عوائق التغيير
مصطفى ملا هذال
2024-09-15 06:40
من مظاهر عدم النية للتغير او الذهاب بهذا الاتجاه على المستوى الاجتماعي، عندما يتقدم شاب لخطبة فتاة ما، ومع وجود ملاحظات على اخلاق او دين المتقدم، يصرح أحد افراد العائلة بالمقولة "الشين الي تعرفه أحسن من الزين الما تعرفه"، في هذه المقولة إصرار واضح من قبل طبقات المجتمع على عدم ترك القديم والخروج على الموروث الخاطئ.
خلال حالات التأمل للواقع المحيط والتي أعدها زاد الكاتب في الشؤون السياسية والاجتماعية، استحضرت المخزون في ذاكرتي من تجارب او احداث عشتها او قرأتها وسمعت عنها، فوجد ان المجتمعات تخشى التغيير منذ عشرات السنين، ودوافع الخوف ينبع من المقولة التي صرح بها فرد من افراد الاسرة اثناء التقدم للخطوبة.
فعلى المستوى التشريعي نجد القوانين التي شُرعت قبل عقود من الآن تصلح لمجتمعنا الحالي، وكأن الزمن متوقف عن الحركة، وشعرت انها اعدت للوقت الحالي، مع بعض الاختلافات والحاجات للتعديل، وقد خضعت بعض المواد الى تعديلات، واضيفت بنود أخرى تتعلق بالحداثة والتطور الحاصل في بعض المجالات.
لكن يبقى مضمون تلك القوانين يدور بنفس المحيط العقابي، وكأن الأجيال تتوارث الهموم والمشكلات والتعقيدات التي يتوجب على القوانين وضح الحلول لها، لذا فحركة التغيير يمكن وصفها بالمتجمدة، بينما تشهد المجتمعات حالة من التغيير والقفزات على جميع المستويات العلمية والعمرانية والفكرية والسياسية وغيرها من الميادين.
أمر غاية في العجب فعلا، وسؤال يطرح نفسه لماذا نتراجع هكذا بينما تركض المجتمعات ركضا نحو الرقى والتحضر أو التغيير للأفضل بشكل عام؟
نحن هكذا على الرغم من امتلاكنا ما لا يمتلكونه من منهج قويم وقيم أصيلة لو أعدناها إلى الحياة لتغير الواقع كثيرا ولأصبحنا في المقدمة أو على الأقل بين المتنافسين عليها، لكن ومع الأسف الشديد لا يوجد من يعمل على تفعيل هذا الموروث وادخاله حيز التنفيذ.
اما على المستوى العلمي، فلا يوجد تغيير جذري او ملفت في المناهج ومضامينها، وكذلك أساليب الدراسة وغيرها، فلا يزال الطلبة يجتمعون قرابة الخمسين او الأربعين طالبا في صف لا تتعدى ابعاده العشرون مترا مربع او أكثر بقليل.
ولا تزال وسائل الإيضاح معتمدة على القديم، السبورة والطباشير، بينما دول العالم المتقدم يستخدم الدوائر الالكترونية واستخدام السبورات الذكية في القاعات، فضلا عن مراعاة العدد في الصف الواحد، الذي يجب الا يزيد عن خمسة عشر طالبا يجلسون بأريحية يناقشون الموضوعات بسهولة ووضوح.
فأين التغيير من كل ذلك؟
وعلى المستوى السياسي فأن التغيير غير ممكن او تغيير جزئي وفق الواقع الموجود، فلا يوجد تغيير مع وجود نظام ديمقراطي يسمح بالاختيار دون تأثيرات خارجية، ما عدا المغريات التي تقدمها الأحزاب والكتل الانتخابية خلال فترة الانتخابات، والتي بموجبها تفوز شخصيات لا تملك أي خبرة او شعبية، لكنها تملك المال الوفير.
فهل سنظل هكذا نراوح مكاننا بينما تنهض المجتمعات وترتقي من حولنا بالعلم والقيم التي جعلوها قوانين لا يمكن الاستهانة في الالتزام بها، بعدما كانت تسبح في ظلام وتعيش وسط حالة من الهمجية في الوقت الذي كانت فيه أمتنا ملهمة ومعلمة لهم؟
أما آن الأوان أن نفيق جميعا من هذه الغفلة التي طالت، وأن نتخلى عن هذه المفاهيم المشوهة داخلنا والتي تقف عقبة أمامنا نحو التغيير؟
أنا أؤمن تمامًا أن التغيير الحقيقي يبدأ من قناعات الأفراد أنفسهم سواء كان سلبا أو إيجابا، فليبدأ كل منا بنفسه ولا ينتظر إصلاح ما حوله كحجة لإقناع الذات بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، بل دائما هناك الأفضل ولكن عندما نبدأ في البحث عنه والسير إليه.