متى تمتد يد الحكومة لضفاف الأنهار؟
مصطفى ملا هذال
2024-06-02 05:41
من سمات الحكومات الناجحة هو الاعتناء بكل ما يخدم شعوبها في المجالات الخدمية والصحية والتعليمية، وكذلك السياحية، ففي المجال السياحي هنالك تقصير واضح فيما يخص تأهيل ضفاف الأنهار التي بقيت مجردة من ابسط الخدمات التي تبين اهتمام الحكومة في الجوانب الترفيهية والخدمة للمواطنين، فمتى تمتد يد الحكومة لضفاف الأنهار؟
انعم الله على العراق بضفاف انهار كثيرة نظرا لوجود نهرين وتفرعاتهما في اغلب المدن العراقية، ومما يؤسف له ان جميع اكتاف الأنهار خالية من أي مظاهر للحياة، تفتقر الى وجود مرافق خدمية توفر الراحة لمواطني هذه المحافظة او تلك المدينة.
في بغداد يوجد مقهى البيروتي منذ عشرات السنين ولا يزال يحتضن مئات الافراد يوميا، ويشعرهم بحالة من الاسترخاء والراحة حتى أصبح متنفس لكثير من الاسر البغدادية وكذلك صار مقصدا للعوائل من جميع المحافظات للتخفيف عن ضغوطها.
ولا يوجد مكان او مرفق ينافس مقهى البيروتي على ضفاف دجلة الا أماكن غير معروفة بالنسبة للطبقات الاجتماعية الفقيرة او المتوسطة، ويقتصر التواجد فيها على الأغنياء، فكل ما يقدم فيها وترتيب أماكن الجلوس والاستقبال وغيرها من الأمور توحي انها صممت ليس لعامة الناس.
وعندما نغادر بغداد الى المدن العراقية الأخرى التي لها إطلالة على نهري دجلة والفرات نشاهد ارصفة كورنيش فقيرة للغاية، لا يوجد فيها سوى مصاطب للجلوس تجبرك على النهوض مبكرا نظرا لشعور عدم الراحة الذي يتسلل اليك، الى جانب ذلك وجود بعض الاكشاك التابعة للأهالي توفر قناني المياه والعصائر، في الوقت الذي تعده الحكومات المحلية انجازا كبيرا يحسب لها على الصعيد الترفيهي!
ضفاف الأنهار في البلاد يمكن ان تكون مرفقا سياحيا مرتادا لو حسن تأهيلها بالشكل الذي يجعلها وجهة من وجهات الأهالي الذين فضلوا الذهاب الى المولات التجارية الصاخبة والمفتقرة لهدوء الضفاف وما تحملها من جماليات قادرة لتكون عوامل جذب للأسر الباحثة عن النزهة.
ويقف بوجه تحقيق هذه الغاية التي تعم فائدتها على الجميع هو خضوع اغلب ضفاف الأنهار في بغداد والمحافظات الى التجاوزات من قبل الأهالي وبعض الجهات التابعة لجهات حزبية، اذ تمثل هذه التجاوزات خط الصد الذي يمنع الجهات التنفيذية المباشرة بالمشروعات المهمة والنافعة بشكل ملموس.
وجود هذه التجاوزات يضع الجهات الحكومية امام مهمة خدمية جديدة عليها الشروع بها والاهتمام فيها، فالالتفات اليها يخلق انطباعا إيجابيا لدى المواطنين بأن جميع ارض البلاد قابلة للاستثمار ولا يمكن اهمال هذه المرافق الحيوية والضرورية بالنسبة للمواطنين الباحثين عن اماكن لاستيعاب وسد احتياجاتهم.
تأهيل ضفاف الأنهار ينبغي ان يكون مدروسا وعلى أسس علمية مشابهة لدول سبقتنا في المضمار السياحي، فالتأهيل يمكن ان يكون إضافة ضرورية للسياحة الداخلية، وأحد الأسس المهمة في هذا الجانب هو الاعتماد على إعطاء الرخص الاستثمارية لمستثمرين داخليين، وفق شروط تضمن جودة تقديم الخدمات للمواطنين وبأسعار تتماشى والحالة الاقتصادية للأفراد.
فالسياحة الداخلية تكون أكثر اتاحة لو بُنيت على أسس يراعى فيها كل ما يجلب السياح من أماكن للإقامة المؤقتة والدائمة، فضلاً عن بقية الخدمات المكملة من كافيهات ومطاعم ومحال لمواد الغذائية وغيرها، لتبقى الضفاف مقصداً لمن أراد أن يجعل للسياحة الداخلية نكهتها الجميلة المميزة، وصولا لغايات اقتصادية وترفيهية، ومتنفسا طبيعيا.
إن تأهيل الضفاف النهرية بات ضرورة ملحة لا بد أن يُعطى أولوية في سلم أولويات التنمية المستدامة، وأن تُسخر له كل الجهود البشرية والتكنولوجية والمالية في سبيل جعلها وجهة سياحية مقصودة في الداخل والخارج، لتعظيم الإيرادات الاقتصادية وإنعاش خزينة البلد المعتمدة على الاقتصاد الأحادي.