تعدد الجنسية وشغل الوظائف العامة
احمد طلال عبد الحميد البدري
2024-02-14 09:14
تُعرف الجنسية باعتبارها شرطاً لتولي الوظائف العامة بأنها (رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة يترتب عليها حقوق والتزامات متبادلة بينهما)، والجنسية تعد من أهم شروط شغل الوظائف العامة ومنها المدنية على وجه الخصوص، ويجد هذا الشرط أساسه في الدستور والقانون المدني العراقي، حيث نصت المادة (18/أولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على أن (الجنسية العراقية حق لكل عراقي وهي أساس مواطنته)، كما نصت المادة (37) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 المعدل على أن (الجنسية العراقية ينظمها قانون خاص).
كما نصت على شرط الجنسية معظم تشريعات الخدمة المدنية منها المادة (السابعة /1) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل، والمادة (4/1) من نظام الموظفين العموميين اللبناني رقم (112) في 12/6/1959، والمادة (21) من قانون الخدمة المدنية في الحكومة الاتحادية في الامارات العربية المتحدة رقم (21) لسنة 2001، والمادة (14/1) من قانون الخدمة المصري رقم (81) لسنة 2016، إلا أنه يلاحظ على قانون الجنسية العراقي رقم (26) لسنة 2006 قد اعتنق مبدأ تعدد الجنسية مخالفاً بذلك اتفاقية لاهاي المبرمة في 12/4/1930 التي أكدت الجهود الدولية في القضاء الكامل على ظاهرتي التعدد وانعدام الجنسية.
وتعدد أو ازدواج الجنسية يعني أن يكسب شخص جنسية دولتين أو أكثر بحيث يُعد قانوناً من رعايا كل دولة يتمتع بجنسيتها، وهو بذلك يستند إلى ما جاء في دستور 2005 الذي اعتمد على مبدأ جواز تعدد الجنسية للعراقي كخيار تشريعي، وعلى الرغم من كون الدستور العراقي أجاز تعدد الجنسية إلا أنه قيد جواز الاستمرار في شغل المناصب السيادية والأمنية الرفيعة بالتخلي عن أي جنسية أجنبية مكتسبة، في حين إن الواقع العملي يشير إلى استمرار حالة ازدواج الجنسية لمن شغلوا مناصب سيادية وأمنية طيلة فترة شغلهم هذه المناصب، ومصطلح (المناصب السيادية والامنية الرفيعة) الوارد في نص المادة (18/رابعاً) من الدستور هو مصطلح غريب عن القوانين العراقية ويضاف إلى قائمة المصطلحات الجديدة التي تحتاج لتحديد مفهومها بدقة لغرض تحديد المراكز القانونية لشاغليها.
إذ يعطي مجالاً للاجتهاد في تفسير هذا المصطلح لما تخلفه من مركز قانوني مضطرب اما الجهات القضائية والإدارية، وهنا يثور التساؤل هل يعتبر ذو الدرجات الخاصة من ذوي المناصب الرفيعة فيما إذا كانت هذه الدرجات ضمن ملاك الوزارات السيادية أو الأجهزة الأمنية؟ وهل يجوز تعيين الموظف مزدوج الجنسية؟
والراجح حسب وجهة نظرنا جواز تعيين الموظف مزدوج الجنسية استناداً لنص الدستور وقانون الجنسية النافذ، الا ان هذا الاتجاه يحتاج لاعادة النظر فيه والأخذ بتجارب الدول المتقدمة التي تحظر على المواطن شغل وظيفة عليا او درجة خاصة في الدولة كمدير عام أو وكيل وزير وهو يحمل جنسية دولة أخرى إلا بموافقات كون الوظيفه العامة مرتبطه بمبدأ المواطنة والولاء للوطن.
وان مجرد حمل جنسية اخرى اثناء شغل الوظائف العامة يخل بهذا المبدأ من حيث الاصل ولكل قاعدة استثناء، أما شغل منصب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزير والسفير وغيرها من المواقع السيادية لا يتم إلا بعد التنازل عن الجنسية الأجنبية المكتسبة، أو التنازل عن المنصب والاحتفاظ بجنسية الدولة الأجنبية وهذا ما معمول به في فرنسا والعراق وأغلب دول العالم، حيث نصت المادة (50) من لائحة الخدمة المدنية الفرنسي المرقمة (95/244) في 4/فبراير/1959 على حضر استخدام الاجانب ابتداءً إلا بصفة مؤقتة وبعقود محدودة المدة، اما في مصر فإن قرار رئيس الجمهورية المرقم (114) لسنة 1968 بشأن قواعد توظيف الاجانب نص في مادته الأولى على عدم جواز اسناد أية وظيفة إلى أجنبي إلا إذا اقتضت الضرورة وذلك للإفادة من ذوي المؤهلات أو الكفاءة والخبرة الخاصة التي لا تتوافر في رعايا جمهورية مصر العربية.
اما في العراق فلازال متعددي الجنسية يشغلون الوظائف السيادية والامنية الرفيعه بصورة مخالفة للدستور الذي اوجب التنازل عن الجنسية الاجنبية قبل شغل المنصب السيادي او الامني، وهذا يقتضي اعتماد تدخل تشريعي ينظم اسقاط الجنسية الاجنبية بحكم القانون حال تولي متعدد الجنسية منصباً سيادياً او امنياً رفيعاً دون جعل ذلك موقوفاً على ارادة شاغل هذه المناصب بالتنازل عنها، استناداً للمادة (18/رابعاً) من الدستور التي نصت على ان يجوز تعدد الجنسية للعراقي.
وعلى من يتولى منصباً سيادياً او امنياً رفيعاً التخلي عن اي جنسية اخرى مكتسبة، وينظم ذلك بقانون) لان التجربة العملية اثبتت عدم تنازل اياً من شغل هذه الوظائف من متعددي الجنسية عن جنسيته الاجنبية المكتسبة اثناء شغله لهذه المناصب ولازالت هذه المادة تتعرض للخرق المستمر.