري في التمثيل الفعلي لغير التقليديين.

3. التحديات التي تواجه التغيير ومن ذلك الثقة والمصداقية: غياب الشفافية في تمويل الحملات، دور المال السياسي، التزوير والتدخلات المحتملة من الجهات غير الرسمية، كلها تدفع بعض الناخبين إلى الامتناع أو المقاطعة.

4. الانقسام الطائفي/ العشائري: رغم الدعوات إلى تجاوز الطائفة والمذهبية، فإن الكثير من التصويت لا يزال يُستخدم عبر الانتماءات الطائفية أو العشائرية، ما يُضعف البرامج المدنية أو الكفاءات.

5. ضعف البرامج الانتخابية الحقيقية: الكتل الجديدة أو المرشحين المستقلين غالبًا ما لا يمتلكون برامج واضحة، أو القدرة على نشرها بشكل واسع والوصول إلى الناخب، بينما الحملات التقليدية تستخدم الخدمات الميدانية والعروض المادية بل وتقديم وعودٍ فورية لتأثير سريع قبل الانتخابات.

مؤشرات سياسية محتملة

إذا تم ضمان نزاهة العملية الانتخابية قدر ممكن (شفافية في التمويل، استقلالية المفوضية، تطبيق القانون الانتخابي بإنصاف)، فقد يستفيد بعض المرشحين الجدد أو الكتل المدنية في المدن الكبرى التي تتأثّر أكثر بالوعي السياسي والمطالب الإصلاحية، الشباب (مواليد 2006, 2007) يُعدّون متغيرًا مهمًا إذا تم تحفيزهم سياسياً، هم قادرون على تغيير موازين المشاركة في المناطق الحضرية، المحافظات التي شهدت عزوفاً كبيراً أو عدم تجديد للبيانات الانتخابية قد تشهد انخفاضًا في التمثيل، أو قد تشكل مفاجآت إذا تفاعلت القوى الإصلاحية فيها بنجاح.

ختاما

مما تقدم، يمكن تلخيص السمات والاستنتاجات والاستشراف في النقاط التالية:

1- ان الاستمرارية هي القاعدة: الكتل السياسية التقليدية ما زالت لديها أفضلية قوية، وستحافظ على جزء كبير من النفوذ والمقاعد.

2- المال السياسي عامل حاسم: ليس الوحيد، لكنه من بين أكثر العوامل تأثيرًا، خصوصًا في الأوساط الريفية أو المحافظات التي يكون فيها وصول الخدمات ضعيفًا ويكون الناخب حساسًا لمردود مادي أو خدمي يُوعد به.

3- فرص التغيير محدودة لكن موجودة: في المدن الكبيرة، بين الشباب، عبر المؤسسات المدنية، في البرامج التي تُراعي الأداء والشفافية، يمكن لكتل جديدة أو مستقلين أن يحققوا مكاسب ولو جزئية.

4- نسبة المشاركة ستكون مؤشرًا لمقياس النجاح: مشاركة عالية ستكون ضغطًا على الكتل التقليدية لتقديم تنازلات، أما مشاركة منخفضة فستفسح المجال للقوى ذات التنظيم الأقوى التي تعتمد على تعبئة القاعدة العنقودية.

ومن حيث النتائج المتوقعة من المرجح أن نرى تحالفات ما بعد الانتخابات تُعيد إنتاج التوازنات الشيعية والسنية والكردية، ربما مع تغييرات نسبية في حصة بعض الكتل، وإمكانية صعود بعض الوجوه الجديدة ضمن القوائم التقليدية أو المستقلة.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2025 Ⓒ

http://mcsr.net

ذات صلة

خصالٌ ترتقي بالأممالعبادي يكشف: لماذا تقع النساء في عالم المخدرات؟جيل زد 212 المغربي: نموذج الاحتجاج المعولمكيف أتعامل مع من يغار مني؟‏العراق بين السلطة واللاسلطة