البُعد الدولي لنتائج الانتخابات الأوروبية: الخاسرُ والحائر والرابح
د. جواد الهنداوي
2024-06-23 06:50
فوز اليمين (والذي يصفهُ البعض بالمتطرف)، يُنبئ، من الآن، وقبل ان تتولى أحزابه ادارة الحكم في فرنسا، وفي ألمانيا، بخارطة العلاقات الدولية والسياسات الخارجية، وأخص في الذكر هاتيّن الدولتيّن، لأنهما العمود المُرتكز للاتحاد الأوروبي .
نعم، خارطة جديدة للعلاقات الدولية وللسياسات الخارجية، بعد ان تتولى احزاب اليمين الحكم في فرنسا وفي ألمانيا، ودعوني أُعرّف وباختصار، قبل عرض الخارطة، مَنْ هو الرابح، ومَنْ هو الخاسر، ومنْ هو الحائر، مِنْ نتائج الانتخابات الأوروبية .
الرابح هو الرئيس الروسي بوتين، والرابح ايضاً هو الرئيس الأمريكي السابق، ولربما القادم ترامب. اما كبير الخاسرين هو الرئيس الفرنسي ماكرون وحزبه، والشونزليه الأماني أولف شولز وحزبه. أما الحائر فهي اللوبيات الصهيونية في فرنسا وفي ألمانيا، وسأشرح الأسباب .
بين الرئيس بوتين والسيدة مارين لوبن، رئيسة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، والفائز الأول في الانتخاب الأوروبية بالنسبة للأحزاب الفرنسيّة، علاقات صداقة ومواقف سياسيّة متطابقة او جداً متقاربة .
في العام الماضي، وبتاريخ 24 مايو، استدعيت السيدة مارين لوبن، باعتبارها رئيسة لحزب التجمّع الوطني، وعضو في الجمعية الوطنية، (الجبهة الوطنية سابقا)، أمام لجنة تحقيق من الجمعية الوطنية (مجلس النواب) لاستماع أقوالها عن علاقتها بروسيا وعن قرض طلبته من روسيا عام 2014، وجوابها كان ”بسبب رفض البنوك الغربية منحنا قرض، كان لدينا خيار وإمكانية الاقتراض من الصين وإيران وروسيا، فقررنا اختيار القرض من روسيا، دون ايّ مقايضات او ضغوط سياسيّة” .
تجدرُ الإشارة، بهذا الخصوص، لموقفين سياسيين: الأول هو ان السيدة مارين لوبن سبقَ لها وان تبنّت تصريحات مؤيدة لضم روسيا لجزيرة القرم عام 2014، وبعدها بأسابيع، حصلَ حزبها على القرض الروسي! وعندما سُئِلَ حزبها عن هذه ”الصدفة” بين وقت التصريح والحصول على القرض، كان جوابه أننا نعرفُ جيداً تاريخ جزيرة القرم .
الموقف الثاني، هو انَّ أعضاء الكتلة البرلمانية الموالية لحزب الرئيس ماكرون، هم الذين قرروا استجواب السيدة مارين لوبن، كما انَّ الرئيس ماكرون قام باستغلال هذا الاستجواب في مناظرته التلفزيونية مع السيدة لوبن بين جولتي الانتخابات الرئاسية لعام 2022.
اليوم، على ما يبدو، جاءت ساعة عتاب وحساب وثأر للرئيس بوتين وللسيدة مارين لوبن مع الرئيس ماكرون .
لَعِبَ الرئيس ماكرون دور قائد التعبئة والتحشيد للحرب في أوكرانيا وضّدَ روسيا. لم يفّوت حدثا سياسيا او عسكريا، شهدته الحرب الروسية - الأمريكية الغربية، ومنذ اندلاعها في شباط 2022، الاّ ووعدَ بسلاح وخبراء بل وجيش أوروبي للقتال ضدّ روسيا، وبشّر بنصرٍ قريب على روسيا. فبدل ان يجسّد ”وسطيته السياسية بين اليمين و اليسار”، ويكون وسطياً بين امريكا وروسيا في أوكرانيا، راحَ يحرّض ألمانيا ويحشّد اوروبا لدعم ماكنة الحرب والانصياع التام لأمريكا في خططها تجاه روسيا و أوكرانيا.
اهملَ ماكرون رأي وموقف الشعب الفرنسي المعارض للحرب، والذي عبّر عن رأيه وموقفه، بتظاهرات مليونية، وكانت هذه التظاهرات مناسبة وحُجّه له (واقصد الرئيس ماكرون) كي يتنصل عن دعمه المطلق لأمريكا في حربها ضد روسيا في اوكرانيا، ولكنه لم يغتنم الفرصة. بعض النخب وبعض الدبلوماسيين الفرنسيين يلقون اللّوم في هذا الموقف، ومواقف أخرى خاطئة، اتخذها الرئيس في السياسة الخارجية، على مستشاري الرئيس ماكرون .
ولن تكتفي السيدة مارين لوبن بهذا الانتصار، وهو خطوة كبيرة نحو انتصار اكبر، وبتحالف مع ”الحظ”، حين تتربع على كرسي الاليزيه في الانتخابات القادمة عام 2027 .
نتائج الانتخابات الأوروبية هي ايضاً مُفرِحة للرئيس الأمريكي السابق ”ترامب”، حيث المشتركات بين أفكاره وتطلعات احزاب اليمين في اوروبا، من بين هذه المشتركات السعي لتفكيك الاتحاد الأوروبي والتأكيد على خصوصيَة كل دولة اوروبية، وتقليل دور حلف الناتو، بالاضافة إلى المواقف المشتركة تجاه الهجرة واللاجئيين، وتجاه الحرب في أوكرانيا، والعلاقة مع روسيا .دعونا نتعرّف على الحائر ..
الحائر هي اللوبيات اليهودية والصهيونية الداعمة لاسرائيل، والتي تعّول كثيراً على مواقف الدول الأوروبية وخاصة فرنسا و ألمانيا تجاه اسرائيل ، وفي هذا الظرف الخطير، الذي تواجهه أسرائيل .
ما هي أسباب الحيرة؟
هُمْ بين يمين منتصر، يعتبرونه متطرفا وله تاريخ حافل بالتصريحات المعادية للساميّة، كما يصفونها، وبين تجمّع يساري (الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب فرنسا الأبية، وحزب الخضر والحزب الشيوعي)، والذي له مواقف صريحة ضد حرب الإبادة في غزّة، وخاصة حزب فرنسا الأبيّة. رئيس وزراء فرنسا أعرب عن اسفه لهذا التجمع والذي يضّمُ حزباً معادياً للسامية (ويقصد حزب فرنسا الابيّه)، وأعابَ على الحزب الاشتراكي الفرنسي تحالفه مع حزب فرنسا الابيه .
وطبعاً عندما يصف السيد عتّال، وهو يهودي الديانة واسرائيلي الولاء (مثل وزير خارجية امريكا) بأن تجمّع اليسار الفرنسي، والذي سيدخل في منافسة انتخابية مع تجمع اليمين واليمين المتطرف، بأنه تجمع ضّد السامية، معناه ضّد اسرائيل، والسيد عتّال يعبّر، في تصريحه،عن موقف اللوبيات الداعمة لاسرائيل .
اللوبيات الداعمة لاسرائيل تجد نفسها اليوم بين يمين متطرف، تاريخياً وعقائدياً ضّد اليهود وغير اليهود، وبين تجمع احزاب يسار، وُصِفَ بانه تجمع ضدْ الساميّة .
هل للموضوع وبكامل تفصيلاته (نتائج الانتخابات الأوروبية، احزاب يمين متطرفه حاكمة، إلخ …) تأثير على حرب الإبادة في غزّة؟ لا اعتقد.. لأنَّ سؤال الحرب على غزّة، جوابه في الميدان وفي ساحات الوغى، وليس في ترف الديمقراطيات و رغبة و إرادة اللوبيات .