متى يحق للمواطن المشاركة في القرارات الحكومية؟
مصطفى ملا هذال
2024-11-16 06:05
تستيقظ في بعض الأحيان على صوت لجرافات تعمل قرب منزلك، ولا تعرف متى جاءت، وكيف بدأت العمل، ولماذا تقوم بتسوية الأرض وإزالة العوائق منها، وجود الآلات يثير فضول أي فرد أزعجه صوتها وهي تعلن عن الشروع بالعمل في مشروع جديد.
وبعد التحري والبحث الذي قد يستغرق ساعات تعلم ان الحكومة تروم بناء مستشفى او مركز صحي، في المنطقة المذكورة، في الوهلة الأولى يستبشر المواطنين خيرا بهذا المشروع الذي سيسهم في تقديم الخدمة والرعاية الصحية لأسرهم، وبعد مرور الوقت يتضح ان اختيار مكان المشروع غير ملائم بالمرة لهذه المهمة.
اختيار المكان لم يكن بعلم أهالي المنطقة الذين بقوا يتساءلون عن جدوى الاختيار هذا، في الوقت الذي بإمكان الجهات المنفذة للمشروع اجراء استطلاع بسيط للأهالي يتعلق بمدى ملائمة المكان من عدمه، وكما يقال "اهل مكة أدرى بشعابها"، أي هم الأكثر معرفة واطلاعا عن غيرهم، ومن المحتمل ان يؤثر الاختيار غير الصحيح على صحة الاسر المحيطة بالمركز، من خلال الابخرة المنتشرة عن حرق مخلفات المواد الطبية.
وبعد ذلك تتفاقم المشكلة بدلا من حلها بعيدا عن إلحاق الأذى بالمواطنين، وينطبق الامر على اختيار أماكن تشييد المدارس لاسيما في المناطق النائية، فغالبا ما يكون المواطن وحصرا المستفيد آخر من يعلم بهذه العملية، وعليه ان يقبل بجميع النتائج سواء كانت سلبية ام إيجابية، واشكك بوجود الإيجابية من الأساس.
نسأل هنا ما هي نسبة ونوع المشاركة التي نتحدث عنها؟
قد يُفهم من الحديث السابق على انه نريد ان يأخذ المواطن دورا أكبر من دوره في بناء المؤسسات الحكومية، ولكن نريد القول ان المؤسسة او الدائرة التي تشييدها الحكومة، أكثر نفعا وخدمة لسكان هذه المنطقة او تلك، وليس مجرد مشروع حجز رقما بين ارقام المشروعات المنفذة بنسبة فائدة ضئيلة.
المشاركة المقصودة هنا هي إسهام الأفراد في عمليات صنع القرار والأنشطة والشؤون التي تؤثر على حياتهم ومجتمعاتهم ككل، بضمنها التأكيد على مشاركة المواطنين في إبداء الرأي وصنع السياسات والخدمات العامة والمبادرات المجتمعية لتعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والمنظمات والجمهور.
أبداء الرأي بالنسبة للمواطنين في المشروعات المهمة والحساسة بالنسبة لهم، يمكن ان يكون بصورة نسبية مع خضوع مجمل الآراء الى الدراسة وتنقية الأفضل والاصلح المتعلق بمشروع من المشروعات، بما يعضد العلاقة بين السلطة والقاعدة الأساسية المواطنين ويخلق جو عام من الألفة وتبادل المنفعة.
كثير من المشروعات نفذت بعيدا عن ذوق المواطنين ولا تلامس حاجاتهم الفعلية او الأساسية، نأخذ على سبيل المثال بناء مجمع لتصفية المياه بعيدا عن مصادر المياه الصالحة للشرب، وهنا تضطر الجهات المنفذة الى البحث عن طريقة مناسبة لإيصال المياه ومن ثم تنقيتها.
بهذه الصورة خلقت الوحدة الإدارية تحدي آخر يضاف الى جملة التحديات التي تواجهها وتقلل من دورها في تقديم الخدمة الاجتماعية، وبذلك يكون على الحكومات المحلية واجب إعادة النظر في عملية التفرد باتخاذ القرارات والتي عادة ما تسجل عليها جملة من الملاحظات ذكرنا بعضها ولا يسع المجال لتفصيلها.
ومما يؤشر على المشاركة في عملية اتخاذ القرار على انها يمكن ان تكون سيف ذو حدين، إذا اسيئ فهمها وتم تحيديها عن هدفها الأساس، فهي لا تعني الحرية المفرطة والتدخل الكبير الذي يغير أماكن بعض المشروعات دون دراية علمية بعواقب هذا التغيير او الإلغاء بصورة كاملة.
ونتج عن ضيق الرؤية الفردية حدوث الكثير من المشاكل في تنفيذ المشروعات، نظرا لاعتقاد الفرد انه من حقه ان يقول كلمته، ويجب ان تكون هي العليا، مما اجبر الجهات المنفذة الى التوقف او تغيير مسارات بعض المشروعات الحيوية ذات الفائدة الشعبية، كتعبيد طريق او مد خطوط انابيب، او إضافة شبكات تقوية للطاقة الكهربائية.
غالبًا ما تتضمن مشاركة المواطنين في الحكومة مناهج تعاونية، اذ تعمل المنظمات المجتمعية والشركات وأصحاب المصلحة الآخرين معا لمواجهة التحديات المعقدة وتحقيق الأهداف المشتركة.
وفي ذلك السياق يجوز للحكومات إجراء مشاورات عامة أو دراسات استقصائية لجمع مدخلات من المواطنين حول موضوعات محددة، مثل التخطيط الحضري، أو مشاريع النقل، أو السياسات البيئية، أو مبادرات الصحة العامة، وتشكل من اجل ذلك لجان استشارية أو فرق عمل تتألف من أفراد المجتمع الذين يقدمون الخبرة والتوجيه والتوصيات بشأن قضايا أو مشاريع محددة.
ومن مهام هذه اللجان او الفرق تحقيق السيطرة على عمليات الموازنة التشاركية بين المواطنين والجهات الحكومية بشكل مباشر من خلال اقتراح المشاريع أو المبادرات التي تلبي الاحتياجات والأولويات المحلية وتحديد الأولويات والتصويت عليها.
ما تقدم يمكن ان يكون دعوة للحكومات المحلية والمركزية والمواطنين أيضا، إلى تحمل مسؤولياتهم والعمل معا بروح من التعاون والتضامن لتحقيق رفاهية المجتمع وتقدمه، ولكل فرد دور مهم في بناء المستقبل، ومن خلال العمل المشترك يمكننا تحقيق مجتمع أكثر تقدما وازدهارا.