بعثة اليونامي: الدور والمسؤولية والمصير

د. لطيف القصاب

2025-09-06 04:14

على الرغم من أنه الأخير – كما يبدو- لكن قسماته السياسية تذكّر بالأول (سيرجيو فييرا دي ميلو) الذي قضى قتيلا أو بالأحرى شهيدًا على يد جماعة الزرقاوي الإرهابية في التاسع عشر من شهر آب عام 2003.

لقد توالى على رئاسة بعثة الأمم المتحدة (يونامي العراق) منذ العام 2003 عددٌ كبير من المسؤولين الأممين، ولكن لم يبق منهم في ذاكرة العراقيين إلا أقل القليل، وأظن أن من أبرزهم هو أولهم البرازيلي طيب الذكر (دي ميلو) على الرغم من أن البعثة كانت في طور تأسيسها، ثم (آخرهم) الذي يعزّ علينا حقا أن يكون (أخيرهم)، وهو محمد الحسّان الدبلوماسي المخضرم، وثقة دولته التي اختارته ممثلا عنها في الأمم المتحدة قبل أكثر من خمسة أعوام، واختير لرئاسة (اليونامي) في الخامس عشر من تموز عام 2024، لكنه لم يباشر عمله فعليًا إلا في العاشر من تشرين أول عام 2024. 

لقد جاء محمد الحسّان في مهمة أممية اعتيادية لها ما يماثلها في دول شتى من العالم، فهي في لبنان تحت اسم اليونيفيل، وفي ليبيا يُطلق عليها يونسميل، وفي السودان تسمى يوناميس...الخ. إذ القاعدة في صياغة الاسم تعتمد الأحرف الأولى لاسم البعثة بالإنجليزية على سبيل الاختصار، فبعثة الأمم المتحدة في العراق-مثلا- تُسمّى يونامي (UNAMI) اختصارًا لـ United Nations Assistance Mission for Iraq

لكن الدكتور محمد حسان صاحب الشخصية الراكزة الوقورة بدا كما لو أنه يسعى لتأدية مهمة (استثنائية) إلى جانب مهامه المعتادة، وهذه المهمة الاستثنائية تتعلق بمحاولة محو الصورة القاتمة التي خلفتها في عيون معظم المراقبين مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة السابقة بلاخارست، هذه المرأة الهولندية التي تربّعت على سدة المنصب زهاء خمس سنوات عجاف، هي الأطول من كل مدد أسلافها السبعة، وكان شغلها الشاغل -بحسب بعض الناقدين- هو تخريب النسيج الاجتماعي للعراق من خلال دعم بعض منظمات المجتمع المدني، لاسيما تلك العاملة في نطاق العمل النسوي... 

إن عمر (اليونامي) يشارف على نهايته، وذلك بناءً على طلب تقدّم به رئيس مجلس الوزراء العراقي الحالي لغرض إنهاء عمل البعثة قبل نهاية هذا العام، فما كان من مجلس الأمن الدولي إلا أن صوّت بالإجماع على قرار تصفية معظم أنشطة البعثة، وفي موعد لا يجاوز الحادي والثلاثين من شهر كانون أول المقبل، وبحسب اطلاعي على ملف الصحافة العراقية فلم أصادف تحسرًا على غياب (اليونامي) يشابه ما حدث في الصحافة اللبنانية تجاه اليونيفيل (طبعًا) ما عدا الاستنكار السياسي الذي صدر عن شخصيات حزبية سنية، وكردية في مقابل الترحيب الشيعي بإنهاء عمل البعثة!

لقد ورد في صحيفة النهار اللبنانية على سبيل المثال مقالا في شهر آب الماضي للكاتبة (سلوى بعلبكي) قالت فيه ما نصه:

((يُعدّ خروج اليونيفيل من المعادلة الاقتصادية في الجنوب إذا ما حصل ضربة موجعة للاستقرار الاجتماعي الذي ساعد وجود القوة في إرسائه منذ تأسيسها عام 1978... وقد تتمدد الخسائر لتصيب القطاع السياحي جنوبي الليطاني بغالبيته، وفي مدينة صور، وشواطئها ومنتجعاتها...)).

وبطبيعة ليس من اللائق، ولا الموضوعية الحديث عن عمل (اليونامي) مع غض النظر عن إسهاماتها الإيجابية، فقد شهد العقدان الأخيران جملة من الإنجازات، لاسيما بعد عام 2004 وما تلاه حيث كانت الأمم المتحدة تحظى باستقلال نسبي عن التأثير الأمريكي قبل أن تتماهى مع سياسات البيت الأبيض في السنوات الأخيرة، ومما يُذكر في هذا الصدد إسهام (اليونامي) الفاعل في دعم الحكومة العراقية نحو بناء الحوار السياسي العام، والمصالحة الوطنية، فضلا عن المساعدة في صياغة دستور عام 2005، وقدّمت البعثة إسنادًا للانتخابات البرلمانية، وانتخابات مجالس المحافظات، وعملت على استعادة قسم من الإرشيف الوطني العراقي. 

على أن الإنصاف يقتضي أيضا إعادة التذكير بسجل الملاحظات السلبية، فقد كشف تحقيق صحفي أن موظفي UNDP ، وهي إحدى الوكالات العاملة ضمن UNAM طالبوا برشاوى مقابل تسهيل العقود، ووُجد في بعض مشاريعها تلاعبًا ماليا حسب صحيفة الغارديان البريطانية، ما يستوجب وجود تحقيقات جدية، ومحاسبة المتورطين، ومعرفة إلى أين وصلت تحقيقات هيئة النزاهة العراقية في إطار خيانة الأمانة، ورشوة الموظف الأجنبي التي تحدّثت عنها الهيئة في وقت سابق تفاعلا مع ما ذكرته الصحيفة المذكورة، وهل ثبت شيء من هذا القبيل أم أن الأمر برمته مجرد تضليل إعلامي لا أساس له بحسب تعبير بيان البعثة؟

لقد أدلى الدكتور محمد حسان بتصريحات صادمة في زيارته الأخيرة لمدينة كربلاء، فذكر ما مضمونه أن العراق يعاني من استفحال ظاهرة الفساد، لا على المستوى المالي، والإداري، والسياسي فحسب بل على المستوى العلمي، والقضائي، والأخلاقي كذلك!

 ولنا أن نسائل السيد حسان بالقول: 

ما هو إذن دور البعثة التي يرأسها في الحدّ من خطر هذه الظاهرة الخطيرة، أ لم يكن من واجبات المهمة التي اُسْتقدمت البعثة من أجلها للعمل في العراق قبل أكثر من عقدين هو التوقيت من نشوء ظاهرة مخزية كهذه، أو إيجاد علاجات ناجعة لها إن لم يكن ممكنا السماح بوجودها أصلا في أقل تقدير؟

ذات صلة

النظام الدولي ما بعد قمة شنغهايتنظيم العلاقات الإنسانية في الرؤية الإسلامية وعلّم النفس الاجتماعيالنجاح يبدأ من هنا: 5 خطوات لتهيئة طفلك للعام الدراسيقطار التقسيم أم قطار نهضة سوريا..الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتضاؤل قوة اسرائيل