ترفيه على طبق من مخاطر
مصطفى ملا هذال
2025-09-29 04:42
من الظواهر التي برزت للوجود في الفترات الأخيرة تحويل البيوت او البساتين الى أماكن ترفيهية يتم استئجارها من قبل الاسر الباحثة عن المتعة والترفيه، لكن خلف هذا الوضع المبهج هنالك مآسي تحدث في مثل هذه الأماكن الى جانب مدن الألعاب الخالية من ابسط متطلبات السلامة، ما يجعلها أماكن تقدم الترفيه على طبق من مخاطر.
في كل عطلة رسمية او عطلة نهاية الأسبوع تزدحم الأماكن الترفيهية والشاليهات المُعدة لهذا الغرض، دون التفكير بمدى توفر مستلزمات الأمان وعدم وقوع الكارثة التي يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء.
في الوقت الذي يفترض ان تكون هذه الوجهات مصدر من مصادر السعادة، لكنها تحوّلت في كثير من الحالات إلى ساحات مأساة، نتيجة ضعف الإجراءات الأمنية وغياب المعايير الصارمة للسلامة.
الحوادث المتكررة التي شهدتها مدن الألعاب في بعض المدن العراقية تحديداً، تفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة: لماذا يستمر هذا الخلل؟ ومن المسؤول عن حماية أرواح مرتاديها، لا سيما الأطفال الذين يمثلون الفئة الأكثر ارتياداً لهذه الأماكن؟
حين تدخل بعض مدن الألعاب في معظم المدن العراقية، لا تستغرب من وجود كيبل غير مغلف ظاهر للعيان وبإمكان أي طفل ان يمسك فيه، وتتعرض حياته للخطر، وليس الصغار فحسب، بل كبار السن عادة ما يكونوا بمرمى المخاطر نتيجة الإهمال من قبل المشرفين (أصحاب رؤوس الأموال)، الذين لا ينظرون للفرد سوى انه بطاقة دخول.
فالتعامل مع "السلامة" وفقا لنظرة هؤلاء غالبا ما يأتي بوصفه بندا ثانويا أمام اعتبارات الربح أو تقليل النفقات، في حين يُفترض أن يشكل ركيزة أساسية لأي نشاط ترفيهي.
اذ تكشف شواهد عديدة من مدن عراقية عن وجود ألعاب تُشغل لسنوات طويلة من دون صيانة جذرية، أو تُدار من قبل عمال يفتقرون إلى التدريب الكافي على أساليب الوقاية والتدخل السريع في الحالات الطارئة.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن المسؤولية في هذا السياق لا تقع حصراً على إدارات المدن الترفيهية، بل تشترك فيها جهات الترخيص والرقابة الحكومية تتحمل قسطا جوهريا من المسؤولية حينما تمنح الموافقات على تشغيل المرافق من دون اشتراط مرورها باختبارات فنية دقيقة أو مراجعة دورية لمستويات الأمان.
وقد تستند بعض الموافقات إلى معايير قديمة لم تعد ملائمة للتطور الصناعي والتكنولوجي في تصميم الألعاب، مما يضاعف المخاطر المحتملة، فضلا عن ضعف التنسيق بين الجهات المشغلة وأجهزة الدفاع المدني أو الفرق الطبية يزيد من حجم المخاطر، إذ يترك أي حادث محتمل في مواجهة فراغ مؤسسي لا يملك أدوات الاستجابة الفورية، وبذلك يصبح الزائرون، وهم غالباً من العائلات والأطفال، الحلقة الأضعف في معادلة يفترض أن تضمن لهم حقا بديهيا في الترفيه الآمن.
وإذا كان من الضروري إعادة بناء الثقة بين الجمهور وهذه المرافق، فإن ذلك لن يتحقق إلا من خلال تبني معايير أمنية صارمة، يمكن تلخيص أبرزها في النقاط التالية، التأسيس الهندسي المتين والاعتماد على مواد إنشائية عالية الجودة، وتطبيق اختبارات تحمل دورية للألعاب والمنشآت، بإشراف خبراء متخصصين.
كذلك تفعيل أنظمة الإنذار والرقابة الذكية، من خلال تركيب كاميرات وأجهزة استشعار قادرة على رصد أي خلل ميكانيكي أو كهربائي قبل وقوعه، وأخيرا إعداد الكوادر البشرية، واشراكهم في دورات تدريب على تشغيل الألعاب، فضلا عن إلزامهم بدورات في الإسعافات الأولية وآليات الإخلاء السريع.
الترفيه في جوهره، ليس نقيضا للأمن، بل لا يكتمل من دونه، غير أن التجارب المؤلمة التي وقعت في مدن ألعاب متعددة تثبت أن غياب المعايير الصارمة يحوّل أماكن الفرح إلى مسارح للحزن والفقدان، من هنا تبدو الحاجة ملحة إلى مقاربة شاملة تعيد ترتيب أولويات هذا القطاع.
مقاربة تجعل من حماية الأرواح قاعدة أساسية، ومن الابتكار الترفيهي وسيلة موازية، عندها فقط يمكن القول إن مدن الألعاب قد استعادت وظيفتها الأصلية، كمساحات تُعيد إنتاج البهجة من دون أن تضع الحياة على المحك.