الاختيار الصحيح: حجر الأساس لدولة المؤسسات

مصطفى ملا هذال

2025-08-19 05:28

لا تكتمل اركان العملية الانتخابية بتوفير صناديق الاقتراع والهيئات المشرفة والكوادر المدربة على إتمام العملية في يوم الانتخاب، بل هنالك ركن أساسي من بين هذه الأركان وهو المشاركة الواعية التي تدرك أن الاختيار الصحيح هو حجر الأساس في بناء دولة المؤسسات التي يتطلع الفرد العراقي لها منذ تغيير النظام ولغاية الآن.

ولكي يكون الوعي حاضرا والمشاركة سليمة، على المواطن ان يستحضر الوعي الوطني، وان يكون حاضرا في عملية الاختيار، فمتى أدرك الفرد الناخب ان صوته ليس مجرد ورقة يتم طيها ووضعها في الصندوق، سيكون شريك وعنصر أساس في تقرير مصير اسرته ومن ثم المجتمع برمته، عن طريق المسؤولية المشتركة.

لقد أثبتت التجارب السابقة التي خاضها العراقيون أن النتائج التي تفرزها صناديق الاقتراع ما هي إلا انعكاس مباشر لخيارات الناخبين، فإذا أحسن المواطن الاختيار، أسهم وبشكل مباشر في توجيه مسار الحكومة نحو الاستقرار والإصلاح.

وإذا أساء الاختيار أو تهاون في مسؤوليته، فإنه يكون أول من يدفع ثمن تلك القرارات الخاطئة، فالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية التي تصدر عن السلطات المنتخبة تعود نتائجها بشكل مباشر على المواطن نفسه، سلبا أو إيجابا، ولهذا نقول ان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المواطن وهو المعني بالدرجة الأساس في تصحيح المسار.

ومن هنا تصبح المسؤولية الكبرى ملقاة على عاتق الفرد الناخب، لأن الامتناع عن المشاركة أو التصويت بدافع اليأس أو اللامبالاة لا يعفيه من نتائج الانتخابات السلبية، وهي مسؤولية مركبة لها بعدين.

البعد الأول إذا أحجم الناخب عن الإدلاء بصوته يفسح المجال لخيارات قد لا تعبر عن إرادته، لكنه سيظل مضطرا للعيش في ظل ما يفرزه ذلك المشهد، وكثيرا ما أثبتت الوقائع أن عزوف شريحة من المواطنين عن المشاركة كان سببا في وصول أشخاص غير أكفاء إلى مواقع صنع القرار.

إما البعد الثاني وهو مدار الحديث هنا، يتمثل في الاختيار الصحيح الذي لا يتحقق بوجود العاطفة أو الوعود اللحظية، بل بالاعتماد على معايير موضوعية، في مقدمتها الكفاءة والنزاهة والقدرة على خدمة الصالح العام.

فلا يكفي أن يمتلك المرشح خطابا مؤثرا أو حضورا إعلاميا لافتا، بل يجب أن يكون له سجل واضح في خدمة المجتمع، ورؤية عملية لمعالجة التحديات الراهنة، وليس هذا فحسب.

ينبغي على الناخب أن يبتعد عن الانجرار وراء الانتماءات الضيقة، سواء كانت عشائرية أو مناطقية أو طائفية، لأنها كثيرا ما أفرزت قيادات عاجزة عن تمثيل تطلعات الشعب بكل أطيافه.

ولعل من أهم ما يجب إدراكه أن الانتخابات ليست معركة شخصية بين مرشحين، بل هي اختبار وطني يرسم مستقبل البلاد، ومن ذلك ما يجب ان يعيه المواطن هو كل صوت يوضع في الصندوق يساوي خطوة نحو إصلاح أو نحو أزمة جديدة، ولا مجال للحياد في معادلة كهذه.

فأهمية الانتخابات القادمة لا تكمن فقط في تجديد الدماء داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، بل في تجديد ثقة المواطن بقدرته على التغيير عبر الوسائل الديمقراطية، لذلك فإن المرحلة تتطلب وعيا جماعيا يقوم على نشر الثقافة الانتخابية، وتوجيه الناخبين نحو التفكير النقدي والاختيار المبني على المصلحة العامة.

في الخلاصة يمكن القول إن صوت المواطن هو الأمانة الكبرى التي ينبغي أن يحسن استخدامها، فالاختيار الصحيح هو بداية الطريق نحو بناء دولة المؤسسات العادلة والقادرة على تلبية طموحات مواطنيها. أما الاختيار الخاطئ، فهو بمثابة توقيع على استمرار الأزمات وتكرار المعاناة، ولهذا فإن الانتخابات القادمة ليست مجرد استحقاق دستوري، بل هي اختبار للوعي الجماهيري ومؤشر على قدرة المجتمع على صياغة مستقبله بيده.

ذات صلة

الظاهرة الحسينية وتحصين نظام الأسرة في الإسلامالاقتصاد الفضي.. هل هو عبء ديموغرافي أم فرصة لتحفيز النموحماقة ترمب في ألاسكاعودة الدكتاتورية.. الانجراف من الاستبداد الناعم إلى الاستبداد الصارمكارل بوبر ناقدًا مدرسة فرانكفورت النقديّة