هجمات باريس.. إعادة تدوير الارهاب

باسم حسين الزيدي

2015-11-17 05:59

عندما استهدفت فرنسا قبل أشهر، كان الهاجس الأمني يتردد صداه في اغلب دول الاتحاد الأوربي، لما تتمتع به فرنسا من إمكانات امنية واستخبارية واقتصادية قوية وسط دول الاتحاد الأوربي فضلا عن مكانتها وسط المجتمع الدولي، باعتبارها احدى القوى السياسية البارزة على المستوى العالمي.

وقد باشرت اغلب تلك الدول الاوربية، خوفا من تكرار نفس الاعتداءات على مواطنيها، بحملات تفتيش ودهم واعتقال واسعة، استهدفت الاحياء والضواحي الشعبية التي تسكنها الجاليات المسلمة، بحثا عن المتطرفين والمتشددين المنتمين لصفوف داعش او التنظيمات المتطرفة الاخرى، خصوصا بين الشباب.

بعد هجمات باريس الأخيرة تكرر ذات السيناريو، واسترجع الاوربيون نفس هواجسهم الأمنية السابقة، في مؤشر واضح على وجود خلل في منظومة الامن الداخلي من جهة... وضعف التعامل مع المعلومات الاستخبارية الخارجية من جهة أخرى، سيما وان العراق وتركيا وغيرهما اكدت عبر تصريحات رسمية تمرير معلومات استخبارية دقيقة لعمل إرهابي محتمل يستهدف باريس، إضافة الى عواصم لدول أخرى تلقت ذات المعلومة... ومع هذا تمكن المهاجمون من تنفيذ اعتداءاتهم الإرهابية بنجاح بعد ان اوقعوا عشرات الضحايا في صفوف المواطنين، ممن يثق بأداء الحكومة الفرنسية الأمني.

وقد أكد عدد من الخبراء الأمنيين، ان تنظيم داعش غالبا ما يبحث عن الحلقات الأضعف في تنفيذ اعتداءات إرهابية تغطي على خسارته الميدانية في معارك استراتيجية في أماكن أخرى، مثلما حدث مؤخرا في العراق وسوريا، حيث تعتبر هذه المناطق الخاضعة لسيطرتها بين البلدين، معاقل رئيسية لخلافتها المزعومة بالإسلامية التي أعلن عنها زعيم التنظيم (أبو بكر البغدادي) لتشويه الاسلام... غالبا ما يكون الهدف (اعلامي) بالدرجة الأولى، وهو ما عمل عليه اقطاب التنظيم منذ بداية توسع اعماله الإرهابية في العراق وسوريا واسيا وشمال افريقيا وصولا الى اوربا، حيث قسمت العمل الى:

1. كسب ولاء الحركات الجهادية لتصبح جزء من مشروعها الإرهابي، عبر الدعاية المكثفة والاقناع بانها البديل عن التنظيم الام (القاعدة)، وقد انظمت اليها عدد من تلك الحركات في شمال وغرب افريقيا واسيا.

2. الاعتماد على كسب ولاء المتطرفين في الدول البعيدة نسبيا عن الأماكن التي تمد فيها التنظيم، كما هو الحال في اوربا والدول الغربية، لتجنيدهم واعدادهم لتنفيذ هجمات (الذئاب المنفردة).

اوربا التي لم تستفد كثيرا من دروس الماضي القريب، بدت وكأنها عاجزة عن مجاراة خطط ودهاء تنظيم داعش في تنفيذ تهديداتهم الإرهابية، ومع ان بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وغيرها، أعلنت انها أحبطت عدة هجمات كانت ستوقع ضحايا بين المدنيين، الا انها لم تستطع احتواء خطر التنظيم بالكامل، والسبب في ذلك:

1. انها (اوربا) ما زالت عاجزة عن فهم الالية التي يكسب بها تنظيم داعش المزيد من المريدين داخل اوربا، بل في كثير من الأحيان الأنظمة والقوانين الاوربية هي من تدفع الشباب المسلم للانخراط في صفوف داعش والتنظيمات المتطرفة الأخرى... وهي مشكلة اجتماعية واقتصادية كبيرة ينبغي علاجها قبل التوجه نحو الحلول الأمنية.

2. احتواء التنظيم في سوريا والعراق امر ضروري لمنع تمدد عملياته الإرهابية وصولا الى اوربا، وما دام الخلاف قائما حول طرق علاج الازمة السورية بصورة سلمية، بعد خمس سنوات من اندلاعها، فهذا يعني ان الاتفاق النهائي بين جميع الأطراف التي تشترك في قتال التنظيم ما زال بعيد المنال في الوقت الحاضر.

3. اختيار الجهات الفاعلة للتعامل معها في مكافحة الإرهاب، وعدم تهميش أي طرف على حساب الاخر، فقد يؤدي الاعتماد على شريك ليس لديه القناعة الكافية بمحاربة التنظيمات المتطرفة، الى زيادة الاضرار والنتائج السلبية بدلا من تحقيق النصر في المعركة ضد الإرهاب في نهاية المطاف.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا