المشاركة في الانتخابات من خارج القفص

محمد علي جواد تقي

2025-09-23 04:18

لم يبق سوى أيام قلائل على موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، ولم يرتق المواطن العراقي –ليس عجزاً منه طبعاً كما سيأتي- الى فهم ما يدور حوله من أحداث كبيرة في منطقة الشرق الأوسط هي وليدة صراعات قديمة على النفوذ والهيمنة لها امتدادات دولية ومصالح اقتصادية واسعة الأبعاد. 

إنه يحلم بكهرباء وطنية (مصدرها الدولة) طوال 24ساعة مثل أي شعب محترم في العالم، كما يحلم بسيادة القانون والنظام في الشارع والدوائر الحكومية وفي السوق، ولا يحفل بالمرة بما سيكون دور بلده وسط الصراع بين محور ايران ومحور اسرائيل، هل سيجاهر بمساندة ايران؟ أم يرضخ للإملاءات الاميركية ليبقى على الحياد السلبي، و يكون وجوداً على الخارطة بلا طعم ولا لون ولا رائحة؟ وحتى الجانب الاقتصادي ذو التأثير المباشر على حياته اليومية، فهو غير متابع بدقّة للتنافس المحموم الذي دار بين مشروع "طريق الحرير" الإيراني الذي يفترض أن يربط الشرق بالغرب عبر ايران ثم العراق، وبين مشروع الربط السككي من الفاو الى تركيا، الذي تدعمه الدول الخليجية ومعها اميركا، وقد حُسم لصالح الخيار الثاني، سوى قضية خور الزبير والخلاف على عائديته بين العراق والكويت، فقد تابعه الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بفضل نواب وشخصيات سياسية وحقوقية داعية لرفض التنازل عن السيادة العراقية بإعطاء الخور للكويت.

وسط دوامة الفساد، والمحاصصة، والفوضى، و رداءة الخدمات، نلاحظ إقحام المشاعر الطائفية في هذه الدوامة المريرة ايضاً، ليعيش المواطن العراقي، ليس فقط انقطاع الكهرباء، و تعرضه للنهب الملياري، و داء الفساد الوبيل، إنما حمّى الطائفية هذه المرة بإثارة مخاوف تكرار تجربة الانظمة السياسية منذ تأسيس الدولة العراقية، وعودة التمييز والتهميش الى حد القمع والاضطهاد والموت، و مضمون الرسالة؛ أن كثرة المشاركة الشيعية في مراكز الاقتراع، تعني ضمان أقوى لمستقبل أفضل للشيعة في الحياة السياسية بالعراق، والعكس بالعكس. 

ربما تكون نوايا البعض سليمة، بيد أن حقائق التاريخ والواقع الحاضر ترجح مساوئ تحشيد من هذا النوع على فوائده، وذلك بالنظر الى بعدين أساس:

البعد الأول: الخارجي والعالمي، حيث سيخسر شيعة العراق امتيازات حضارية، ربما يغبطه عليها عديد شعوب العالم المؤمنة بعقيدة ودين، منها:

1- الوطنية الصدّاحة منذ ثورة العشرين ضد الاستعمار البريطاني التي أجبرته على التخلّي عن فكرة قيادة العراق بجنرال بريطاني كما صنعت مع الهند، فقد ضحى شيعة العراق بأرواحهم في معارك غير متكافئة مع جيش منظم ومسلّح، لينعم العراق بالاستقلال كأرض، وينعم بالكرامة كشعب. 

ومنذ فتوى المرجع الديني الأعلى الميرزا محمد تقي الشيرازي بجواز القتال ضد المستعمر البريطاني، وعدّه جهاداً في سبيل الله، وحتى فتوى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني بـ "الجهاد الكفائي" ضد المعتدي الارهابي، لم يتحدث شيعة العراق بلهجة طائفية بالمرة، بل كانوا يمثلون الشعب العراقي برمته، وأن الذي كان يقاتل لتحرير المرأة الايزيدية والسنية والمسيحية، انما هو جندي عراقي، وإن جاء من أقصى نقطة جنوب العراق. 

2- المسألة العقدية، حيث يعتقد اتباع أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله، أنهم يمثلون الاسلام المتكامل في تشريعه ومنظومته الاخلاقية والاجتماعية استناداً على الأدلة النقلية والعقلية، بينما الحالة الجديدة ستقدم هؤلاء على أنهم طائفة الى جانب الطوائف الاسلامية الاخرى في العراق والعالم الاسلامي، ولا فضل لهم في العقيدة والتاريخ على سائر المسلمين.

3- والمسألة الأهم؛ عالمية الامام الحسين، عليه السلام، بتحجيم قضيته الكبرى والمدوية في إطار طائفي، وإخراجه من بعده الحضاري والعالمي، و إن رسالته لإصلاح الانسان المسلم، ثم الانسانية جمعاء، فيكون من يبكي عليه، ويُحيي ذكراه؛ هم الشيعة فقط، ومن يتعاطف معهم.

بلى؛ الشيعة في العراق هم الأكثرية، بيد إن حكمهم في العراق لا يجب أن يكون وفق معيار الأكثرية وإنما الأحقية في الأداء، والكفاءة، والانجاز، فهم جديرون بأن يكونوا النموذج الراقي والعملي لشعوب المنطقة والعالم، بأنهم خرجوا من أقبية السجون، ومن ساحات الاعدام، وغرف التعذيب، ومن تحت تراب المقابر الجماعية، ليرسموا خارطة طريق لبلد متطلع الى التنمية والتطور يضمن مصالح جميع مكوناته الاجتماعية. 

هذه الرؤية تتطابق مع التراث الشيعي الممتد منذ عهد رسول الله، صلى الله عليه وآله، وحتى آخر إمام معصوم شهده الشيعة والمسلمون، فاذا تحدثنا عن حقوق الشيعة، وعن مكانتهم في العراق من خلال صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية بعد أيام، علينا الانتباه ألا نتجاهل تاريخ طويل مضمّخ بالتضحيات لعلماء وخطباء وشباب من خيرة ما أنجبته نساء العراق، واجهوا الظلم والطغيان والانحراف من أجل تحكيم قيم الدين التي جاء بها رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسار عليها الأئمة المعصومون والصالحون من بعدهم، وليس اتباعا لايديولوجيا او تيار سياسي .

وهذه الرؤية ايضاً؛ هي ما يجب ان يحمله المرشحون الشيعة الفائزين في هذه الانتخابات كراية إصلاح وبشارة للتغيير الشامل للعراق بأسره، وإن كان تدريجياً وفق الامكانيات المتاحة، لأن المهم في البداية، اذا كانت صحيحة وباتجاه الهدف الصحيح، فان النهاية تكون صحيحة ومثمرة قطعاً ولو بعد حين.

ذات صلة

العقل الديني.. بين نصر حامد أبو زيد والسيد مرتضى الشيرازيمنطق القيم ومنطق المصلحةعن الأمن القومي العربي المُستعارموقع العراق الجيوسياسي في معادلة الأمن الإقليميالضربة الإسرائيلية على قطر تصعيد جيوسياسي