مصادر القوّة والسلطة في العراق
القوّة العسكرية -3-
منقذ داغر
2024-05-04 05:30
اواصل في هذا المقال استعراض دور القوة العسكرية في العراق كاحد اهم مصادر القوة والسلطة الاجتماعية في العراق.
وبعد ان استعرضت دور المؤسسة العسكرية العراقي منذ تاسيسها في عام 1921 ولغاية احتلال العراق في 2003، اكرس مقال اليوم لدور المؤسسة العسكرية كمصدر قوة اجتماعية في مرحلة ما بعد سقوط النظام السابق في 2003.
المرحلة الثالثة (من 2003 الى الان)، شهد الربع الاول من 2003 احتلال العراق من قبل قوات التحالف الامريكي-البريطاني المدعوم من بعض دول العالم. وقد جاء هذا الاحتلال بعد معارك اسهل واسرع مما كان متوقعا (من كثير من المراقبين والعامة) خاضتها القوات الغازية مع الجيش العراقي الذي بولغ في امكاناته وقدراته القتالية الفعلية.
لقد تركت الحروب المتواصلة للجيش، وسنين الحصار الطويلة التي اوقفت تسليحه وتجهيزه عند عقد الثمانينات، فضلا عن سوء الادارة والتنظيم بخاصة على المستوى السوقي (او الاستراتيجي) وليس المستوى العملياتي، اثار مدمرة سواء في الجانب الهيكلي او الوظيفي.
ومما ضاعف من محنة الجيش العراقي مواجهته لاقوى قوة عسكرية واكثرها تطورا وتعقيدا جعلت احد القادة الميدانيين الكبار يخبرني اثناء المعركة «ان دباباته من طراز ت72 الروسية (وهي احدث ما كان يمتلكه العراق انذاك) تواجه اشباحا يقذفونها بصواريخ لا يرونها تصهر حديد الدبابة وتحولها الى علبة(قوطية) ممزقة في ثواني!
زاد في الطين بلّة ان صدام حسين دمّر منظومة القيادة والسيطرة السَوقية باناطته قيادة قواطع العمليات لاقاربه ومساعديه غير العسكريين وغير المهنيين والذين لم يخوضوا حربا في حياتهم. تفاعلت كل هذه الظروف التي ربما اعالجها تفصيلا في مكان اخر، لتؤدي لهذا الانهيار السريع وغير المتوقع للجيش والذي انتهى باحتلال بغداد وسقوط النظام في 9 نيسان 2003.
وفي 23 مايس 2003 اصدر بريمر (الحاكم العسكري للعراق) القرار 2 القاضي بحل الجيش العراقي، في نفس اليوم الذي صدر فيه القرار 1 (اجتثاث البعث). هنا نلاحظ الربط الواضح في ذهن قوات الاحتلال ما بين النظام السابق وحزب البعث وجيش العراق ومؤسساته الامنية بحيث تم وضعها وبالتالي التخلص منها جميعا بسلة واحدة، وعلى الرغم من ادراك كل العالم بما فيهم الاميركان للخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه بريمر بحل الجيش العراقي والذي خلق فراغا امنيا كبيرا، الا ان بريمر دافع عن القرار في مذكراته مبررا ذلك باختفاء وتلاشي الجيش السابق، وراي جون ابي زيد قائد القوات الامريكية الذي حبذ حل الجيش السابق وتاسيس جيش جديد على انقاضه يكون مضمون الولاء للنظام الجديد، بخاصة وان ما سمي بالمعارضة العراقية التي تعاونت مع الاحتلال اكدت هي الاخرى على اهمية التخلص من الجيش السابق لخشيتها من عدم ولاءه لهم.
ان المراجعة المتانية والموضوعية لوثائق وتصريحات المسؤولين في تلك الفترة تؤشر بوضوح تضافر ثلاث ارادات ساهمت في حل الجيش العراقي السابق هي الارادة الامريكية (وبخاصة في وزارة الدفاع ومستشارية الامن القومي في واشنطن)، والارادة الاقليمية ممثلةً بدول الجوار مثل الكويت وايران اللتان عانتا من حروبهما مع العراق وارادتا التخلص من هذا الجيش، وارادة محلية مثلتها (المعارضة) العراقية بكل اطيافها الدينية والعلمانية (ربما باستثناء الوفاق الوطني بقيادة علاوي). وهكذا بدات مرحلة جديدة على انقاض الجيش العراقي السابق.
على الرغم من ان الدخول في التفاصيل الفنية واللوجستية التي احاطت بتشكيل الجيش العراقي الجديد لا تعني هذه السلسلة التي تركز اكثر على الجيش كمصدر قوة اجتماعية واثره في بقية مصادر القوة (الايدلوجيا والاقتصاد والسياسة) الا ان من الضروري التنبيه لنقاط محددة اثرت بشكل كبير في تجريد الجيش (الجديد) من قدرته التي كان يمارسها قبل 1968 كمصدر رئيس للقوة الاجتماعية في العراق.
وفي هذا السياق يمكن تمييز ثلاث مراحل مر بها الجيش العراقي"الجديد" فيما يتعلق بالادوار المناطة به، تبدأ المرحلة الاولى منذ صدور قرار بريمر رقم 22 لسنة 2003 ولغاية 2008 (دحر القاعدة والاتفاق على رحيل القوات الامريكية) وهي ما يمكن تسميته بالمرحلة التأسيسية للجيش الجديد، وهي ما ستكون محل الدراسة في الحلقات المقبلة.