الفوضى الإدارية: متى ينتهي كابوس المعاملات الحكومية؟
مصطفى ملا هذال
2025-06-30 03:45
من الظواهر السلبية المنتشرة في المؤسسات الحكومية هي انتشار الفوضى الإدارية التي أصبحت السمة البارزة، وأثرت بشكل مباشر على المواطنين من خلال تأخر انجاز المعاملات والتخبط في اتخاذ القرارات، فضلا عن تداخل الصلاحيات وغياب الكفاءة الفردية بالنسبة لشريحة واسعة من الموظفين.
وعلى ما يبدو أن هذه الفوضى لا تعود فقط إلى ضعف في القدرات الإدارية، بل إلى منظومة معقدة من التراكمات السياسية، والاجتماعية، والتشريعية، التي اخلت بالعمل الإداري وحولته الى روتين معقد، مع قلة المهارة والتعامل مع الحالات التي فيها نوع من التشابك.
تتجلى ملامح الفوضى الإدارية في العراق بعدّة صور، أبرزها البيروقراطية المعطلة، حيث تتطلب أبسط المعاملات الورقية أياما وأحيانا أسابيع، وتُطلب أوراق ثانوية لا تتناسب مع طبيعة الخدمة او المعاملة المراد إنجازها، حيث يجتهد الموظف في طلب بعض الأوراق او الأشياء التي تُدخل المراجع في دوامة المؤسسات وعليه مواجهة وتحمل طلبات صحة الصدور وإثبات صحة بعض الوثائق.
المواطن المراجع يتعامل بجدية مع جميع الطلبات الصادرة من الموظف، ولا يقف للحظة للتأمل بعلاقة بعض الأوراق في المعاملة الحالية، فمثلا يطلب بعض الموظفين صحة صدور لشهادة وفاة صدرت في اربعينيات القرن الماضي، او يسأل عن القسام الشرعي الذي تم إصداره في قضية معينة تعود لعشرينات القرن نفسه، وعلى المواطن إحضاره لتكتمل الأوراق وتسير المعاملة بمسارها الطبيعي.
وحين الخروج من هذه العملية يتفاجأ بعدم الحاجة لهذه الخطوات جميعها، وان مجرد اجتهاد شخصي من قبل الموظف، حينها يشعر المراجع بالفوضى الحقيقية التي كبدته المزيد من الخسائر المادية والمعنوية، فعامل الوقت في بعض المعاملات مهم جدا وقد يتوقف عليه الحصول على الكثير من الامتيازات، وبسبب هذه الفوضى تعرض المراجع الى خسارة الكثير منها.
ومن ظواهر الفوضى الإدارية في العراق هو التداخل في الصلاحيات بين الوزارات والحكومات المحلية والمركزية، ولكي تنجز بعض المعاملات تحتاج الى مراجعة مقر الوزارة في بغداد، ومن ثم تكمل المرحلة الأخرى في وزارة أخرى ذات صلة بالموضوع والعودة مجددا الى نقطة البداية في الدائرة الأولى.
وبدلا من هذه التشابك والتداخل في العمل بين الوزارات يمكن منح صلاحيات أوسع لفروع المحافظات، بما يجعل عدم ضرورة الذهاب الى المقر العام في بغداد، وبذلك تكون قد وفرت على المراجع الكثير من الوقت والسرعة في إتمام الأمور الإدارية، فضلا عن توفير مبالغ الذهاب والإياب لدفعها في الرسوم الواجب تسديدها في محافظة المراجع.
وتعود الفوضى الإدارية في العراق الى جملة من الأسباب، من بينها الإرث السياسي بعد تغيير النظام، وما تلا ذلك لم يكن بتاء مؤسسيا بل تقاسما للمناصب، حيث تم تقاسم إدارات الدولة على أساس المحاصصة الطائفية والحزبية، ففُقدت معايير الكفاءة والمهنية.
الى جانب السبب الأول غياب التخطيط الاستراتيجي، اذ تعمل أغلب الوزارات دون رؤية واضحة أو أهداف طويلة الأمد، وغالبا ما ترتبط الخطط بمزاج الوزير أو مدير الدائرة، مما يجعل العمل الإداري قائما على الاجتهاد الشخصي وليس المؤسساتية.
وتبقى هذه الإشكالية قائمة دون وضع جملة من الحلول، التي يأتي في مقدمتها التحول الى النظام الرقمي في إنجاز المعاملات، ويساعد هذا النظام على التخلص من الكثير من البيروقراطية، وكذلك تجنب المزاجية والآراء الشخصية في التعامل، فالتحول الرقمي لا يتعامل وفق الاهواء بل ينجز المهام دون أي تأخيرات او معرقلات.
وحتى النظام الرقمي بحاجة الى إدخال العاملين عليه دورات تطويرية وتأهيلية بصورة مستمرة لتجنب الوقوع في أخطاء غير قابلة للمعالجة، كذلك ينبغي تحصين الوظائف الإدارية العليا من التأثير الحزبي، واعتماد معايير موضوعية في اختيار القيادات الوظيفية.
إن استمرار الفوضى الإدارية في العراق لا يعني فقط تأخير الخدمات، بل يُعد أحد أكبر معوقات التنمية والاستثمار، وبيئة خصبة للفساد. وإذا لم تُواجه هذه الظاهرة بإرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات جذرية، فإن المواطن سيبقى يدفع ثمن هذا الانهيار الإداري من عمره وكرامته.