سباق التسلح العالمي ينذر بخطر قادم

حيدر الاجودي

2024-03-23 08:10

تثير الصراعات والحروب في الشرق الاوسط، والتوترات المتزايدة في البحار والمضايق المخاوف من سرعة وتيرة التسلح التقليدي مع تفاقم الصراع الغربي الروسي والحرب الأوكرانية بجانب التوترات المستمرة في تايوان وبحر الصين الجنوبي بالإضافة إلى التهديدات الأمنية المصاحبة للتجارب النووية لكوريا الشمالية تحولات جذرية في المشهد العالمي، مما دفع بعض الدول إلى تغيير استراتيجيتها الدفاعية بزيادة الإنفاق العسكري وزيادة تسلح جيشها.

وقد شاع استخدام مصطلح (سباق التسلح) خلال حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ويمكن تعريف سباق التسلح بأنه علاقة تنافس وعداء موجودة بين دولتين أو مجموعة من الدول بهدف زيادة كمية السلاح (سباق كمي) وأيضا نوعيته (سباق نوعي).

يزداد الانفاق العالمي على التسلح بوتيرة توسع رقعة التوسعات الجيوسياسية، حيث بدأت روسيا تخسر موقعها كثاني اكبر مصدر للأسلحة الى دولة فرنسا، واصبحت الهند المستورد الاكبر وواردات اوروبا تتضاعف بسبب الحرب على اوكرانيا، من جانب اخر اعلن الرئيس الامريكي بايدن عن زيادة ضئيلة في ميزانية الدفاع الامريكي رغم تحديات الطلب الكبير، ومع تشابك صعود اقتصاد التسلح لبعض الدول مع محاولات تعزيز النفوذ على الساحة الدولية تتزايد مبيعات الاسلحة وتتداخل التحالفات السياسية في توجيه مسار سباق التسلح حول العالم، كما ان الحروب والتوترات الجيوسياسية لم تزد حجم الانفاق العسكري من الانتاج المحلي فحسب بل زادت مبيعات وتصدير الاسلحة حول العالم، وعلى هذا الاساس يطرح تساؤل الى اين يتجه سباق التسلح في العالم في ظل توترات جيوسياسية في مناطق مختلفة؟، وكيف يسهم تصدير الاسلحة في اداء اقتصاديات الدول، وما دور التقارب السياسي بين اطراف بعينها في تعزيز مبيعات الاسلحة؟.

بلغت مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات مما ساهمت باقتصاديات الدول المصنعة للأسلحة وترسيم تحالفات استراتيجية على الساحة الدولية التي تؤثر احيانا في بوصلة سباق التسلح، سباق يتوازن مع التنافس الجيوسياسي بين الدول الكبرى في ظل تصاعد الدعوات لعالم اكثر تعددية للأقطاب.

فبحسب معهد ستوكهولم للأبحاث، لا تزال الولايات المتحدة تتربع على عرش الصدارة كأكبر مصدر عالمي وترتفع حصتها من اجمالي صادرات الاسلحة العالمية من 32-34% وفي السنوات الخمس الاخيرة زودت واشنطن 107 دولة بالمعدات العسكرية وهو اكبر رقم على الاطلاق، بعد الولايات المتحدة اصبحت فرنسا ثاني اكبر مصدر رئيسي للأسلحة عالميا خلال الاعوام الخمسة الاخيرة لتتفوق بذلك لأول مرة على روسيا وريث الاتحاد السوفيتي السابق والصين المنافس الصاعد بقوة على ساحة الاقتصاد والسياسة الدولية.

 وفي اوروبا تبدو الارقام ملفتة ففي الفترة بين 2019-2023 ضاعفت الدول الاوروبية وارداتها من الاسلحة بشكل حاد مقارنة بالفترة 2014-2018 وتفوز الولايات المتحدة بحصة الاسد فيما يخص الصادرات نحو اوروبا بواقع نحو 55%، ومع اشتعال الجبهة الاوكرانية تأتي الاخيرة كأكبر مستورد اوروبي للأسلحة منذ بدأ الغزو الروسي في 2022 ومع انشغالها بحربها ضد اوكرانيا تراجع الدور الروسي بحسب التقرير في امداد الاسلحة للدول الاخرى، ففي اخر خمس سنوات انخفضت الصادرات الروسية بنسبة 53% مقارنة بالسنوات الخمس التي تسبقها ويرجح بعض الخبراء هذا التراجع نتيجة العقوبات التي تفرضها الدول الغربية وواشنطن على روسيا ففي عام 2023 تقلص عدد الدول التي تستقبل الواردات الروسية من الاسلحة الى 22 دولة مقارنة بـ31 دولة في 2019 وفق معهد ستوكهولم.

 وفي صدارة اكبر المستوردين للأسلحة في العالم تأتي الهند بنسبة استحواذ 9.8% من واردات الاسلحة العالمية خلال 2019-2023 والتي اصبحت اكبر مستفيد من صادرات الاسلحة الفرنسية بنحو 30%، تليها السعودية بنسبة استحواذ 8.4%، وقطر بنسبة استحواذ 7.6%، واوكرانيا بنسبة استحواذ 4.9%، وباكستان بنسبة استحواذ 4.3%، واليابان بنسبة استحواذ 4.1%، ومصر بنسبة استحواذ 4% من وارادات الاسلحة العالمية خلال الاعوام 2019-2023 على الترتيب بحسب معهد ستوكهولم للأبحاث.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال: "ان روسيا فاجأت الدول الغربية في تسريع قدراتها في انتاج الدبابات والصواريخ والقذائف مما زاد الضغوط على اوكرانيا في ساحة المعركة"، وبهذا الصدد اضافت الصحيفة الامريكية "ان مسؤولين ومحللين غربيين شككوا في حقيقة هذه الارقام المعلنة عن حجم الانتاج العسكري الروسي واشاروا الى تحديات مثل نقص العمالة وتراجع مستوى الجودة، وتوقع محللون ان يستمر معدل زيادة انتاج الدفاع الروسي لفترة طويلة بدعوى انها تستنزف موارد اقتصاد البلاد".

وعن تداعيات زيادة سباق التسلح الدولي على الأمن والسلام بالعالم، اشار محللون سياسيون إلى أن نشر الأسلحة وتصعيد المواجهات الميدانية بين أطراف الصراع في أوكرانيا، يحمل تأثيرات سلبية على الأمن الإقليمي لحدوث انتهاكات لحقوق الإنسان في الحرب، كما ان زيادة وتيرة تسليح أوكرانيا وانتشار الأسلحة الخفيفة والثقيلة في الحرب، يهدد الأمن الدولي خاصة وأن الحرب الأوكرانية صعدت من مشاركة الجماعات المتطرفة بكافة أطيافها من الجماعات النازية والجماعات المتطرفة، وهذا يعني تراجع سياسات محاربة التطرف والإرهاب في العالم، ما يجعل سباق التسلح التقليدي تحدي للمجتمع الدولي والدول المصدرة للسلاح.

ويرى المحللون، أن تسريع الدول في إنتاج الأسلحة وزيادة حجمها سوف يتضاعف أكثر مع استمرار الحرب الأوكرانية، لاسيما وأن أعلى التوقعات بشأن النفقات العسكرية بلغ نصف تريليون دولار سنويا في أوروبا بحلول 2026، كما ان تراكم التوترات الجيوسياسية سيزيد من اتجاه الدول لتعزيز الترسانة العسكرية حول العالم، والامن اولوية مهمة حتى للدول الصاعدة اقتصاديا لحماية مصالحها في ظل التنافسات الاقليمية، كذلك الطلب المتزايد على حجم الاسلحة يضغط على ميزانيات الدول بشكل عام، وحرب اوكرانيا سببت فجوة في التصنيع العسكري في اوروبا، وصعود الصين بقوة في الفترة الاخيرة ساهم في سباق التسلح العالمي، مما يجعل العالم امام توقع مزيدا من الأعباء الاقتصادية التي تعاني منها الدول التي تستحوذ على الاسلحة فضلاً عن سباقات بين قوى العالم الوسطى (القوى المؤثرة في أقاليمها) والقوى الكبرى وأيضا المزيد من الصراعات المسلحة والمغامرات العسكرية، وربما يستمر العالم في سباقات تسلح موازية لينتهي الأمر في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة كأسوأ سيناريو محتمل.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

ذات صلة

عدل اللّه تعالىدور مهارات إدارة الأموال في التنمية المستدامةهل نجحت الولايات المتحدة الأميركية في كبح التصعيد بين إيران وإسرائيل؟الحاجة الماسة للوعي المروريصمتُ الباطن بوصفه ثمرةً لصمت اللسان