الآمال‭ ‬الغارقة

عدنان أبوزيد

2024-08-28 04:27

في‭ ‬أرضٍ‭ ‬حيث‭ ‬السماء‭ ‬تُبشر‭ ‬بالخير‭ ‬فقط‭ ‬حين‭ ‬تُمطر،‭ ‬يعيش‭ ‬العراقيون‭ ‬بين‭ ‬الأمل‭ ‬واليأس،‭ ‬بين‭ ‬مطرٍ‭ ‬عابر‭ ‬ووعودٍ‭ ‬تتبخر، ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬ملفاً‭ ‬حكومياً‭ ‬أُغلق‭ ‬بخاتمةٍ‭ ‬سعيدة،‭ ‬فالأوراق‭ ‬تتكدس‭ ‬والأخطاء‭ ‬تتكرر،‭ ‬وكأن‭ ‬الحكومات‭ ‬تتناوب‭ ‬على‭ ‬صناعة‭ ‬ذات‭ ‬الكوارث‭.‬

العراقي،‭ ‬هذا‭ ‬البطل‭ ‬التراجيدي‭ ‬المتواضع‭ ‬في‭ ‬مطالبه،‭ ‬لا‭ ‬يسعى‭ ‬إلا‭ ‬لتحسين‭ ‬الخدمات،‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل،‭ ‬ومكافحة‭ ‬فسادٍ‭ ‬أضحى‭ ‬وحشاً‭ ‬يلتهم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‬ لكن‭ ‬هذه‭ ‬الطلبات‭ ‬البسيطة،‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬حقوقاً‭ ‬بديهية،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أحلام‭ ‬مستحيلة،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬تجد ‬الحكومات‭ ‬القادرة‭ ‬تتغنى‭ ‬بإنجازاتها‭ ‬الوهمية،‭ ‬وتعد‭ ‬الشعب‭ ‬بالسراب‭.‬

‭‬ومع‭ ‬كل‭ ‬دورةٍ‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الأزمات،‭ ‬وكل‭ ‬دورة‭ ‬من‭ ‬التظاهرات‭ ‬التي‭ ‬تلتهم‭ ‬الدماء‭ ‬والمال‭ ‬والوقت،‭ ‬يعيد‭ ‬العراقيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬إلى‭ ‬مربع‭ ‬الفوضى‭ ‬الأبدية،‭ ‬لكن‭ ‬المأساة‭ ‬الحقيقية‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدماء‭ ‬المسفوكة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬جسر‭ ‬الثقة‭ ‬الذي‭ ‬انهار‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والنظام‭ ‬السياسي‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشاريع‭ ‬الخدمات‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقتٍ،‭ ‬فإن‭ ‬اقتلاع‭ ‬الفساد‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬جريء،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬التنين‭ ‬الذي‭ ‬ينفث‭ ‬لهيب‭ ‬الخراب‭.‬

العراق‭ ‬في‭ ‬حاجةٍ‭ ‬إلى‭ ‬جرعة‭ ‬أمل‭ ‬فورية،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجرعة‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬وهم‭ ‬آخر‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬الأمنيات‭ ‬المستحيلة‭.‬

اليأس‭ ‬يتسلل‭ ‬إلى‭ ‬القلوب،‭ ‬والطبقية‭ ‬تتسع‭ ‬كالهوة‭ ‬بين‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭.‬

الفقر‭ ‬يزداد،‭ ‬والخزانة‭ ‬العامة‭ ‬تنكمش،‭ ‬ودولة‭ ‬معلقة‭ ‬بأوهام‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬كمن‭ ‬ينتظر‭ ‬قطرة‭ ‬ماء‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬عطشى‭.‬

وبينما‭ ‬تزداد‭ ‬الشهادات‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬وتكتظ‭ ‬الدوائر‭ ‬بالموظفين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تأثيرهم‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة‭ ‬بات‭ ‬كالغبار‭ ‬في‭ ‬الريح،‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭ ‬ولا‭ ‬يُشعر‭ ‬به‭.‬

أما‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬والفئات‭ ‬البرجوازية،‭ ‬فقد‭ ‬حصنت‭ ‬نفسها‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬المال‭ ‬والسلطة،‭ ‬مستعدة‭ ‬للهرب‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظةٍ،‭ ‬تاركة‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬أزماتهم،‭ ‬بلا‭ ‬أملٍ‭ ‬ولا‭ ‬منقذ‭.‬

بات‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬قد‭ ‬تخلى‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬صناعة‭ ‬الأمل،‭ ‬وكأن‭ ‬اليأس‭ ‬أصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬استراتيجيته‭.‬

وفي‭ ‬كل‭ ‬خطوة،‭ ‬تجد‭ ‬سياسات‭ ‬مدروسة‭ ‬بعناية‭ ‬لتكريس‭ ‬الإحباط‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬المواطنين،‭ ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬لتجفيف‭ ‬منابع‭ ‬التفاؤل‭.‬

أضحى‭ ‬المواطن‭ ‬العراقي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬دوامةٍ‭ ‬من‭ ‬الوعود‭ ‬الكاذبة‭ ‬والتضليل‭ ‬المتعمد،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للأمل‭ ‬في‭ ‬مشهدٍ‭ ‬يُسخر‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬حاجاته‭ ‬الأساسية‭.‬‭ ‬لقد‭ ‬تحول‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬استثناء‭ ‬إلى‭ ‬قاعدة،‭ ‬في‭ ‬نظامٍ‭ ‬يتقن‭ ‬فنون‭ ‬التلاعب‭ ‬بمشاعر‭ ‬شعبه‭ ‬دون‭ ‬خجل‭ ‬أو‭ ‬تردد‭.‬

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي