عن الرشد السياسي

محمد عبد الجبار الشبوط

2024-10-16 05:53

تعد القدرة على الالتقاء حول قضايا كبيرة ومشتركة بين أفراد المجتمع من أبرز علامات النضج السياسي والرشد الجماعي. هذا النضج السياسي ينعكس في قدرة المجتمع على تأسيس أحزاب كبيرة وقوية تتبنى هذه القضايا، ما يعزز الوحدة والتضامن ويقلل من التشتت والانقسامات الداخلية.

في المجتمعات الرشيدة سياسيًا، يدرك الأفراد أهمية التعاون والعمل الجماعي لتحقيق أهدافهم المشتركة، ويفهمون أن التشتت على شكل أحزاب صغيرة وضعيفة على أساس قضايا محلية أو مصالح فردية قد يؤدي إلى إضعاف المجتمع ككل أمام التحديات الكبرى التي يتعين مواجهتها. الأحزاب الكبيرة لا تقتصر على الدفاع عن قضية واحدة فقط، بل تتبنى مجموعة من القيم والمبادئ والسياسات التي تسعى إلى تحسين الحياة العامة وتقدم المجتمع.

وعلى العكس من ذلك في المجتمعات غير الرشيدة، يميل الأفراد إلى التمركز حول قضايا صغيرة أو مصالح ضيقة، مما يؤدي إلى ظهور عدد كبير من الأحزاب الصغيرة التي تعبر عن الانقسامات الداخلية. ينتج عن ذلك ضعف في الساحة السياسية وعدم القدرة على تحقيق تغييرات ملموسة وفعالة لأن هذه الأحزاب الصغيرة غالباً ما تفتقر إلى النفوذ والوزن السياسي الكافي لدفع عجلة التغيير بعيد المدى.

إضافة إلى ذلك، تعاني المجتمعات غير الرشيدة من صعوبة الوصول إلى توافق حول القضايا الكبرى، كما تتسم بالانقسام والتنافس السلبي بين الكيانات السياسية المتعددة التي تركز على تنافسها الضيق بدلاً من العمل معاً لتحقيق الصالح العام. يساهم هذا التشتت في تعزيز حالة الاستقطاب والاضطرابات السياسية، ويعرقل الجهود المبذولة للتنمية والاستقرار.

يمكن القول إن النضج السياسي لأفراد المجتمع لا يتجسد فقط في قدرتهم على الاتحاد حول أحزاب كبيرة، بل أيضا في قدرتهم على تشكيل تحالفات مرنة عندما يستدعي الأمر والعمل بشكل تعاوني عبر مختلف الفئات والاتجاهات السياسية. يعد هذا التنوع الغني، مع الالتزام برؤية موحدة وقيم مشتركة، دليلاً على القوة السياسية والقدرة على إدارة التحديات.

وبالتالي، فإن تطوير مثل هذا الوعي السياسي والتوجه نحو الوحدة يتطلب جهوداً تربوية وتثقيفية وتعليمية لتعزيز مفاهيم المواطنة الفعّالة والتفكير الجماعي المسؤول. كما يتطلب وجود قيادات سياسية نزيهة ورؤية واضحة للمستقبل، حيث تكون الأحزاب الكبيرة منصة لتبادل الرؤى وكسب ثقة المواطنين والعمل كفريق موحد للطموح الأسمى.

يمكن لقانون الاحزاب ان يعالج هذه الظاهرة السلبية ووضع شروط وضوابط تحول دون ظهور احزاب صغيرة ويشجع على ظهور احزاب كبيرة واقامة تحالفات مرنة تحول دون تشتت المجتمع السياسي.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي