الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل خطوة نحو الاستقرار أم تسوية مؤقتة؟

محمد حسن الساعدي

2025-10-06 04:20

لطالما شكّل ملف النفط في العراق محورًا للصراع السياسي بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، فالثروة النفطية، التي تمثل أكثر من 90% من إيرادات البلاد، ليست مجرد مورد اقتصادي، بل أداة نفوذ سياسي تُستخدم في رسم ملامح العلاقة بين المركز والأطراف الاخرى.

تصاعدت حدة الخلافات في الآونة الاخيرة حول إدارة وتوزيع الموارد النفطية، خاصة بعد أن أقدم الإقليم على تصدير النفط بشكل مستقل عبر تركيا، متجاوزًا شركة "سومو" الحكومية، هذا التصرف أثار غضب بغداد، التي اعتبرته انتهاكًا للدستور العراقي، الذي ينص على أن النفط ملك لجميع العراقيين ويجب أن يُدار بشكل اتحادي.

في سياق العلاقات المعقدة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل، يمثل الاتفاق النفطي الأخير بين الطرفين محطة سياسية واقتصادية بالغة الأهمية، فبعد سنوات من التوترات المتكررة حول إدارة الموارد النفطية وتوزيع الإيرادات، جاء هذا الاتفاق ليعيد ترتيب الأولويات ويضع أسسًا جديدة للتعاون، ولو بشكل مؤقت.

منذ عام 2003، ظل ملف النفط أحد أبرز نقاط الخلاف بين بغداد وأربيل، حيث سعى الإقليم إلى تصدير النفط بشكل مستقل عبر تركيا، مستندًا إلى تفسيره الخاص للدستور العراقي، الذي يمنحه صلاحيات واسعة في إدارة الموارد الطبيعية، بالمقابل تمسكت بغداد بحقها الحصري في إدارة الثروات النفطية، معتبرة أن تصرفات الإقليم تمثل خرقًا للدستور وتجاوزًا للسلطة الاتحادية.

الاتفاق الأخير، الذي تم التوصل إليه في منتصف عام 2025، جاء بعد ضغوط داخلية وخارجية، أبرزها الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد نتيجة انخفاض أسعار النفط عالميًا، وتراجع الإنتاج بسبب التوترات الأمنية في بعض الحقول، وبموجب الاتفاق، وافق إقليم كردستان على تسليم جزء من إنتاجه النفطي إلى شركة "سومو"، مقابل التزام بغداد بتسديد مستحقات مالية للإقليم تشمل رواتب الموظفين ونفقات التشغيل.

سياسيًا، يُنظر إلى الاتفاق على أنه محاولة لتهدئة الأجواء بين الطرفين، خصوصًا في ظل اقتراب الانتخابات البرلمانية، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز صورته أمام ناخبيه. كما أن الاتفاق يعكس رغبة مشتركة في تجنب التصعيد، خاصة بعد أن شهدت العلاقات في السنوات الماضية توترات وصلت إلى حد المواجهة العسكرية المحدودة في بعض المناطق المتنازع عليها.

اقتصاديًا، يوفر الاتفاق فرصة لإعادة تنظيم سوق النفط العراقي، وتحسين سمعة البلاد أمام المستثمرين الدوليين، الذين لطالما اشتكوا من غياب الشفافية وتعدد مراكز القرار كما أنه يساهم في تعزيز الإيرادات العامة، وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية، وهو ما تحتاجه البلاد بشدة في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة، لكن رغم هذه الإيجابيات، لا يخلو الاتفاق من نقاط ضعف، فغياب آلية واضحة ودائمة لحل النزاعات المستقبلية، وعدم تحديد سقف زمني لتنفيذ البنود، يثيران مخاوف من أن يكون الاتفاق مجرد هدنة مؤقتة. كما أن استمرار الخلافات حول المناطق المتنازع عليها، مثل كركوك، قد يعيد إشعال التوترات في أي لحظة.

الاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل يمثل خطوة مهمة نحو بناء الثقة، لكنه لا يغني عن الحاجة إلى حوار سياسي شامل يعالج جذور الخلاف، ويضع إطارًا دستوريًا واضحًا لتقاسم الثروات فالعراق بكل مكوناته بحاجة إلى رؤية وطنية مشتركة تضع مصلحة المواطن فوق كل اعتبار، وتؤسس لعلاقة متوازنة بين المركز والإقليم، قائمة على التعاون لا التنافس.

إن مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل لا يمكن أن يُبنى على اتفاقات مؤقتة، بل يحتاج إلى حوار سياسي شامل، يعيد تعريف مفهوم الشراكة الوطنية، ويضع أسسًا دستورية واضحة لتقاسم السلطة والثروة. فالعراق، بكل مكوناته، بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، يُنهي منطق الصراع ويؤسس لمنطق التعاون.

ذات صلة

آباء العِلم والعملالمغرب.. أزمة ثقة بين رجال الدولة وجيل المستقبلالبوزرجية: طامعين بلا رادعالتغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسينآمال ومخاوف.. هل اقتربت حرب غزة فعلا من نهايتها؟