أثر التعداد السكاني على حقوق المواطنين

جميل عودة ابراهيم

2024-11-19 03:42

التعداد السكاني، هو مَسْح عام تقوم به الحكومات، بهدف جمع معلومات عن المجتمع الذي تحكمه. ويحدد الإحصاء السكاني مقدار عدد السكان، ومعلومات أخرى، كالسن والعمالة والدخل والعِرْق والجنس. وتقوم حوالي 90% من دول العالم بإحصاءات سكانية. ويجري التعداد السكاني عادةً على فترات منتظمة، مثل كل عشر سنوات. وتمثل بيانات ومعلومات التعدد السكاني مجرعا أساسيا في أخذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إذ يجمع التعداد السكاني مجموعة واسعة من البيانات، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر العمر والجنس والعرق، والحالة الاجتماعية، ومستوى التعليم، والبطالة، والعوق وغيره. وتتيح مجموعة البيانات الشاملة هذه تحليلًا متعمقًا للاتجاهات والأنماط الديموغرافية، والتي يمكن أن تفيد قطاعات مختلفة، بما في ذلك الاقتصاد والرعاية الصحية والتخطيط الحضري. ويمكن أن تختلف تفاصيل البيانات المجمعة بناءً على الأهداف المحددة للتعداد السكاني.

في هذا الإطار؛ كثيراً ما يكون الإحصاء السكاني الوطني هو المصدر الوحيد للمعلومات للتعرف على أشكال الإقصاء الاجتماعي أو الديمغرافي أو الاقتصادي - مثل أوجه انعدام المساواة حسب الموقع الجغرافي، أو العرق، أو الإثنية، أو الدين، أو الخصائص الأخرى. بل إن الإحصاء السكاني يتيح بيانات عن المناطق المحرومة والفئات الأكثر ضعفا – مثل الفقراء والشباب والمسنين، وذوي الإعاقات، والنساء، والفتيات.

وتشير وزارة التخطيط العراقية المشرفة على التعداد السكاني في العراق لعام 2024 على أن "استمارة التعداد تتضمن توجيه 70 سؤالاً، تشمل 11 محوراً متنوعاً تتعلق بخصائص حياة الفرد ضمن قطاعات الصحة، والتعليم، والعمل، والسكن، والخدمات، بهدف الحصول على المعلومات الدقيقة عن أعداد الأسر والساكنين في كل منزل لمعرفة المستوى العلمي لكل مواطن، فضلاً عن التعرف على الأمراض التي تعاني منها الأسر، من أجل الحصول على أصغر التقسيمات الإدارية التي تصل إلى حد الزقاق".

لذلك يُعد التعداد الكامل أمر بالغ الأهمية بالنسبة للحكومات والمنظمات؛ لأنه يوفر صورة تفصيلية عن السكان في نقطة زمنية محددة. وهذه البيانات ضرورية لصنع السياسات الفعّالة، وتخصيص الموارد، والتخطيط للخدمات العامة. ومن خلال فهم التركيبة السكانية للسكان، تستطيع السلطات تلبية احتياجات دوائرها الانتخابية بشكل أفضل، وضمان توفير الخدمات، مثل الرعاية الصحية والتعليم والبنية الأساسية بشكل مناسب. ويدرس الباحثون من خلال التعداد السكاني التركيب السكاني والتركيب النوعي للسكان لمعرفة اتجاهاتهم وأنشطتهم ومدى الكثافة والازدحام وضغط السكان على موارد الدولة، كما أنه مفيد في التجارة والصناعة، إذ يعتمد عليه المستهلكون والتجار لتوزيع السلع والخدمات.

 وتختلف الطرق المستخدمة في إجراء التعداد بشكل كبير، حسب المنطقة وأهداف التعداد. تشمل الطرق الشائعة المسوحات والاستبيانات والمقابلات، والتي يمكن إجراؤها شخصيًا أو عن طريق البريد أو عبر الإنترنت. يتأثر اختيار المنهجية بعوامل مثل السكان المستهدفين، والموارد المتاحة، ومستوى التفاصيل المطلوبة في عملية جمع البيانات. ولقد أحدثت التطورات في التكنولوجيا تحولاً كبيراً في طريقة إجراء التعدادات السكانية. فقد أدى استخدام الاستطلاعات عبر الإنترنت، وأدوات جمع البيانات المحمولة، وأنظمة المعلومات الجغرافية إلى تبسيط عملية العد، مما جعلها أكثر كفاءة وسهولة في الوصول إليها. كما تسهل التكنولوجيا أيضًا إجراء التعدادات في الوقت الفعلي تحليل البيانات مما يسمح بالحصول على رؤى أسرع بشأن التغيرات والاتجاهات الديموغرافية، والتي يمكن أن تكون حاسمة لاتخاذ القرارات في الوقت المناسب.

 وعند القيام بعملية التعداد السكاني، فإنه يتم تنفيذها على ثلاث مراحل أساسية هي: مرحلة حصر المباني، ومرحلة عد السكان، ومرحلة حصر المنشئات، ويشارك في تنفيذ التعداد السكاني كل عام الآلاف من العاملين بجهاز الإحصاء؛ ما بين مراقبين ومفتشين ومعاونين، ويعتبر التعداد السكاني مصدرا أساسياً لدراسة النمو السكاني لمنطقة معينة في فترة زمنية محددة.

إن إجراء التعداد السكاني يفرض العديد من التحديات، بما في ذلك ضمان جمع البيانات بدقة، والوصول إلى السكان الذين يصعب إحصاؤهم، والحفاظ على السرية. وقد تؤدي قضايا مثل نقص أو زيادة الإحصاء إلى تناقضات كبيرة في البيانات، مما قد يؤثر على توزيع الموارد وقرارات السياسة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التحديات اللوجستية، مثل الوصول إلى المناطق النائية أو معالجة الحواجز اللغوية، يمكن أن تعقد عملية العد.

 ويُعدّ إجراء الإحصاء السكاني -بحكم نطاقه- عملية مُكْلفة تتطلب موازنة دقيقة وتخطيطا دقيقا وحشداً للموارد في الأوان المطلوب. كثيرا ما تُرجَأ الإحصاءات السكانية بسبب انعدام التمويل أو تأخر الإفراج عن الأموال. وبالتالي فإنّ بناء شراكات مع أصحاب المصلحة الرئيسيين -ومن بينهم شركاء التنمية والمجتمع المدني والقطاع الخاص- هو مطلب هام لنجاح تنفيذ الإحصاءات السكانية واستمراريتها.

 كما أن النزاع وعدم الاستقرار في بلدان كثيرة يشكلان تحديات إضافية تجعل الإحصاء السكاني مستحيلاً في بعض المناطق. وفي البلدان ذات الضغوط الشديدة والبيئات الهشّة، قد تكون البيانات الديمغرافية الحديثة المعوَّل عليها مفقودة أو ناقصة، وذلك لتعذّر إجراء الإحصاء السكاني بشكله المعتاد بسبب النزاع أو المخاوف الأمنية. كما أن عمليات النزوح السكاني الواسع قد تجعل المعلومات المتاحة متقادمة بسرعة. وفي تلك الحالات، يدعم صندوق الأمم المتحدة للسكان تنفيذ إحصاء كلي أو جزئي لسدّ الفجوات في البيانات.

بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان (يُعدّ إجراء إحصاءٍ سكاني وإسكاني من بين أكثر المهام تعقيداً واتساعاً التي قد تضطلع بها دولةٌ ما في أوقات السلم. فهذا العمل يتطلب التخطيط وتدبير الموارد والتنفيذ بدقّةٍ وحذر – بداية من وضع مخطط للبلد بأكمله، وحشد عدد كبير من مندوبي التعداد وتدريبهم، وتنفيذ حملات توعوية عامّة كبرى، وزيارة كل الأسر، والمتابعة الدقيقة لأنشطة الإحصاء السكاني وتحليلها ونشرها والاستعانة بالبيانات الناتجة عنها. ينطوي الإحصاء السكاني على الإحصاء العددي الكامل للسكان في البلد أو الإقليم أو المنطقة المَعنية، وينبغي إجراؤه مرة على الأقل كل 10 سنوات. يولّد الإحصاء السكاني ثروة من البيانات، تشمل عدد السكان وتوزيعهم المكاني وتركيبتهم العمرية والنوعية، فضلاً عن ظروف معيشتهم وغيرها من الخصائص الاقتصادية الاجتماعية المهمة. وتُشكّل هذه المعلومات أهميةً بالغة للحوكمة الرشيدة، وفي صياغة السياسات والتخطيط للتنمية وتقليل المخاطر والاستجابة للكوارث وتحليلات برامج الرفاه الاجتماعي وسوق الأعمال التجارية. ويقدّم صندوق الأمم المتحدة للسكان الدعم الفني والمالي للتحقق من الجودة العالية للإحصاءات السكانية، ومن إتباعها المبادئ والمعايير الدولية، وإنتاج بيانات ذائعة الانتشار ومستغلة في التنمية).

 وعلى ذلك فان خصوصية البيانات وأمنها من الأمور ذات الأهمية القصوى في سياق التعداد السكاني. ويتعين على الحكومات أن تضمن الحفاظ على سرية المعلومات التي يتم جمعها واستخدامها لأغراض إحصائية فقط. وتعتبر التدابير مثل إخفاء هوية البيانات وبروتوكولات التخزين الآمن ضرورية لحماية خصوصية الأفراد. وتعتبر الثقة العامة في عملية التعداد السكاني أمراً بالغ الأهمية، لأنها تشجع المشاركة وتضمن دقة البيانات التي يتم جمعها.

 بناء على ما تقدم؛ فان التعدد السكاني إذا ما أجري بطريقة منتظمة ومنظمة فانه سيكون عاملا قويا لدعم حقوق المواطنين بشكل عام وحقوق الفئات المهمشة بشكل خاص، لأنه سيتيح قواعد بيانات كبيرة بموجبها تتمكن الحكومات والمؤسسات المجتمعية القطاعية من تأمين الحد الأدنى من تلك الحقوق، وكذلك يتيح للمؤسسات الدولية القطاعية مثل برامج الأمم المتحدة من تحديد مواطن الضعف وتوفير الدعم اللوجستي والمالي ومواجهة التحديات والطوارئ.

لذا نخلص إلى أن للتعدد السكاني فوائد جمة أهمها ما يأتي:

1. يساعد على توزيع موارد الدولة على السكان بشكل عادل.

2. يساعد على توزيع ميزانية الدولة بشكل أفضل على قطاعات مثل التعليم والصحة.

3. يساعد على التخطيط للمشروعات التي تستهدف تطوير القطاع الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.

4. يساعد في رصد الكثافة السكانية وتحليل الظروف الاجتماعية والاقتصادية.

5. يساعد على تحديد نسب الأمية والبطالة، وعلى هذا الأساس تبدأ بتنفيذ عدد من الخطط التي تستهدف خفض هذه النسب.

6. يوفر معلومات دقيقة عن نسب الشباب وكبار السن، إلى جانب نسبة الذكور والإناث.

7. يفعل اتخاذ القرارات للقطاع الخاص للدولة.

8. يساعد على التخطيط من أجل التقليل من مشكلة الزحام في المواصلات العامة، حيث يعد ذلك عامل أساسي في تطوير خدمات المواصلات والعمل على توفيرها في مختلف أنحاء الدولة.

9. يوفر بيانات عن العمالة الوافدة وعدد المهاجرين.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2024

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

ذات صلة

التقية المداراتيّةبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويدلماذا كل هذا الصمت؟