لماذا نبني وكيف نبني وماذا نبني؟
قراءة قرآنية في أسباب انهيار الأمم والحضارات
مرتضى معاش
2024-06-16 04:23
ماهي أسباب سقوط الأمم وانهيار الحضارات، وكيف نعرفها من خلال الاستلهام من آيات الذكر الحكيم، والاعتبار من قوم النبي هود (عليه السلام) الذين استكبروا بالأرض ببناء الأبراج الشاهقة طغيانا وبطشا، لكن ذلك تسبب لهم بالعذاب والنهاية السيئة. فما هي العبر من هذه القصة وكيف نبني حياتنا بعيدا عن الاستكبار والطغيان والترف والنسيان؟
قوم عاد والحضارة المفقودة
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء 128-130.
الريع هو المكان المرتفع، الآية هي العلامة وقد تكون بمعنى المعجزة أو الشيء الكبير العظيم، والعبث هو الفعل الذي لا غاية له، مجرد لإظهار التفاخر والعلوّْ وإبراز القوة بدون أي غاية أو هدف، والمصانع بمعنى كل ما يصنعه الإنسان ويُقال بأنها الأبنية العالية والقصور، والبعض يقول إنها الآلات.
هذه الآيات القرآنية تتحدث عن النبي هود عليه السلام مع قوم عاد، وهم قوم كانوا بعد طوفان النبي نوح (عليه السلام) بسبعة أجيال، وبحساب سنين سبعة أجيال واعمار تلك الأجيال الطويلة، حيث كانت الأعمار طويلة جدا، فقد ورد أن أعمار قوم هود كانت أربعمائة سنةً، ولايبعد ذلك كما في عمر النبي نوح (عليه السلام)، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) العنكبوت 14، أو انها كانت حالة استثنائية خاصة (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) الفجر6/8.
وبعد طوفان النبي نوح انتشر التوحيد في الأرض، وكان الناس يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، ولكن بعد مرور الأجيال والنعِم الموفورة والكثيرة، والقوة التي تحصل عند بعض الناس والأفراد، ظهر الكفر والانحراف عند الناس، فكان قوم عاد من القصص ومن العِبَر التي كفرت بنعمة الله سبحانه وتعالى، بسبب طغيانها ونسيانها لصاحب النعم، (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ...) فصلت 15.
هناك آيات قرآنية كثيرة يرد فيها ذكر قوم عاد، ليس من أجل ذكر قصتهم وإنما لأجل العِبرة والاتعاظ من المصير الذي سلكوه، فقوم عاد منحهم الله سبحانه وتعالى النعم الكثيرة فانحرفوا وطغوا بقوّتهم، وحسبوا أنفسهم أنهم أقوياء من دون الحاجة الله سبحانه وتعالى.
صفات قوم عاد
ونذكر هنا بعض الصفات لقوم عاد المذكورة في الآيات القرآنية حتى نعرف لماذا وصلوا الى الكارثة:
حضارات الأنبياء
الصفة الأولى: إنهم كانوا أصحاب العمارة الأولى في تاريخ الإنسانية، ونقصد بالعمارة الإنسانية أنهم أول من بنى المصانع والآلات، وشيدوا الأبنية، وعندما نقرأ تاريخ الحضارات المدون فإنها تُقاس من خلال الانجازات العلمية والمادية، ولا تُقاس من ناحية الإنجازات المعنوية أو الدينية، ولذلك تلاحظون أن الحضارات المادية المدونة في التاريخ هي حضارات صنعها الطغاة، كما ترون القصور والقلاع والآثار الباقية مثل الاهرامات.
بينما الأنبياء لم يكن لهم القلاع والأبنية والحصون والأسوار الشاهقة، حتى أن البعض كان يتساءل لماذا لا يوجد عند الأنبياء آثار مادية، فهو يحسب أن النبي جاء من أجل أن يبني قلعة أو قصرا أو يبني ناطحة سحاب أو أي شيء مبهرج وصاخب يسرق الأنظار ويبهر النفوس، لكن الأنبياء جاءوا بالقيم والأخلاق، وجاءوا بالرسالات من أجل هداية البشر وتكاملهم النفسي ورشدهم العقلي.
ولكن أول حضارة بالمعنى المادي جاءت بعد قوم نوح، حيث بدأ تاريخ جديد عند البشر، وكانوا أقوياء في أجسامهم، وقدراتهم، حتى أن البعض كانوا يسمونهم بالعمالقة، فكانت لديهم قوة جسدية وقوة قادرة على صنع الأشياء عبر الآلات، وهناك روايات مختلفة في هذا الباب، حول حجمهم أو طولهم، لكن المهم أن الله أعطاهم وأنعم عليهم بالقوة.
(أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف 69.
القوة العظمى
الصفة الثانية: أعطاهم الله القوة، وكانوا قريبين جدا إلى ملحمة الطوفان، رغم ما حصل في الطوفان، وعندما تكون الأجيال قريبة تتناقل الأحداث ويعرفون ماذا حصل، (وقالوا من أشدّ منّا قوة) بحيث أصبحوا يقولون نحن الأقوى، نحن القوة العظمى في العالم، نحن المهيمنين، نحن الأشد قوة.
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15.
وفي آية قرآنية أخرى تعبر عن قوتهم: (وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء 130.
لم يكونوا يمتلكون القوة والقدرة في الجسم فقط، وإنما استخدموا هذه القوة في البطش والقهر والتعسف والظلم، وهذا هو الفرق بين قوة الطغاة وقوة الله سبحانه وتعالى، فقوة الله تعالى وقوة الأنبياء هي قوة الرحمة، وقوة الطغاة والمجرمين هي قوة البطش والقهر والقتل والإجرام.
نموذج في الطغيان
الصفة الثالثة: كانوا نموذجا في الطغيان (التي لم يخلق مثلها في البلاد)، لذلك سميت عادٍ الأولى، وهي الحضارة الأولى في الطغيان عندما أُترفوا وتبطّروا وظهرت قوتهم فاستغنوا عن الله سبحانه وتعالى، وكفروا.
فكانت الحضارة الأولى في تاريخ الإنسانية (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى)، فمن هي عادا الثانية؟، هنا ظهر الاختلاف في ذكر الحضارة الثانية، فقيل أن هناك حضارة قريبة منها أو بعدها تسمى عادٍ الثانية، والبعض يقول لم تظهر هذه الحضارة بعد، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، بمعنى ليس هنالك حضارة مثلها.
ويمكن أن نقول بأن عاد الأولى هي النموذج لحضارة الطغيان، وهي الحضارة المادية الطاغية، وكلما سيأتي بعدها بنفس الصفات والعناصر شبيه لهذه الحضارة ولهذا النموذج، تكون حضارة تسير في مصير الحضارات البائدة التي دمرت نفسها بنفسها.
الحضارة المفقودة
وسمّيت حضارتها بأرم ذات العماد، هذه المدينة إرم يُقال أنها تقع بين عمان واليمن في منطقة تسمى الأحقاف، هذه المنطقة وهي الحضارة العربية الأولى، والتي تسمى الآن بالربع الخالي، وهي منطقة صحراوية كبيرة جدا ولا يستطيع أحد الوصول إليها، ولحد الآن لم يُعثَر على آثار هذه المدينة.
وسبب بناء هذه المدينة ان شداد بن عاد هو ملك عربي أحد ملوك قوم عاد من العرب البائدة، دعاه نبي الله هود إلى الإيمان بالله، فاحتج على النبي بأن ما هي مكافئة الإيمان بالله، فكان جواب نبي الله هود بأنها الجنة التي عرضها السموات والأرض ورضا الله، فتكبر وأراد أن يتحدى الله ونبيه بأن يصنع جنة أفضل من جنة الله سبحانه وتعالى.
واستمر في بناء هذه الجنة قرابة 500 عام، زرع فيها كل الأشجار وبنى فيها قصوراً من ذهب وجواري حسناوات وشق فيها الأنهار ونثر فيها كل الأحجار الكريمة كالزمرد، فكانوا يقطعون الجبل كاملا ويصنعون منه أعمدة ويبنون فيها بنايات عالية، تشابه اليوم العمارات العالية وناطحات السحاب، فلما جهزت الجنة، أنزل الله على قوم عاد العذاب بكفرهم بالله وبرسوله وكان مصير الجنة المزعومة الخراب والدمار.
منطقة الربع الخالي أو هذه المنطقة الواقعة بين اليمن وعمان، كانت في ذلك الوقت عامرة بالاخضرار وفيها طبيعة جميلة، وكل النعم موجودة فيها، بينما الآن هي صحراء قاحلة إذا دخلها أي إنسان يضيع فيها وينتهي ويموت، لكنها كانت في ذلك الوقت ذات طبيعة زاهرة فيها جنائن وأشجار ومتوفرة فيها كل النِعَم.
يُقال في زمن العصر الجليدي، وهذه (احتمالات)، أن العصر الجليدي في شمال الكرة الأرضية كله ثلوج، وفي الوسط كان الجو معتدلا، فكانت منطقة الجزيرة العربية كلها غابات، وطبيعة جميلة، إلى أن حصلت التغييرات المناخية (كما يحصل اليوم) وانحسرت الطبيعة وتحولت إلى صحراء قاحلة بسبب تعامل البشر بصورة غير صحيحة مع الطبيعة.
فهذا الشخص تحدى الله وبنى جنة فيها الأعمدة وسواها، ولكن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه عقابه وبالنتيجة أصبحت هذه المدينة تحت الأرض، وسميت بالمدينة المفقودة، فلم يستطع أحد أن يجد هذه المدينة، فقد بحث كثير من علماء الآثار عن هذه المدينة وقالوا بأنهم وجدوا بعض الآثار لكن هذه المدينة مدفونة تحت الأرض.
ويقال أنها مدفونة تحت الأرض بمسافة من 100 إلى 200 متر، أي أنها في الأعماق، ويُقال أنه تحت كل مدينة مدينة مندثرة وهكذا، وقد لاحظتُ هذا الشيء عندما ذهبت إلى آثار بابل، حيث سألت الشخص المسؤول عن الآثار، فقال هذه حضارة (نبوخذ نصر) بحدود 500 سنة قبل الميلاد، فسألته أين حضارة حمورابي فقال إن آثار حمورابي تحت آثار نبوخذ نصر فلا نستطيع الوصول اليها، وإذا أردنا أن نصل الى آثار حضارة حمورابي لابد أن نزيل آثار نبوخذ نصر، وقد رأيت في تلك المنطقة القصر الذي بناه الطاغية البائد صدام، وقد بنى ثلاثة كثبان جبلية، وأحد هذه الجبال فوقه القصر، والجبل الثاني موجود عند برج بابل، حيث أراد ان يربط بينها بالقطار المعلق (تلفريك).
فهذا الطاغية جاء وبنى آثاره فوق آثار طاغية ثانِ، لكن الله سبحانه وتعالى لم يمهله، فكل من يريد أن يبني ريعا من أجل التفاخر والطغيان وعبر البطش والفساد، فهذا بالنتيجة يكون تحديا أمام الله سبحانه وتعالى، فلا يحصل على العاقبة الحسنة.
السنن القرآنية في سقوط الأمم
لابد أن نستفيد من القصص القرآنية من أجل تحسين واقع حياتنا اليومية، فكل هذه القصص التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم هي مرآة لنا، علينا أن نرى حياتنا، فهل نحن نعيش مثل تلك الأمم التي تعيش في ظل الطغيان والكفر؟، والكفر هنا يعني أيضا الكفر بالنعمة، والذين لايؤمنون بالله هم كفار لأنهم لايشكرون المنعم بطاعته.
الحضارات في الاغلب تتفاخر بالإنجازات والمؤرخون يقيسون التفوق بالعمارة والفنون والهيمنة والملكية والمظاهر الترفية. فهل هذا فعلا يمثل الحضارة؟
الحضارة يفهمها البعض من خلال انجازات الرسامين مثلا بيكاسو أو سلفادور دالي، وعبر التفاخر ببناء ناطحات السحاب والأبراج والمتاحف وتشييد الأبنية الفاخرة وينظرون إليها باعتبارها رمزا للتقدم والحضارة، بينما في الواقع الحضارة ليست هذه، وإنما هي حضارة الأنبياء حضارة القيم، والأخلاق والإنسانية والتقوى، وشكر النعمة، وهذا نجده في القرآن الكريم.
هناك قوانين يطرحها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، تبين لنا العواقب في الحياة، وهي قوانين تكوينية ومنها ينبثق القانون التشريعي الالهي، والفرق بينها وبين القوانين الوضعية، أن القانون الوضعي هو اعتباري منبثق من استحسانات البشر ومصالحهم الخاصة، أما القانون التشريعي الإلهي فهو منبثق من القانون التكويني، فمثله مثل القانون التكويني إذا لم يلتزم به بصورة صحيحة سوف يسقط.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى ذكر قوانين تكوينية وسنن تاريخية تقوم بها الأمم وتحيا، او تندثر بها وتموت، ومن ضمنها:
أولا: قانون الاضمحلال الحضاري
يقول الله سبحانه وتعالى: (ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ، مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ، ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ) {المؤمنون/44}
هكذا دائما الحركة التاريخية للأمم والحضارات هي حركة النشوء والولادة، بدء بالطفولة والمراهقة والشباب مرورا إلى الشيخوخة ثم تنتهي هذه الحضارات كما ينتهي الإنسان (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ) يس 68. فالحضارة مثل الإنسان لها بداية ونهاية، فقانون الاضمحلال الحضاري الذي ذكره القرآن الكريم، وأنه هناك عمر خاص لكل أمة، بسبب عدم اعتبار افراد المجتمعات والأمم من التجارب السابقة وانقلابها على قوانين وسنن الحياة، فتسير نحو هلاكها عبر التآكل والاضمحلال، كالإنسان الذي لايبالي بشروط الصحة وانماط الحياة السليمة فيصاب بالأمراض التي تأخذه نحو الموت او تدريجيا او دفعة واحدة.
(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) الكهف 59.
فهناك موعد بل وعد، فهو وعد وموعد إلهي بأنه كل من يكسر هذا القانون سوف ينهار ويسقط، فهناك موعد لنهاية هذه الحضارة بسبب السلوكيات الشريرة والسيئة التي ترتكبها، وهناك قانون وضعه الله سبحانه وتعالى من أجل يعتبر الإنسان ويتكامل وينبني بطريقة معنوية صحيحة.
ثانيا: قانون البطر والطغيان
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) القصص 58
إن وجود الإنسان مؤقت في هذه الدنيا، وهو من أجل الامتحان والاختبار، لكن الإنسان يريد أن يخلد، فيبحث عن الثروة ويجمع المال، ويبني القصور والعمارات، يريد أن يخلّد اسمه، ويخلد نفسه، (الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ، يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ) الهمزة 3. ولكنه لن يخلد في الدنيا، التي هي مجرد مرحلة انتقالية، لذلك عندما تتكون عنده ثروة وتتراكم له أموال كثيرة تحدث عنده حالة الطغيان.
فيبدأ التمرد أولا، ومن ثم يأتي بعد التمرد الطغيان، ومن بعد الطغيان يأتي البطَر، فيكفر بالنِعَم الكثيرة كما حصل مع قوم عاد، أنذرهم كثيرا لكنهم كانوا متبطرين، وكلمة بطر تعني الطغيان المتصاعد بالغرور بسبب كثرة النعم.
لذا نلاحظ بعض الدول تمتلك الثروات الهائلة والصواريخ النووية والصناعات الهائلة والتقدم العلمي، فوصلت إلى مرحلة من التكبّر والبَطر، وكفرت بنعم الله سبحانه وتعالى، ولكن نحن نلاحظ بعض الآثار للانهيار الذي قد يحدث في أية لحظة، وهم يعلنون ذلك ويقولون، في أية لحظة قد ينهار السلام العالمي.
وقد تحصل الحرب النووية بوجود أسلحة تصل إلى 30 ألف رأس نووي في العالم، وربما 5% من هذه الكمية من الأسلحة النووية تكتفي لفناء العالم كله، فهذا البطر وهذه القوة الغاشمة بالنتيجة لن تكون في صالحها بل تحمل في احشائها عناصر دمارها.
ثالثا: قانون النسيان وضياع الذاكرة
(وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) الزمر 27.
ليس هناك شيء ينساه الإنسان، فكل شيء موجود في ذاكرته، لكنه يحتاج إلى التذكّر، لهذا يخاطبهم الله سبحانه وتعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى، أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) {طه/128}.
فالإنسان هو الذي ينسى نفسه، ضميره حاضر وعقله موجود، يقول له هذا تبطّر، هذا كفر، هذا طغيان، ولكن هذا الإنسان يبقى يتناسى (لأسباب ثانية سوف نذكرها)، وبالنتيجة هذا التناسي يجعله في مواجهة الله سبحانه وتعالى، ويسأل (كنتُ بصيرا لمً حشرتني معهم) فيأتيه كل هذه العبر والتاريخ والقصص تراها أمامك، والأمم والمجتمعات تراها كيف تسقط، مع ذلك لا تشكر على هذه النعمة الموفورة، فيكون أعمى في الدنيا ويُحشر في الآخرة مع الخاسرين، الذين غرقوا في الإسراف والتمتع واللذة المادية.
رابعا: قانون المغالطات
من المهم جدا أن قراءة القرآن الكريم بتأمل وتدبر، لأن الإنسان عندما يقرأ القرآن لابد أن يرى نفسه في هذا الكتاب الكريم، وأين موضعه فيه، وفي أي آية قرآنية، فالآيات مرايا لنا، لكن طبيعة البشر إثارة الجدال فقط، ولكن لا بأس اذا كان يناقش لفهم الحقيقة والوصول إليها.
لكن هناك من يريد أن يجادل فقط، لماذا كذا وكذا ولماذا هذا الأمر لا يجوز ومن قال ذلك حول الحجاب مثلا، وهكذا يجادل في هذه الأمور لكي يثبت وجهة نظره، ويسير على الطريقة التي اختارها هو وسار فيها وإن كانت حراما، وإن كان فيها تجاوزا لحدود الله سبحانه وتعالى. هذه هي طبيعة الإنسان يغالط الآخرين لتبرير سلوكياته.
هذه المشكلة موجودة في الإنسان. وعندما يكون المجتمع من هذا النوع فهذا يعني السقوط لأنه يصبح أعمى كما جاء في الآية القرآنية.
والإنسان الذي يعيش أعمى سوف يسقط في أي يوم قادم داخل حفرة من الحفر، لذا فالمغالطة تعني إصرار الإنسان على البقاء أعمى، ولا يريد أن يرى الحقيقة ولا يرى الواقع، هذا هو قانون المغالطات والنسبيات، حيث ندخل في الجدال حول كل شيء، ونقع بالنتيجة في الخطأ، وكل شيء حلال ولا يوجد شيء خطأ أو محرّم وهذا هو قانون السفسطة، حيث يجعل كل شيء مباح لنا، وفق قانون الحرية الشخصية فنتجاوز كل الحدود. وهناك أناس كثيرون يتجاوزون الحدود من أجل تحليل الحرام.
(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) الكهف 54.
إنهم يناقشون النبي هود، يقول لهم إن كل هذه النعمة هي من الله سبحانه وتعالى وهناك آيات كثيرة تؤكد ذلك لا يسمح المجال بذكرها، وهناك آيات كلها تؤكد على تكرار الجدال، إلى أن وصلوا إلى النتيجة النهائية وهي وقوع العذاب عليهم، نتيجة لخلطهم الحق بالباطل بالجدل والمغالطة.
بالطبع نحن نذكر هذه القوانين حتى نتعلم ونعلم أبناءنا، حتى نمشي على طريق الحقيقة، وطريق الواقع، ولا نسير في طريق الالتواء، عبر التدبر في آيات القرآن الحكيم التي تكشف زيف المغالطة، عبر انارة الطريق وشفاء القلوب من الأوهام المزيفة، (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) الإسراء 82
هذا هو الشفاء الحقيقي للإنسان، وما عداه كله مرض مثل مرض الطغيان والبطَر، ومرض الكفر، وهناك أمراض في فكر الإنسان، أمراض نفسية تجعله يتعالى ويتكبّر ويتجبّر ويميل لمصالحه الخاصة.
القرآن هو الذي يجعلنا نرى الطريق السليم، إنه شفاء لأفكارنا، لعقائدنا، يرى في القرآن شفاء، ولا يقرأ القرآن، ولا يتعلم من القرآن فهو ظالم لنفسه، وتزداد خسائره ودائما يكون في حالة خسارة.
وعن الإمام علي (عليه السلام): (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَاقَةٍ وَلَا لِأَحَدٍ قَبْلَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى لَأْوَائِكُمْ –الشدة- فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلَالُ)(1)، فكل هذه النقاط التي ذكرها الإمام تواجه الإنسان الذي لا يقرأ القرآن بتفكر وتعقل، ويبقى يمشي اعمى في الطريق الخاسر وهو طريق النفاق.
أسباب سقوط قوم عاد
في قضية النبي هود وقوم عاد، نرجع لها، فهي عبرة للأمم، فعندما نريد أن نتقدم في حياتنا، وقد عشنا الفقر والحرمان، فماذا نفعل؟ نقرأ النماذج في الأمم المتقدمة، أو نستورد نموذجا، كما نفعل الآن، فحياتنا كلها عبارة عن استيراد، الملابس، الطعام، كل شيء نستورده من الخارج، فنقرأ نموذجا معينا، ولكن هذا النموذج الذي نقرأه هل هو نموذج صالح؟، فقضية قوم عاد نموذج لنا حتى نستطيع أن نستكشف النموذج الصحيح في حياتنا.
هناك مجموعة أسباب أدت الى سقوط قوم عاد منها:
أولا: فقدان التقوى
قال الله سبحانه وتعالى في الآية: القرآنية الكريمة ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾.سورة الأعراف، الآية 65،
التقوى هي الحصن يحمي الانسان ويقيه من المخاطر والآفات، فالذي يحصّن المرأة مثلا، أما التقاليد وقد تتغير او تنهار بتغير الظروف المكانية والزمانية، لكن الذي يحصنها هو التقوى، والتورع عن ارتكاب الحرام، هو الذي يجعلها متمسكة بالحجاب.
فالتقوى هي الحصن الذي يحمي الأمة، من خلال التعاون بالتقوى على الخير والتورع عن الحرام، ولكن إذا كانت الامة او الإنسان لا يتورع عن الحرام، واذا سقط فيه ولم يستغفر ربه، ولم يحاسب نفسه، تنهار عنده التقوى، وتبدأ عملية تراكم وسلسلة متصاعدة من الانحرافات، تستمر في الانحراف يبدأ من لحظة انهيار التقوى، بارتكاب الذنوب والمعاصي، والغرور والتكبر والحرص على الدنيا، ومن ثم النفاق وصولا إلى الكفر.
هذا هو أكبر الأسباب في قضية انحراف قوم عاد، لأنهم كانوا سابقا قوم مؤمنين، ولكن عندما رأوا هذه الدنيا طوع أيديهم استكبرا واستعلوا وطغوا في البلاد ووعدوا أنفسهم بجنتهم الخاصة، كما يحدث اليوم في الدول الغربية حيث وصلوا اليوم إلى هذا التقدم الكبير جدا، وقالوا هذه هي نهاية التاريخ، فقد وصلنا الى النهاية وحققنا الجنة الموعودة.
ثانيا: تكذيب الرسل
(قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) الأعراف 66.
إنهم يعرفون أنه رسول مرسَل إليهم، فهو أخوهم، من أقاربهم، وهم يعرفونه جيدا، ومع ذلك كذّبوه، واتهموه بأنه سفيه ومجنون، كما وصفوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه ساحر مجنون، هم يعرفون بأنه رسول ولكن يكذبونه بسبب الطغيان.
ثالثا: التزييف
وهذا سبب من أسباب السقوط، وهو التزييف والتضليل واختلاق العقائد، فكل أمة وكل إنسان لابد أن يكون عنده شيء يستند عليه، لذلك لابد أن يقتدي بما جاء من الله تعالى، حتى تصبح عنده شرعية، ولكن اذا أراد أن لا يلتزم بأحكام الله وبالتوحيد وبالنبوة وبالإمامة والمعاد، فإنه يخلق له بنيانا خاصا، بنيانا فكريا قائم على التضليل والتزييف واختلاق الحرام، كما يفعل جيوش كبيرة من الفلاسفة والمفكرين، هؤلاء عملهم فقط اختلاق الأفكار حتى يخدعون الناس بها.
ولهذا نلاحظ أن التضليل والتزييف قوي جدا، في حضارات الطغيان، كما كان يفعل السَحَرة، لكن هؤلاء اعتمدوا الثقافة والعلم مع اختلاف الأفكار والسبل لتزييف الحقائق، أو عن طريق الافتراء على الآخرين، وهي عملية خلق الحقيقة الكاذبة وتحويلها إلى حقيقة، أي أنها تظهر بأنها صادقة ولكن هي جزء من الحقيقة، وهو ما يسمى بالمغالطة.
(وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ) هود 50.
وعملية اختلاق الحقائق هي جوهر التضليل والتزييف الموجود في شبكات التواصل الاجتماعي حيث تؤثر كثيرا خصوصا على أبنائنا الذين يصبحون أبناء شبكات التواصل الاجتماعي، وما تطرحه من سلوكيات ومن قيم، فباتوا يسرقون أبناءنا، فيكونون أبناءهم فكريا عبر الصناعة الثقافية، لذا جزء كبير من الأبناء ينسلخون عن مجتمعاتهم لأنهم أصبحوا أبناء تلك الأمم التي سيطرت على أفكارهم.
كذلك يأتون ويخلقون شريعة خاصة بهم، فيحلل أحدهم الحرام، فهناك بعض رجال الدين بعض الأشخاص بعض الناس يحللون الحرام، ويطرح التشكيك بالشكل التالي (من يقول إن هذا الشيء حرام، ومن يقول بأن الحجاب واجب؟ ومن يقول بأن الخمر حرام)، وهكذا من هذه الأمور يتم طرح الكثير.
الآية القرآنية تجيبهم:
(وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النحل 117.
ولا يفلحون لأن الافتراء ينكشف بما يحققه من نتائج سيئة ووخيمة، فالبقاء والنجاح للخير والصالح، فكذبهم هو (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
رابعا: التجبّر والبطش ووهم القوة
هنا يحاولون أن يسيطروا بالقوة والسلاح، ويضربون الناس ويسفكون دماءهم، ويبنون البنايات الشاهقة على أكتاف المهمشين، هذا ما فعلته الكثير من الحضارات كالحضارة الفرعونية، وكذلك فإن الرأسمالية الغربية والحضارة الأمريكية بالخصوص قامت على استرقاق العبيد، والعمالة الرخيصة، فالماركات العالمية الموجودة في الملابس هي تُصنع في الدول الفقيرة مثل بنغلادش بأقل الأسعار، فيكون الربح 1000%، وكل هذا على أكتاف الاستعباد، فهذه القوة وهذا الصعود يقوم على أكتاف الناس المظلومين.
(فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت 15.
(وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) هود 59.
وكذلك جاء في الآية القرآنية: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) الشعراء 130. فكل هذه المصانع والآلات كما ذكرنا يصنعونها لكي يستخدموها للبطش.
خامسا: الترف
لأن الترف يجعل الإنسان يشعر بالاسترخاء، وعندما يسترخي في حياته بالنتيجة لا يمتثل، ولا يتذكر، ولا يهتم، ولا يتابع ويتغافل ويتناسى، ومن ثم تبدأ رحلة العصيان والغرق في الحرام.
(وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) الإسراء 16.
سادسا: العدمية
العدمية تعني كما يزعمون (نحن موجودين في هذه الدنيا فقط)، أما غير هذه الدنيا فهو عبث، هذا هو معنى العدمية، النور هو الذي نعيشه في الدنيا، وما بعد الدنيا فهو ظلام، فحياتنا هي فقط ما نعيشه الآن، فالإنسان الذي يفكر بهذا المنطق هو نفس خطاب قوم عاد (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) المؤمنون 37.
هذا الخطاب يجعل الإنسان يعيش بلا حدود، يتجاوز على كل شيء، لا توجد عنده عواقب ولا يفكر فيها، دائما يطغى ويقتل ويكون مجرما (ولا تتولوا المجرمين)، قضية التسلسل المنطقي لانهيار الحضارات تحدث عندما يضلوا الطريق وتكون علاقتهم قوية بالانحراف إلى أن يصلوا للإجرام، والبطش والطغيان.
هذه الأمور تؤدي بالإنسان إلى عدم التفكير بالعواقب. هكذا ينهي حياته، ويتمسك بها كما هي، وهذا هو قمة العبث، وهذا من أسباب انهيار الحضارات، هذه النقطة مهمة جدا وقد تناولتها في محاضرة سابقة. العبث يعني أننا لا نمتلك حياة قائمة على غاية.
اليوم يتسابقون على صنع ناطحات السحاب، ومن هو الذي يبنى الأعلى بين الدول، فما الذي يستفيد منه الناس؟، لا توجد أية فائدة فيها، فقط علامة في المستقبل للطغاة، فإلى أين وصل الطاغية، الله باقٍ وهم زائلون، فهو عبث بلا غاية.
سابعا: الاستهزاء بمنظومة القيم
كذلك الاستهزاء بقيمنا وتقاليدنا، وعقائدنا، كما نلاحظ هذا الاستهزاء الموجود اليوم في بعض المجتمعات، هناك تشكيك وشبهات فيقولون هذا تخلف، فالحداثة الموجودة أنهت هذه القضايا المتخلفة كما يقولون، فزالت هذه القيم، هذا هو منطقهم، اليوم يسمونهم بالمتخلفين أو بتسميات أخرى.
المرأة التي تلبس الحجاب في نظرهم متخلفة، الإنسان الملتزم بالأحكام الشرعية متخلف في رأيهم، أو متزمت، هؤلاء يستهزئون بهذه القيم الدينية والأخلاقية، والإنسان الذي يكون لديه عمل طوعي في سبيل الله، فهذا الإنسان غبي ولا يفهم الحياة في نظرهم، الإنسان الشاطر هو الذي يعرف كيف يجمع الأموال بغض النظر عن المشروعية، فيستهزئون بالملتزم.
ولديهم هدف هو تفكيك كل منظومات القيم الإنسانية الدينية، وتدميرها بشكل تام، حتى يمكنهم السيطرة على الناس، وجعلهم بلا ماضِ، بلا قيم، بلا دين، بلا وجود، بلا أسس، يتلاعبون بالإنسان كما يتلاعبون بالكرة.
(قَالُوا سَوَاء عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ، إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) الشعراء 137.
هكذا يكون عنده طغيان لدرجة أنه يتنكر للشيء الذي ارتفع به وصعد به ومكنه، وهذا يعني أن الحضارة قامت على أكتاف أناس هم الذين بنوها، فيأتي الطاغي وينكر القيم، مثل الابن الذي يتمرد على أبيه، باعتبار أن الأب شيء قديم والابن شيء جديد، لكن الآية القرآنية تجيبهم:
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون) الأحقاف 26. الاستهزاء يقودهم إلى أن تنقلب عليهم الأمور بنكران الحقيقة والكفر بالنعم وانحرافهم عن الواقع.
لذا على الإنسان أن لا يستهزئ بالآخرين، نعم من حقه أن يحاورهم، لأن الاستهزاء هو طريق لأولئك الجاحدين لأنه يعرف في داخل نفسه إنه حقيقة وحق، ولكنه يستهزئ حتى يغطي على ضعفه، وعلى فشله، فالاستهزاء طريقة الضعفاء، يحاولون أن يغطوا ضعفهم وفشلهم.
لابد أنكم لاحظتم التنمر الموجود في المدارس، دائما يتنمرون على الطالب الناجح، حيث يستهزئ به الفاشلون، فلأنه فاشل يتنمر على هذا الإنسان الناجح.
ثامنا: الخواء المعنوي
حينما يركز الأفراد والأمم على قضية البناء الظاهري والأبنية الصاخبة والأشكال المادية، يصبح الداخل فارغا، ليس فيه قيمة، فالإنسان ليس وجودا ماديا، بل الوجود المادي هو مجرد وسيلة لهذا الإنسان، لأن الإنسان هو روح وعقل ونفس وذكر وقيم وفطرة.
فليس من المعقول أن نختزل الأمة والفرد بهذا الوجود المادي، وليس من المعقول أن المرأة التي خلقها الله سبحانه وتعالى بهذا الكيان تختزل وجودها بالشكل النسوي عبر عمليات التجميل، ماذا تعني عمليات التجميل، إنها الخواء المعنوي الذي تعاني منه، فتركز على شكلها الخارجي وهذا خطأ كبير.
فقوة المرأة وقوة الإنسان يكمن في ذلك الامتلاء المعنوي، عند هذه الأمة وهذا الفرد، لذلك نلاحظ كلما تزداد الأمة خواء معنويا تسقط وتفشل، وتزداد فيها الانحرافات والمشكلات والأزمات.
(وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ، سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ، فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) الحاقة 8.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين الفارق بين الوجود المادي والوجود المعنوي، (كأنهم أعجاز نخل خاوية)، إنه تشبيه جميل، فليس لهم وجود حقيقي، وهم الذين أنهوا وجودهم بأنفسهم، صحيح إن الله سبحانه وتعالى أنزل عليهم العذاب، ولكن هم الذين أنهوا وجودهم عندما فقدوا تلك الغاية وذلك الوجود وتمسكوا بالعبث الكبير الذي عاشوه وصنعوه من خلال الأبراج والأبنية.
أسباب نجاة الأمم وتقدمها
ولكي تعتبر الأمم من تاريخ الماضين لابد ان تعرف أسباب النجاة وعدم السقوط في العذاب والمآسي والكوارث، ومنها:
أولا: شكر النِعَم
هذا هو اهم طريق للتقدم والبقاء، فالنبي هود يخاطبهم،
(فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف 69.
عندما يعيش الإنسان حالة فقر وضنك ينزعج، لذا يريد أن يعيش في الخير والنِعَم، لكنه لابد أن لا يكفر بالنعم، ولا يكون بطرا حتى يكون ناجيا، فالإنسان الذي يشكر يكون ناجيا في حياته.
ثانيا: قبول النصيحة
لابد لكل إنسان ناصح أمين، ولا يجب أن يكون الإنسان متفردا في رأيه، ولا يكون مستبدا في قراره، دائما يجب أن يكون هناك ناصح ينصحه، والنبي هود قال لقومه:
(أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) {الأعراف/68}
فأنا الناصح الأمين لكم وأنصحكم وأريكم العواقب، وأريكم النهايات، لابد أن تحافظوا على النهايات الصحيحة، ولا تغامروا في النهايات الخطرة التي تودي بكم إلى الهلاك.
فالأمم تسقط بتمردها على النصيحة وكذلك الافراد، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش).(2)
ثالثا: الأجر المعنوي
الأجر المعنوي هو الذي يبني الأمم وليس الأجر المادي، وهذا هو منهج الأنبياء (قل لا أسألكم عليه أجرا)، طبعا رسول الله صلى الله عليه وآله قال (لا أسألكم عليه أجرا غير المودة بالقربى)، المودة تعني المحبة والطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) الذين طريق النجاة للامة، لذلك مودتهم هو قمة الاجر المعنوي، فالأجر المعنوي هو الأهم، وعندما تنشغل الأمة بالأمور المادية هذه الأمة تنتهي وتفشل.
قوم هود يقولون للنبي هود إنك تريد أن تسيطر علينا حتى تكون عندك أموال، فيجيبهم:
(قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) هود 51.
فليس كل شيء يقوم على المادة والأموال، هناك أشياء أعظم وأكبر، والعمل الصالح هو الذي قام عليه الصالحون، لذلك الإنسان الصالح العاقل هو الذي يفكر بالأجر المعنوي ولا ينحصر تفكيره في القضايا المادية.
رابعا: الاستغفار والرجوع
(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ) هود 52.
فالاستغفار دائما يؤدي إلى التقوى، كما ذكرنا في البداية عن أهمية التقوى، يرسل عليكم السماء مدرارا، ويزيدكم قوة، هذه القوة الحقيقية وهي القوة المعنوية، وليست تلك القوة الخاوية التي لم تستطع حمايتهم، (ولا تتولوا مجرمين)، فالإنسان الذي لا يشكر النعم يدخل ويتورط في سلسلة من الانحرافات الكبيرة الطويلة الممتدة تصل به إلى النهاية.
كيف نبني؟
ولكن كيف نبني ما قد لا يوقعنا في تلك الانهيارات والسقوطات التي عصفت بالأمم؟
أولا: البناء بما يحتاج اليه
ماذا يحتاج الإنسان لكي يبني، يقول الإمام علي (عليه السلام):
الإمام علي: (مَعَاشِرَ النَّاسِ اتَّقُوا اللَّهَ، فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لَا يَبْلُغُهُ، وَ بَانٍ مَا لَا يَسْكُنُهُ، وَجَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُهُ)(3)، البناء لابد أن يكون بقدر الحاجة، حتى لا يخرج عن حده، حيث يستنزف الانسان بما يجعله فاقدا لغاياته الجوهرية. فلن يبلغ الانسان مايريد مهما بنى من أبراج شاهقة، ولن تشبعه تلك الأبراج العتيدة، فبرهة ومن ثم يصيبه الملل والضجر والإحباط.
ثانيا: البناء بالعواقب
(مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النحل 117.
بعض الناس يمتلك ثلاث أو أربع أو خمس دور، أو عشرة بيوت ويبني عمارات وسواها، وعنده شركات، لكن متاعه قليل وسوف ينتهي، فلا تتصور ابنك هو الوارث، الله سبحانه وتعالى هو الذي يرث الأرض.
(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) القصص 58.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن كل ما يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة، إلا ما لابد منه)(4)، يعني البناء بقدر الحاجة، فما يفيد هو بناء الأشياء الحقيقية التي تفيد الإنسان، أي نبني البناء المادي من أجل البناء المعنوي.
ثالثا: البناء بالغاية
فلكل خطوة غاية ومنتهى، ولكل لبنة بناء مطلوب، فالعمر محدود والدنيا قصيرة الاجل، ومابني لم يبنى لما هو مطلوب، وما هو مطلوب لم يبنى له، ولذلك فإن لكل بناء لابد ان يكون هدف والا أصبح عبثا ومضيعة للجهود وتعب بلا طائل.
وعن الامام علي (عليه السلام): (وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لَا يَأْكُلُ وَيَبْنِي مَا لَا يَسْكُنُ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا مَالًا حَمَلَ وَلَا بِنَاءً نَقَلَ)(6)، وقال الله تعالى في كتابه الحكيم: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) المؤمنون 115.
رابعا: البناء بالتواضع
وليس نبني من اجل الافتخار والتباهي على الناس، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: (من بنى بنيانا رياء وسمعة حمله يوم القيامة إلى سبع أرضين، ثم يطوقه نارا توقد في عنقه ثم يرمى به في النار، فقلنا: يا رسول الله كيف يبني رياء وسمعة؟ قال: يبني فضلا على ما يكفيه أو يبني مباهاة)(5).
خامسا: البناء بالتقوى
وتطرقنا لهذا الموضوع. فمن يؤسس ويبني على التقوى هذا هو البناء الصحيح. أما البناء الذي يؤسَّس على النفاق وفقدان الغاية والعبث هذا يؤدي به إلى الهاوية.
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوبة 110.
سادسا: البناء المعنوي
يجب التركيز على البناء المعنوي والمساكن الطيبة، فالبيت الجيد والسكن الحقيقي للإنسان هو الذي يرفل بالأخلاق الطيبة والمحبة والتقوى وطاعة الله سبحانه وتعالى، والمسكن الطيب هو التربية الصحيحة لأبنائنا وتعليمه على الالتزام بالأحكام الشرعية.
أن نبني بيوتنا بهذه الطريقة، نعم نبني ويكون لنا بيت بقدر حاجتنا، ولا بأس أن يكون واسع وجيد، ولكن لابد أن يكون الأساس هو البناء التربوي.
(وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة 72.
المسكن الطيب، يكون جنة في الآخرة، عندما يكون للإنسان مسكن طيب في الدنيا من خلال نفس النموذج الذي وضعه الله سبحانه وتعالى لنا، في قضية الجنة، تقول الآية الكريمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم 21.
المودة والرحمة هو السكن الحقيقي للإنسان، وهذا هو معنى المساكن الطيبة ومعنى البناء المعنوي.
الإنسان يبحث عن الشيء الطيب والحياة الهانئة وهذا لن يتحقق الا بالتربية المعنوية والبناء المعنوي، بحيث لا تأخذنا المظاهر المادية إلى طريق بعيد عن الله سبحانه وتعالى، وإلا نصبح حالنا حال قوم عاد وقد وصلوا إلى هذه المرحلة من الانهيار.
اليوم الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بالانفتاح والفرج، فلابد أن نستثمر هذا الفرج وهذا الانفتاح لنطبق القوانين الصحيحة التي وضعها الله سبحانه وتعالى لنا من خلال القرآن الكريم، ومن خلال أهل البيت عليهم السلام، أحاديثهم ورواياتهم التي تحثنا على البناء المعنوي، على بناء النفس والعمل بالصالحات.
منهج العمل بالصالحات هو من أهم السبل في البناء المعنوي للإنسان، ونعلم أبناءنا على هذه السبل الصحيحة، ونعمل على البناء الحقيقي للإنسان، الذي يجعله يرتقي إلى الأعلى وليس الى ناطحات السحاب، التربية السامية والبناء المعنوي السامي هو الذي يؤدي بالإنسان أن يرتقي ويتقدم وينجو فيحصل على الجنة التي وعد الله سبحانه وتعالى بها المتقين.