حرب اسرائيل وحزب الله.. مشهد غزة يتكرر في جنوب لبنان

حسين احمد السرحان

2024-09-28 04:45

ما تعيشه اسرائيل وحزب الله منذ ايام ما هو الا تصعيد غير مسبوق لتبادل القصف بينهما منذ 8 تشرين الاول 2023. اذ أكد حزب الله في لبنان مساندته لفصائل حماس وكتائب القسام في حربها مع اسرائيل، واستمر الحزب في قصف المناطق الشمالية التي تمثل ثقل اقتصادي واجتماعي وسياحي مهم لإسرائيل، في محاولة لتشتيت الجهد العسكري الاسرائيلي والتخفيف منه على قطاع غزة، مما دفع حكومة الحرب الاسرائيلية الى اجلاء السكان من اغلب تلك المناطق واسكانهم في الوسط والجنوب. وهذه ولدت ضغوطا كبيرة على الحكومة الاسرائيلية وظهرت احتجاجات للمطالبة بإنهاء الحرب في غزة والتهدئة لغرض العودة الى مناطقهم في شمال اسرائيل.

اسرائيل تهدف الى تحييد حزب الله عن الصراع في غزة وضمان امن المناطق الشمالية لها، ولهذا ارادت ومنذ الايام الاولى للحرب على غزة ان يتراجع حزب الله الى ما بعد نهر الليطاني الذي يمتد بالتوازي مع الحدود اللبنانية الاسرائيلية ويبعد عن الحدود 30 كم تقريبا. والهدف هو ابعاد خطر صواريخ ومسيرات حزب الله عن المستوطنات الشمالية. وبالمقابل يتولى الجيش اللبناني وقوات اليونفيل الدولية التواجد في هذه المنطقة، وهذا جوبه بالرفض من قبل حزب الله. ومن تصريحات المسؤولين الاسرائيليين يتضح ان تل ابيب تصر على هذا المطلب. وهذا ما يرجح استمرار الحرب في ظل اصرار الطرفين على مواقفهم. وهذا ما اكد عليه مسؤولين اسرائيليين.

المعطيات على ارض الواقع وتطورات الحرب ومواقف صناع القرار الاسرائيليين تشير الى ان الحرب على جنوب لبنان ستستمر من جانب اسرائيل لحين تحقيق الاهداف الاسرائيلية في ضمان امن المناطق المستوطنات في شمال اسرائيل، وانهاء البنى التحتية العسكرية وقوته الصاروخية للحزب وموارده البشرية. 

العراق والحرب على لبنان 

اتضح من الحرب على غزة الى ان العراق فيه موقفان، احداهما من جانب الحكومة والثاني من فواعل غير حكومية. وبالرغم من ان الموقفين يتفقان في رفض الحرب والاعتداء الا التباين واضح في مستوى الرفض والمساندة. 

فالحكومة العراقية، تتشابه في موقفها من الحرب في جنوب لبنان، من موقفها من الحرب في غزة، حيث الدعوة الى رفض الاعتداءات والدعوة الى ايقافها. كما تبنت حملات ارسال المساعدات الانسانية. وهذا الامر يتكرر مع الحالة اللبنانية. في حين موقف الفواعل من غير الحكومة يتعدى ذلك الى المساهمة في استهداف المصالح الاميركية - الداعم الابرز لإسرائيل – في سوريا والعراق. وتدعو الى المقاومة المسلحة ومواجهة العنف بالقوة. واليوم مع الحالة اللبنانية، اكد المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي انهم يتابعون التهديدات القادمة من العراق بعد استهداف ميناء ايلات بمسيرتين. 

هذه المواقف المتشنجة والمزدوجة لا تدلل على وجود دولة ذات وحدة موقف ووحدة قرار، وربما يعرض العراق الى خطر الاستهداف الاسرائيلي داخل الاراضي العراقية في وقت لا يمكن للعراق الدفاع عن اجواءه. 

إيران: المصالح تتغلب على المبادئ

إيران، وعبر رئيس جمهوريتها الاصلاحي، تبحث عن اعادة ترميم علاقاتها مع الغرب وصولا الى احياء الاتفاق النووي او التمهيد له لحين وصول الادارة الاميركية الجديدة. وهذا ما حصل مع الحرب في غزة ويحصل اليوم في لبنان. بمعنى اخر ان إيران تنظر لدول الازمات وصراعات المنطقة على انها ملفات واوراق تضغط من خلالها على الغرب للاستجابة الى رؤيتها في التخفيف من الضغطات الاقتصادية عليها، او انها تستثمر الوقت لتطوير برنامجها النووي.

 وبذلك لم يعد لمبدأ وحدة الساحات والمقاومة جدوى لدى صانع القرار الإيراني. اذ اكدت إيران انها لا تستطيع في الوقت الحالي مساندة حزب الله وحماس في حربهما ضد اسرائيل باستهداف الاخيرة. كما لم نلحظ اي موقف من إيران الثورة "الحرس الثوري " سوى الحديث عن انتصار مؤكد لحزب الله في وقت يجري تدمير القرى والبلدان اللبنانية في الجنوب مخلفةً مئات الالاف من النازحين ومئات الشهداء وآلاف الجرحى.

ما كان ينظر له على انه شيء كبير وهو ان يكون لإسرائيل اجتياح بري لجنوب لبنان، بات العدو الاسرائيلي يمهد له اعلاميا مؤخراً وسط انباء عن مبادرات لتطبيق هدنة بين الجانبين. المشهد نفسه في غزة يتكرر في جنوب لبنان. فرغم كل الضغوط الاميركية والدولية والرأي العام العالمي لمنع اسرائيل من اجتياح قطاع غزة بريا، الا ان تل ابيب لم تكترث وواصلت اجتياحها للقطاع وصولا الى جنوب القطاع وهي مناطق رفح ومحور فيلادلفيا.

اليوم الموقف الاقليمي المعارض لإسرائيل هو غيره عما كان في عام 2006، فوقتها عقدت في بيروت اجتماع لجامعة العربية وكان هناك جهود دولية كبيرة لوقف الحرب وبالتالي نجحت في ايقاف الحرب. ولكن ما حدث مع قطاع غزة منذ ما يقارب من عام كامل حول انهاء الحرب والتي فشلت فشلا ذريعا، سيحصل ربما في لبنان. فالحرب في غزة كانت تمرين عسكري وسياسي لإسرائيل، وبالتالي لا تحتاج الى وقت طويل حتى تقرر الانصياع للإرادة الدولية الخجولة والتي تدفع بها باريس وواشنطن ام لا.

 فالمؤكد انها لن تنصاع لأي ارادة دولية لإيقاف الحرب على جنوب لبنان حتى تحقيق اهدافها. كما ان رفض حزب الله لقرار مجلس الامن الدولي 1701 سيدفع اسرائيل الى الضغط أكثر عسكريا وتوجيه ضربات موجعة للبنان لإرغامه على القبول بالقرار اعلاه لضمان عودة نازحيها في المستونات الشمالية وتحييد قدرات حزب الله الصاروخية ومسك الجيش اللبناني لمناطق جنوب نهر الليطاني. 

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي