الحرية والقيد
عدنان أبوزيد
2024-09-24 03:01
في أرضٍ مزقتها الحروب، وشهدت تقلبات سياسية ودينية عاصفة، يقف العراق اليوم على مفترق طرق بين الحرية والقيد.
الحرية في العراق، اليوم، ليست مجرد كلمة، بل هي سيفٌ ذو حدين، الأول يُقاتل لأجلها والثاني يُقاتل لمنعها، فبعد سقوط النظام الشمولي، كان العراق يقف على أطلال حقبة مرتبكة، يحمل بين يديه بذور الأمل في غدٍ أفضل، إلا أن هذه البذور سرعان ما واجهت رياحًا عاتية.
تتراقص حرية التعبير كفراشة في وسط إعصار، ويتحدث السياسيون عن الحرية وكأنها قطعة فنية في معرض، يتفاخرون بها أمام الجميع، لكنها تبقى محجوبة خلف زجاجٍ سميك، الخطاب السياسي حول الحريات، يمتلئ بالمثاليات والشعارات البراقة، لكنه يفتقر إلى الروح التي تنبض بالحياة.
يبدو أن الدولة العراقية تعيش حالة من الانفصام بين ما تقول وبين ما تفعل، إنها تُعيد صياغة عقود الحريات مع شعبها، لكنها تجد نفسها متورطة في صراع داخلي بين رغبتها في الانفتاح وخوفها من النتائج، كأنها فارسٌ يرتدي درعًا ثقيلًا من النظريات الديمقراطية، لكنه يجد نفسه عاجزًا عن حمل سيف الحرية في المعركة الفعلية.
هذا الانفصام يتجلى بوضوح في أحداث كثيرة، حيث شهدنا انحسارًا ملموسًا لمساحة الحرية، لقد أصبحت الحرية في العراق مثل طائر في قفص، يغني أغنية الحرية لكن جناحيه مقيدان.
وفي ظل النظام الشمولي السابق، كانت الحرية حلمًا بعيد المنال، لكنها مع النظام الديمقراطي الجديد، تنفست كثيرا، ليس بسبب اتاحة النظام لها، لكن بسبب عدم سيطرته المطلقة على نوافذ التعبير، وأبرزها ساحات التواصل الاجتماعي التي لا يمكن السيطرة عليه بشك مطلق.
ورغم ذلك، نجد أن العديد من الأصوات بدأت تفضل الصمت، خشية العواقب، فيما دفاتر الأسماء الممنوعة من التعبير تكبر يومًا بعد يوم، وتُشكل قائمة طويلة من الأرواح المقهورة.
ليست الدولة وحدها من ينتهك حريات الأفراد في العراق، فالمجتمع نفسه يمارس نوعًا آخر من القمع، ففي هذه الأرض التي تتسم بثقافة العشائر والتقاليد البالية، تصبح الحرية عبئًا ثقيلًا، والمؤسسات الدينية والعشائرية تمارس سطوتها بطرقها الخاصة.
إنها معركة متعددة الجبهات؛ ففي الوقت الذي تُكافح فيه من أجل حريتك في مواجهة الدولة، تجد نفسك مُضطرًا للقتال ضد المجتمع ذاته، وهو أمر يشكل نذيرًا بمواجهة دامية.